الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ قرأ ]

                                                          قرأ : القرآن : التنزيل العزيز ، وإنما قدم على ما هو أبسط منه لشرفه . قرأه يقرؤه ، ويقرؤه الأخيرة عن الزجاج قرءا وقراءة وقرآنا ، الأولى عن اللحياني ، فهو مقروء . أبو إسحاق النحوي : يسمى كلام الله تعالى الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم كتابا وقرآنا وفرقانا ، ومعنى القرآن معنى الجمع وسمي قرآنا لأنه يجمع السور فيضمها ؛ وقوله تعالى : إن علينا جمعه وقرآنه ، أي : جمعه وقراءته فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ، أي : قراءته . قال ابن عباس رضي الله عنهما : فإذا بيناه لك بالقراءة فاعمل بما بيناه لك ، فأما قوله :


                                                          هن الحرائر لا ربات أخمرة سود المحاجر لا يقرأن بالسور



                                                          فإنه أراد لا يقرأن السور ، فزاد الباء كقراءة من قرأ : تنبت بالدهن وقراءة من قرأ : ( يكاد سنى برقه يذهب بالأبصار ) ، أي : تنبت الدهن ويذهب الأبصار . وقرأت الشيء قرآنا : جمعته وضممت بعضه إلى بعض . ومنه قولهم : ما قرأت هذه الناقة سلى قط ، وما قرأت جنينا قط ، أي : لم يضطم رحمها على ولد ، وأنشد عمرو بن كلثوم :


                                                          هجان اللون لم تقرأ جنينا



                                                          وقال : قال أكثر الناس معناه : لم تجمع جنينا ، أي : لم يضطم رحمها على الجنين . قال وفيه قول آخر : لم تقرأ جنينا ، أي : لم تلقه . ومعنى قرأت القرآن : لفظت به مجموعا ، أي : ألقيته . وروي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قرأ القرآن على إسماعيل بن قسطنطين ، وكان يقول : القران اسم وليس بمهموز . ولم يؤخذ من قرأت ، ولكنه اسم لكتاب الله مثل التوراة ، والإنجيل ، ويهمز قرأت ولا يهمز القران [ ص: 51 ] كما تقول إذا قرأت القران . قال وقال إسماعيل : قرأت على شبل ، وأخبر شبل أنه قرأ على عبد الله بن كثير ، وأخبر عبد الله أنه قرأ على مجاهد ، وأخبر مجاهد أنه قرأ على ابن عباس رضي الله عنهما ، وأخبر ابن عباس أنه قرأ على أبي وقرأ أبي على النبي صلى الله عليه وسلم . وقال أبو بكر بن مجاهد المقرئ : كان أبو عمرو بن العلاء لا يهمز القرآن ، وكان يقرؤه كما روى عن ابن كثير . وفي الحديث : أقرؤكم أبي . قال ابن الأثير : قيل أراد من جماعة مخصوصين أو في وقت من الأوقات ، فإن غيره كان أقرأ منه . قال : ويجوز أن يريد به أكثرهم قراءة ، ويجوز أن يكون عاما وأنه أقرأ الصحابة ، أي : أتقن للقرآن وأحفظ . ورجل قارئ من قوم قراء وقرأة وقارئين . وأقرأ غيره يقرئه إقراء . ومنه قيل : فلان المقرئ . قال سيبويه : قرأ واقترأ بمعنى ، بمنزلة علا قرنه واستعلاه . وصحيفة مقروءة لا يجيز الكسائي والفراء غير ذلك ، وهو القياس . وحكى أبو زيد : صحيفة مقرية ، وهو نادر إلا في لغة من قال : قريت . وقرأت الكتاب قراءة وقرآنا ، ومنه سمي القرآن . وأقرأه القرآن فهو مقرئ . وقال ابن الأثير : تكرر في الحديث ذكر القراءة والاقتراء ، والقارئ ، والقرآن ، والأصل في هذه اللفظة الجمع وكل شيء جمعته فقد قرأته . وسمي القرآن ؛ لأنه جمع القصص ، والأمر والنهي ، والوعد ، والوعيد ، والآيات والسور بعضها إلى بعض ، وهو مصدر كالغفران ، والكفران . قال : وقد يطلق على الصلاة ; لأن فيها قراءة تسمية للشيء ببعضه ، وعلى القراءة نفسها ، يقال : قرأ يقرأ قراءة وقرآنا . والاقتراء : افتعال من القراءة . قال : وقد تحذف الهمزة منه تخفيفا ، فيقال : قران وقريت وقار ، ونحو ذلك من التصريف . وفي الحديث : أكثر منافقي أمتي قراؤها ، أي : أنهم يحفظون القرآن نفيا للتهمة عن أنفسهم وهم معتقدون تضييعه . وكان المنافقون في عصر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصفة . وقارأه مقارأة وقراء بغير هاء : دارسه . واستقراه : طلب إليه أن يقرأ . وروي عن ابن مسعود : تسمعت للقرأة فإذا هم متقارئون حكاه اللحياني ولم يفسره . قال ابن سيده : وعندي أن الجن كانوا يرومون القراءة . وفي حديث أبي في ذكر سورة الأحزاب : إن كانت لتقارئ سورة البقرة أو هي أطول ، أي : تجاريها مدى طولها في القراءة أو إن قارئها ليساوي قارئ البقرة في زمن قراءتها ، وهي مفاعلة من القراءة . قال الخطابي : هكذا رواه ابن هاشم وأكثر الروايات : إن كانت لتوازي . ورجل قراء : حسن القراءة من قوم قرائين ولا يكسر . وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما : أنه كان لا يقرأ في الظهر ، والعصر ، ثم قال في آخره : وما كان ربك نسيا ، معناه : أنه كان لا يجهر بالقراءة فيهما ، أو لا يسمع نفسه قراءته كأنه رأى قوما يقرءون فيسمعون نفوسهم ومن قرب منهم . ومعنى قوله : وما كان ربك نسيا يريد أن القراءة التي تجهر بها أو تسمعها نفسك يكتبها الملكان ، وإذا قرأتها في نفسك لم يكتباها والله يحفظها لك ولا ينساها ليجازيك عليها . والقارئ ، والمتقرئ ، والقراء كله : الناسك ، مثل حسان وجمال .

                                                          ؛ وقول زيد بن تركي الزبيدي وفي الصحاح قال الفراء . أنشدني أبو صدقة الدبيري :


                                                          بيضاء تصطاد الغوي وتستبي     بالحسن قلب المسلم القراء



                                                          القراء : يكون من القراءة جمع قارئ ولا يكون من التنسك ، وهو أحسن . قال ابن بري : صواب إنشاده بيضاء بالفتح ; لأن قبله :


                                                          ولقد عجبت لكاعب مودونة     أطرافها بالحلي ، والحناء



                                                          ومودونة : ملينة ، ودنوه ، أي : رطبوه . وجمع القراء : قراءون وقرائئ جاءوا بالهمز في الجمع لما كانت غير منقلبة بل موجودة في قرأت . الفراء يقال : رجل قراء وامرأة قراءة . وتقرأ : تفقه وتقرأ تنسك . ويقال : قرأت ، أي : صرت قارئا ناسكا . وتقرأت تقرؤا في هذا المعنى . وقال بعضهم : قرأت : تفقهت . ويقال : أقرأت في الشعر ، وهذا الشعر على قرء هذا الشعر ، أي : طريقته ومثاله . ابن بزرج : هذا الشعر على قري هذا . وقرأ عليه السلام يقرؤه عليه وأقرأه إياه : أبلغه . وفي الحديث : إن الرب عز وجل يقرئك السلام . يقال : أقرئ فلانا السلام واقرأ عليه السلام ، كأنه حين يبلغه سلامه يحمله على أن يقرأ السلام ، ويرده . وإذا قرأ الرجل القرآن ، والحديث على الشيخ يقول : أقرأني فلان ، أي : حملني على أن أقرأ عليه . والقرء : الوقت . قال الشاعر :


                                                          إذا ما السماء لم تغم ، ثم أخلفت     قروء الثريا أن يكون لها قطر



                                                          يريد وقت نوئها الذي يمطر فيه الناس . ويقال للحمى : قرء ، وللغائب : قرء وللبعيد : قرء . والقرء ، والقرء : الحيض والطهر ضد . وذلك أن القرء الوقت فقد يكون للحيض والطهر . قال أبو عبيد : القرء يصلح للحيض والطهر . قال : وأظنه من أقرأت النجوم إذا غابت . والجمع : أقراء . وفي الحديث : دعي الصلاة أيام أقرائك . وقروء على فعول ، وأقرؤ الأخيرة عن اللحياني في أدنى العدد ، ولم يعرف سيبويه أقراء ولا أقرؤا . قال : استغنوا عنه بفعول . وفي التنزيل : ثلاثة قروء أراد ثلاثة أقراء من قروء ، كما قالوا : خمسة كلاب يراد بها خمسة من الكلاب . وكقوله :


                                                          خمس بنان قانئ الأظفار



                                                          أراد خمسا من البنان . وقال الأعشى :


                                                          مورثة مالا وفي الحي رفعة     لما ضاع فيها من قروء نسائكا



                                                          وقال الأصمعي في قوله تعالى : ثلاثة قروء قال : جاء هذا على غير قياس ، والقياس ثلاثة أقرؤ ، ولا يجوز أن يقال : ثلاثة فلوس ، إنما يقال ثلاثة أفلس ، فإذا كثرت فهي الفلوس ولا يقال : ثلاثة رجال ، إنما هي ثلاثة رجلة ، ولا يقال : ثلاثة كلاب ، إنما هي ثلاثة أكلب . قال أبو حاتم : والنحويون قالوا في قوله تعالى : ثلاثة قروء . أراد ثلاثة من القروء . أبو عبيد : الأقراء : الحيض ، والأقراء : الأطهار ، وقد أقرأت المرأة في الأمرين جميعا ، وأصله من دنو وقت الشيء . قال الشافعي رضي الله عنه : القرء اسم للوقت فلما كان الحيض يجيء لوقت والطهر يجيء لوقت جاز أن يكون الأقراء حيضا وأطهارا . قال : ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله [ ص: 52 ] عز وجل أراد بقوله : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء الأطهار ، وذلك أن ابن عمر لما طلق امرأته ، وهي حائض فاستفتى عمر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فيما فعل ، فقال : مره فليراجعها فإذا طهرت فليطلقها ، فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء . وقال أبو إسحاق : الذي عندي في حقيقة هذا أن القرء في اللغة الجمع ، وأن قولهم قريت الماء في الحوض ، وإن كان قد ألزم الياء فهو جمعت ، وقرأت القرآن : لفظت به مجموعا ، والقرد يقري ، أي : يجمع ما يأكل في فيه ، فإنما القرء اجتماع الدم في الرحم وذلك إنما يكون في الطهر . وصح عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا : الأقراء ، والقروء : الأطهار . وحقق هذا اللفظ من كلام العرب قول الأعشى :


                                                          لما ضاع فيها من قروء نسائكا



                                                          فالقروء هنا الأطهار لا الحيض ; لأن النساء إنما يؤتين في أطهارهن لا في حيضهن ، فإنما ضاع بغيبته عنهن أطهارهن . ويقال : قرأت المرأة : طهرت وقرأت : حاضت . قال حميد :


                                                          أراها غلامانا الخلا فتشذرت     مراحا ولم تقرأ جنينا ولا دما



                                                          يقال : لم تحمل علقة ، أي : دما ولا جنينا . قال الأزهري : وأهل العراق يقولون : القرء : الحيض وحجتهم قوله صلى الله عليه وسلم : دعي الصلاة أيام أقرائك ، أي : أيام حيضك . وقال الكسائي والفراء معا : أقرأت المرأة إذا حاضت فهي مقرئ . وقال الفراء : أقرأت الحاجة إذا تأخرت . وقال الأخفش : أقرأت المرأة إذا حاضت وما قرأت حيضة ، أي : ما ضمت رحمها على حيضة . قال ابن الأثير : قد تكررت هذه اللفظة في الحديث مفردة ومجموعة فالمفردة بفتح القاف ، وتجمع على أقراء وقروء ، وهو من الأضداد يقع على الطهر ، وإليه ذهب الشافعي وأهل الحجاز ، ويقع على الحيض ، وإليه ذهب أبو حنيفة وأهل العراق ، والأصل في القرء الوقت المعلوم ، ولذلك وقع على الضدين ; لأن لكل منهما وقتا . وأقرأت المرأة إذا طهرت وإذا حاضت . وهذا الحديث أراد بالأقراء فيه الحيض ؛ لأنه أمرها فيه بترك الصلاة . وأقرأت المرأة ، وهي مقرئ : حاضت وطهرت . وقرأت إذا رأت الدم . والمقرأة : التي ينتظر بها انقضاء أقرائها . قال أبو عمرو بن العلاء : دفع فلان جاريته إلى فلانة تقرئها ، أي : تمسكها عندها حتى تحيض للاستبراء . وقرئت المرأة : حبست حتى انقضت عدتها . وقال الأخفش : أقرأت المرأة إذا صارت صاحبة حيض ، فإذا حاضت قلت : قرأت بلا ألف . يقال : قرأت المرأة حيضة أو حيضتين . والقرء انقضاء الحيض . وقال بعضهم : ما بين الحيضتين . وفي إسلام أبي ذر : لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلا يلتئم على لسان أحد ، أي : على طرق الشعر وبحوره ، واحدها قرء بالفتح . وقال الزمخشري أو غيره : أقراء الشعر : قوافيه التي يختم بها . كأقراء الطهر التي ينقطع عندها . الواحد قرء وقرء وقريء ؛ لأنها مقاطع الأبيات وحدودها . وقرأت الناقة والشاة تقرأ : حملت . قال :


                                                          هجان اللون لم تقرأ جنينا



                                                          وناقة قارئ بغير هاء وما قرأت سلى قط : ما حملت ملقوحا ، وقال اللحياني : معناه ما طرحت . وقرأت الناقة : ولدت . وأقرأت الناقة والشاة : استقر الماء في رحمها ، وهي في قروتها على غير قياس ، والقياس قرأتها . وروى الأزهري عن أبي الهيثم أنه قال : يقال : ما قرأت الناقة سلى قط وما قرأت ملقوحا قط . قال بعضهم : لم تحمل في رحمها ولدا قط . وقال بعضهم : ما أسقطت ولدا قط ، أي : لم تحمل . ابن شميل : ضرب الفحل الناقة على غير قرء ، وقرء الناقة : ضبعتها . وهذه ناقة قارئ ، وهذه نوق قوارئ يا هذا ، وهو من أقرأت المرأة إلا أنه يقال في المرأة بالألف وفي الناقة بغير ألف . وقرء الفرس : أيام وداقها أو أيام سفادها ، والجمع أقراء . واستقرأ الجمل الناقة إذا تاركها لينظر ألقحت أم لا . أبو عبيدة : ما دامت الوديق في وداقها فهي في قروئها وأقرائها . وأقرأت النجوم : حان مغيبها . وأقرأت النجوم أيضا : تأخر مطرها . وأقرأت الرياح : هبت لأوانها ودخلت في أوانها . والقارئ : الوقت ؛ وقول مالك بن الحرث الهذلي :


                                                          كرهت العقر عقر بني شليل     إذا هبت لقارئها الرياح



                                                          أي : لوقت هبوبها وشدة بردها . والعقر : موضع بعينه . وشليل : جد جرير بن عبد الله البجلي . ويقال : هذا قارئ الريح : لوقت هبوبها ، وهو من باب الكاهل ، والغارب ، وقد يكون على طرح الزائد . وأقرأ أمرك وأقرأت حاجتك قيل : دنا ، وقيل : استأخر . وفي الصحاح : وأقرأت حاجتك : دنت . وقال بعضهم : أعتمت قراك أم أقرأته ، أي : أحبسته وأخرته وأقرأ من أهله : دنا . وأقرأ من سفره : رجع . وأقرأت من سفري ، أي : انصرفت . والقرأة بالكسر مثل القرعة : الوباء . وقرأة البلاد : وباؤها . قال الأصمعي : إذا قدمت بلادا فمكثت بها خمس عشرة ليلة فقد ذهبت عنك قرأة البلاد ، وقرء البلاد . فأما قول أهل الحجاز قرة البلاد فإنما هو على حذف الهمزة المتحركة ، وإلقائها على الساكن الذي قبلها ، وهو نوع من القياس ، فأما إغراب أبي عبيد وظنه إياه لغة فخطأ . وفي الصحاح : أن قولهم قرة بغير همز معناه : أنه إذا مرض بها بعد ذلك فليس من وباء البلاد .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية