الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ قدم ]

                                                          قدم : في أسماء الله تعالى المقدم : هو الذي يقدم الأشياء ، ويضعها في مواضعها فمن استحق التقديم قدمه . والقديم على الإطلاق : الله عز وجل . والقدم : العتق مصدر القديم . والقدم : نقيض الحدوث قدم يقدم قدما وقدامة وتقادم وهو قديم ، والجمع قدماء وقدامى . وشيء قدام : كقديم . وفي حديث ابن مسعود : فسلم عليه وهو يصلي فلم يرد عليه ، قال : فأخذني ما قدم وما حدث ، أي : الحزن ، والكآبة ، يريد أنه عاودته أحزانه القديمة ، واتصلت بالحديثة ، وقيل : معناه غلب علي التفكر في أحوالي القديمة ، والحديثة أيها كان سببا لترك رده السلام علي . والقدم ، والقدمة : السابقة في الأمر . يقال : لفلان قدم صدق ، أي : أثرة حسنة ، قال ابن بري : القدم التقدم ، قال الشاعر :


                                                          وإن يك قوم قد أصيبوا فإنهم بنوا لكم خير البنية ، والقدم



                                                          [ ص: 42 ] وقال أمية بن أبي الصلت :


                                                          عرفت أن لا يفوت الله ذو قدم     وأنه من أمير السوء منتقم



                                                          وقال عبد الله بن همام السلولي :


                                                          ونستعين إذا اصطكت حدودهم     عند اللقاء بحد ثابت القدم



                                                          وقال جرير :


                                                          أبني أسيد قد وجدت لمازن     قدما وليس لكم قديم يعلم



                                                          وفي حديث عمر : إنا على منازلنا من كتاب الله وقسمة رسوله ، والرجل وقدمه والرجل وبلاؤه ، أي : أفعاله وتقدمه في الإسلام وسبقه . وفي التنزيل العزيز : وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ؛ أي : سابق خير وأثرا حسنا ، قال الأخفش : هو التقديم كأنه قدم خيرا ، وكان له فيه تقديم ، وكذلك القدمة بالضم والتسكين ، قال سيبويه : رجل قدم وامرأة قدمة يعني أن لهما قدم صدق في الخير ، قيل : وقدم الصدق المنزلة الرفيعة والسابقة ، والمعنى أنه قد سبق لهم عند الله خير ، قال : وللكافر قدم شر ، قال ذو الرمة :


                                                          وأنت امرؤ من أهل بيت ذؤابة     لهم قدم معروفة ومفاخر



                                                          قالوا : القدم والسابقة ما تقدموا فيه غيرهم . وروي عن أحمد بن يحيى : قدم صدق عند ربهم ، القدم كل ما قدمت من خير . وتقدمت فيه لفلان قدم ، أي : تقدم في الخير . ابن قتيبة : أن لهم قدم صدق يعني عملا صالحا قدموه . أبو زيد : رجل قدم وامرأة قدم من رجال ونساء قدم وهم ذوو القدم . وجاء في تفسير قدم صدق : شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة . وقدام : نقيض وراء وهما يؤنثان ، ويصغران بالهاء : قديدمة وقديديمة ووريئة وهما شاذان ; لأن الهاء لا تلحق الرباعي في الصغير ، قال القطامي :


                                                          قديدمة التجريب ، والحلم أنني     أرى غفلات العيش قبل التجارب

                                                          قال ابن بري : من كسر " أن " استأنف ، ومن فتح فعلى المفعول له . وتقول : لقيته قديديمة ذلك ووريئة ذلك ، قال اللحياني : قال الكسائي : قدام مؤنثة ، وإن ذكرت جاز ، وقد قيل في تصغيره قديديم ، وهذا يقوي ما حكاه الكسائي من تذكيرها ، وهي أيضا القدام ، والقيدام ، والقيدوم عن كراع . والقدم : المضي أمام أمام ، وهو يمشي القدم ، والقدمية واليقدمية والتقدمية إذا مضى في الحرب . ومضى القوم التقدمية إذا تقدموا ، قال سيبويه : التاء زائدة ، وقال :


                                                          ماذا ببدر فالعقن     قل من مرازبة جحاجح
                                                          الضاربين التقدمي     ية بالمهندة الصفائح

                                                          التهذيب : يقال مشى فلان القدمية والتقدمية إذا تقدم في الشرف ، والفضل ولم يتأخر عن غيره في الإفضال على الناس . وروي عن ابن عباس أنه قال : إن ابن أبي العاص مشى القدمية وإن الزبير لوى ذنبه ، أراد أحدهما سما إلى معالي الأمور فحازها وأن الآخر قصر عما سما له منها ، قال أبو عبيد في قوله مشى القدمية : قال أبو عمرو معناه التبختر ، قال أبو عبيد : إنما هو مثل ، ولم يرد المشي بعينه ، ولكنه أراد به ركب معالي الأمور ، قال ابن الأثير : وفي رواية : اليقدمية ، قال : والذي جاء في رواية البخاري القدمية ، ومعناها أنه تقدم في الشرف ، والفضل على أصحابه ، قال : والذي جاء في كتب الغريب : اليقدمية والتقدمية بالياء والتاء وهما زائدتان ومعناهما التقدم ، ورواه الأزهري بالياء المعجمة من تحت ، والجوهري بالتاء المعجمة من فوق ، قال : وقيل إن اليقدمية بالياء من تحت هو التقدم بهمته وأفعاله . والتقدمة والتقدمية : أول تقدم الخيل ، عن السيرافي . وقدمهم يقدمهم قدما وقدوما وقدمهم كلاهما : صار أمامهم . وأقدمه وقدمه بمعنى ، قال لبيد :


                                                          فمضى وقدمها وكانت عادة     منه إذا هي عردت إقدامها



                                                          أي : يقدمها ، قالوا : أنث الإقدام ؛ لأنه في معنى التقدمة ، وقيل : لأنه في معنى العادة ، وهي خبر كان ، وخبر كان هو اسمها في المعنى ، ومثله قولهم : ما جاءت حاجتك فأنث ما حيث كانت في المعنى الحاجة . وتقدم : كقدم . وقدم واستقدم : تقدم . التهذيب : ويقال قدم فلان فلانا إذا تقدمه . الجوهري : قدم بالفتح يقدم قدوما ، أي : تقدم ، ومنه قوله تعالى : يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار ؛ أي : يتقدمهم إلى النار ومصدره القدم . يقال : قدم يقدم وتقدم يتقدم وأقدم يقدم واستقدم يستقدم بمعنى واحد . وفي التنزيل العزيز : ياأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله وقرئ : لا تقدموا ، قال الزجاج : معناه إذا أمرتم بأمر فلا تفعلوه قبل الوقت الذي أمرتم أن تفعلوه فيه ، وجاء في التفسير : أن رجلا ذبح يوم النحر قبل الصلاة فتقدم قبل الوقت ، فأنزل الله الآية وأعلم أن ذلك غير جائز ، وقال الزجاج في قوله : ولقد علمنا المستقدمين منكم : في طاعة الله ، والمستأخرين : فيها . والقدمة من الغنم : التي تكون أمام الغنم في الرعي ؛ وقوله تعالى : ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين يعني من يتقدم من الناس على صاحبه في الموت ومن يتأخر منهم فيه ، وقيل : علمنا المستقدمين من الأمم وعلمنا المستأخرين ، وقال ثعلب : معناه من يأتي منكم أولا إلى المسجد ومن يأتي متأخرا . وقدم بين يديه ، أي : تقدم ؛ وقوله عز وجل : لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ؛ ولا تقدموا ، فسره ثعلب ، فقال : من قرأ تقدموا فمعناه لا تقدموا كلاما قبل كلامه ، ومن قرأ لا تقدموا فمعناه لا تقدموا قبله ، وقال الزجاج : تقدموا وتقدموا بمعنى . وأقدم وأقدم : زجر للفرس وأمر له بالتقدم . وفي حديث بدر : إقدم حيزوم بالكسر ، والصواب فتح الهمزة ، كأنه يؤمر بالإقدام ، وهو التقدم في الحرب . والإقدام : الشجاعة ، قال : وقد تكسر الهمزة من إقدم ، ويكون أمرا بالتقدم لا غير ، والصحيح الفتح من أقدم . وقيدوم كل شيء وقيدامه : أوله ، قال تميم بن مقبل :


                                                          مسامية خوصاء ذات نثيلة     إذا كان قيدام المجرة أقودا



                                                          وقيدوم الجبل وقديديمته : أنف يتقدم منه ، قال الشاعر :


                                                          بمستهطع رسل كأن جديله     بقيدوم رعن من صوام ممنع



                                                          [ ص: 43 ] وصوام : اسم جبل ؛ وقول رؤبة بن العجاج :


                                                          أحقب يحذو رهقى قيدوما



                                                          أي : أتانا يمشي قدما . وقيدوم كل شيء : مقدمه وصدره . وقيدوم كل شيء : ما تقدم منه ، قال أبو حية :


                                                          تحجر الطير من قيدومها البرد



                                                          أي : من قيدوم هذه السحابة . وقيدوم كل شيء : مقدمه وصدره . وقدم : نقيض أخر بمنزلة قبل ودبر . ورجل قدم : يقتحم الأمور ، والأشياء يتقدم الناس ، ويمشي في الحروب قدما . ورجل قدم وقدم : شجاع ، والأنثى قدمة . ابن شميل : رجل قدم وامرأة قدم إذا كانا جريئين . وفي حديث علي رضي الله عنه : غير نكل في قدم ولا واهنا في عزم ، أي : في تقدم ، وقد يكون القدم بمعنى التقدم . وفي الحديث : طوبى لعبد مغبر قدم في سبيل الله ، رجل قدم بضمتين ، أي : شجاع ومعنى قدم ، أي : لم يعرج . وفي حديث علي : نظر قدما أمامه ، أي : لم يعرج ولم ينثن ، وقد تسكن الدال . يقال : قدم بالفتح يقدم قدما ، أي : تقدم . وفي حديث شيبة بن عثمان : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قدما ها ، أي : تقدموا وها تنبيه يحرضهم على القتال . والقدم : الشرف القديم على مثال فعل . ابن شميل : لفلان عند فلان قدم ، أي : يد ومعروف وصنيعة ، وقد قدم وقدم وأقدم وتقدم واستقدم بمعنى ، كما يقال استجاب وأجاب . ورجل مقدام ومقدامة : مقدم كثير الإقدام على العدو جريء في الحرب ، الأخيرة عن اللحياني . ورجال مقاديم ، والاسم منه القدمة ؛ أنشد ابن الأعرابي :


                                                          تراه على الخيل ذا قدمة     إذا سربل الدم أكفالها

                                                          ورجل قدم ، بكسر الدال ، أي : متقدم ؛ أنشد أبو عمرو لجرير :


                                                          أسراق قد علمت معد أنني     قدم إذا كره الخياض جسور



                                                          ويقال : ضرب فركب مقاديمه إذا وقع على وجهه واحدها مقدم . وفي المثل : استقدمت رحالتك يعني سرجك ، أي : سبق ما كان غيره أحق به ، ويقال : هو جريء المقدم بضم الميم وفتح الدال ، أي : هو جريء عند الإقدام . والقدم : المضي ، وهو الإقدام . يقال : أقدم فلان على قرنه إقداما وقدما ومقدما إذا تقدم عليه بجراءة صدره . وأقدم على الأمر إقداما ، والإقدام : ضد الإحجام . ومقدمة العسكر وقادمتهم وقداماهم : متقدموهم . التهذيب : مقدمة الجيش بكسر الدال أوله الذين يتقدمون الجيش ، وأنشد ابن بري للأعشى :


                                                          هم ضربوا بالحنو حنو قراقر     مقدمة الهامرز حتى تولت



                                                          وقيل : إنه يجوز مقدمة بفتح الدال . ومقدمة الجيش : هي من قدم بمعنى تقدم ، ومنه قولهم : المقدمة والنتيجة ، قال البطليوسي : ولو فتحت الدال لم يكن لحنا ; لأن غيره قدمه ، وقال لبيد في قدم بمعنى تقدم :


                                                          قدموا إذ قيل قيس قدموا     وارفعوا المجد بأطراف الأسل



                                                          أراد : يا قيس ، ويروى :


                                                          قدموا إذ قال قيس قدموا



                                                          وقال آخر :


                                                          إن نطق القوم فأنت خياب     أو سكت القوم فأنت قبقاب
                                                          أو قدموا يوما فأنت وجاب



                                                          وقال الأحوص :


                                                          فلو مات إنسان من الحب مقدما     لمت ولكني سأمضي مقدما



                                                          وفي كتاب معاوية إلى ملك الروم : لأكونن مقدمته إليك ، أي : الجماعة التي تتقدم الجيش من قدم بمعنى تقدم وقد استعير لكل شيء ، فقيل : مقدمة الكتاب ومقدمة الكلام بكسر الدال ، قال : وقد تفتح . ومقدمة الإبل ، والخيل ومقدمتهما ، الأخيرة عن ثعلب : أول ما ينتج منهما ، ويلقح ، وقيل : مقدمة كل شيء أوله ، ومقدم كل شيء نقيض مؤخره ، ويقال : ضرب مقدم وجهه . ومقدم العين : ما ولي الأنف بكسر الدال كمؤخرها ما يلي الصدغ ، وقال أبو عبيد : هو مقدم العين ، وقال بعض المحررين : لم يسمع المقدم إلا في مقدم العين ، وكذلك لم يسمع في نقيضه المؤخر إلا مؤخر العين ، وهو ما يلي الصدغ ، ويقال : ضرب مقدم رأسه ومؤخره . والمقدمة : ما استقبلك من الجبهة ، والجبين . والمقدمة : الناصية ، والجبهة . ومقاديم وجهه : ما استقبلت منه واحدها مقدم ومقدم ، الأخيرة عن اللحياني ، قال ابن سيده : فإذا كان مقاديم جمع مقدم فهو شاذ ، وإذا كان جمع مقدم فالياء عوض وامتشطت المرأة المقدمة بكسر الدال لا غير : وهو ضرب من الامتشاط ، قال : أراه من قدام رأسها . وقادمة الرحل وقادمه ومقدمه ومقدمته بكسر الدال مخففة ومقدمه ومقدمته بفتح الدال المشددة : أمام الواسط ، وكذلك هذه اللغات كلها في آخرة الرحل ، وقال :


                                                          كأن من آخرها القادم     مخرم فخذ فارغ المخارم



                                                          أراد من آخرها إلى القادم فحذف إحدى اللامين الأولى ، قال أبو منصور : العرب تقول آخرة الرحل وواسطه ولا تقول قادمته . وفي الحديث : إن ذفراها لتكاد تصيب قادمة الرحل ؛ هي الخشبة التي في مقدمة كور البعير بمنزلة قربوس السرج . وقيدوم الرحل : قادمته . وقادم الإنسان : رأسه ، والجمع القوادم ، وهي المقادم وأكثر ما يتكلم به جمعا ، وقيل : لا يكاد يتكلم بالواحد منه . والقادمتان ، والقادمان : الخلفان المتقدمان من أخلاف الناقة . وقادم الأطباء والضروع : الخلفان المتقدمان من أخلاف البقرة والناقة ، وإنما يقال : قادمان لكل ما كان له آخران إلا أن طرفة استعاره للشاة ، فقال :


                                                          من الزمرات أسبل قادماها     وضرتها مركنة درور



                                                          وليس لهما آخران ، وللناقة قادمان وآخران ، الواحد قادم وآخر ، وكذلك البقرة وقادماها خلفاها اللذان يليان السرة ، وآخراها الخلفان اللذان يليان مؤخرها . وقوادم ريش الطائر : ضد خوافيها ، الواحدة قادمة وخافية . ابن سيده : والقوادم أربع ريشات في مقدم الجناح الواحدة قادمة ، وهي القدامى ، والمناكب اللواتي بعدهن إلى أسفل الجناح ، والخوافي ما بعد المناكب ، والأباهر من بعد الخوافي ، وقيل : [ ص: 44 ] قوادم الطير مقاديم ريشه ، وهي عشر في كل جناح . ابن الأنباري : قدامى الريش المقدم ، قال رؤبة :


                                                          خلقت من جناحك الغدافي     من القدامى لا من الخوافي



                                                          ومن أمثالهم : ما جعل القوادم كالخوافي ، قال ابن بري : القدامى تكون واحدا كشكاعى وتكون جمعا كسكارى ، قال القطامي :


                                                          وقد علمت شيوخهم القدامى



                                                          وهذا البيت أورده الأزهري مستشهدا به على القدامى بمعنى القدماء وسيأتي . والمقدام : ضرب من النخل ، قال أبو حنيفة : هو أبكر نخل عمان سميت بذلك لتقدمها النخل بالبلوغ . والقدم : الرجل أنثى ، والجمع أقدام لم يجاوزوا به هذا . ابن السكيت : القدم والرجل أنثيان ، وتصغيرهما قديمة ورجيلة ، ويجمعان أرجلا وأقداما . الليث : القدم من لدن الرسغ ما يطأ عليه الإنسان ، قال ابن بري : وقد يجمع قدم على قدام ، قال جرير :


                                                          وأماتكم فتخ القدام وخيضف



                                                          وخيضف : فيعل من الخضف ، وهو الضراط ؛ وقوله تعالى : ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا جاء في التفسير : أنه يعني ابن آدم قابيل الذي قتل أخاه وإبليس ومعنى : نجعلهما تحت أقدامنا ؛ أي : يكونان في الدرك الأسفل من النار ؛ وقوله صلى الله عليه وسلم : كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي هاتين ، أراد أني قد أهدرت ذلك كله ، قال ابن الأثير : أراد إخفاءها وإعدامها وإذلال أمر الجاهلية ونقض سنتها ، ومنه الحديث : ثلاثة في المنسى تحت قدم الرحمن ، أي : أنهم منسيون متروكون غير مذكورين بخير .

                                                          وفي أسمائه صلى الله عليه وسلم : أنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، أي : على أثري . وفي حديث مواقيت الصلاة : كان قدر صلاته الظهر في الصيف ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام ، قال ابن الأثير : أقدام الظل التي تعرف بها أوقات الصلاة هي قدم كل إنسان على قدر قامته ، وهذا أمر يختلف باختلاف الأقاليم والبلاد ; لأن سبب طول الظل وقصره هو انحطاط الشمس وارتفاعها إلى سمت الرءوس فكلما كانت أعلى وإلى محاذاة الرءوس في مجراها أقرب كان الظل أقصر ، وينعكس الأمر بالعكس ولذلك ترى ظل الشتاء في البلاد الشمالية أبدا أطول من ظل الصيف في كل موضع منها ، وكانت صلاته صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة ، وهما من الإقليم الثاني ، ويذكر أن الظل فيهما عند الاعتدال في آذار وأيلول ثلاثة أقدام ، وبعض قدم فيشبه أن تكون صلاته إذا اشتد الحر متأخرة عن الوقت المعهود قبله إلى أن يصير الظل خمسة أقدام أو خمسة وشيئا ، ويكون في الشتاء أول الوقت خمسة أقدام وآخره سبعة أو سبعة وشيئا ، فينزل هذا الحديث على هذا التقدير في ذلك الإقليم دون سائر الأقاليم ، قال ابن سيده : وأما ما جاء في حديث صفة النار من أنه صلى الله عليه وسلم ، قال : لا تسكن جهنم حتى يضع الله فيها قدمه ، فإنه روي عن الحسن وأصحابه أنه قال : حتى يجعل الله فيها الذين قدمهم لها من شرار خلقه فهم قدم الله للنار ، كما أن المسلمين قدمه إلى الجنة . والقدم : كل ما قدمت من خير أو شر ، وتقدمت لفلان فيه قدم ، أي : تقدم من خير أو شر ، وقيل : وضع القدم على الشيء مثل للردع والقمع ، فكأنه قال يأتيها أمر الله فيكفها عن طلب المزيد ، وقيل : أراد به تسكين فورتها ، كما يقال للأمر تريد إبطاله : وضعته تحت قدمي ، وقيل : حتى يضع الله فيها قدمه إنه متروك على ظاهره ويؤمن به ولا يفسر ولا يكيف . ابن بري : يقال هو يضع قدما على قدم إذا تتبع السهل من الأرض ، قال الراجز :


                                                          قد كان عهدي ببني قيس وهم     لا يضعون قدما على قدم
                                                          ولا يحلون بإل في الحرم



                                                          يقول : عهدي بهم أعزاء لا يتوقون ولا يطلبون السهل ، وقيل : لا يكونون تباعا لقوم ، قال : وهذا أحسن القولين ؛ وقوله : ولا يحلون بإل ، أي : لا ينزلون بجوار أحد يأخذون منه إلا وذمة . والقدوم : الرجوع من السفر ، قدم من سفره يقدم قدوما ومقدما بفتح الدال فهو قادم : آب ، والجمع قدم وقدام تقول : وردت مقدم الحاج تجعله ظرفا ، وهو مصدر ، أي : وقت مقدم الحاج ، ويقال : قدم فلان من سفره يقدم قدوما . وقدم فلان على الأمر إذا أقدم عليه ، ومنه قول الأعشى :


                                                          فكم ما ترين امرءا راشدا     تبين ثم انتهى إذ قدم



                                                          وقدم فلان إلى أمر كذا وكذا ، أي : قصد له ، ومنه قوله تعالى : وقدمنا إلى ما عملوا من عمل ؛ قال الزجاج والفراء : معنى قدمنا عمدنا وقصدنا ، كما تقول : قام فلان يفعل كذا تريد قصد إلى كذا ، ولا تريد قام من القيام على الرجلين . والقدائم : القديم من الأشياء همزته زائدة ، ويقال : قدما كان كذا وكذا ، وهو اسم من القدم جعل اسما من أسماء الزمان . والقدامى : القدماء ، قال القطامي :


                                                          وقد علمت شيوخهم القدامى     إذا قعدوا كأنهم النسار



                                                          جمع النسر . ومضى قدما بضم الدال : لم يعرج ولم ينثن ، وقال يصف امرأة فاجرة :


                                                          تمضي إذا زجرت عن سوأة     قدما كأنها هدم في الجفر منقاض



                                                          يقول : إذا زجرت عن قبيح أسرعت إليه ووقعت فيه كما يقع الهدم في البئر بإسراع ، وهذا البيت أنشده ابن السيرافي عن ابن دريد مع أبيات ، وهي :


                                                          قد رابني منك يا أسماء إعراض     فدام منا لكم مقت وإبغاض
                                                          إن تبغضيني فما أحببت غانية     يروضها من لئام الناس رواض
                                                          تمضي إذا زجرت عن سوأة قدما     كأنها هدم في الجفر منقاض
                                                          قل للغواني : أما فيكن فاتكة     تعلو اللئيم بضرب فيه إمحاض



                                                          والقدام : القادمون من سفر . والقدام : الملك ، قال مهلهل :


                                                          إنا لنضرب بالصوارم هامهم     ضرب القدار نقيعة القدام



                                                          وقيل : القدام هاهنا جمع قادم من سفر ، وقال ابن القطاع : القديم الملك ، وفي حديث الطفيل بن عمرو :


                                                          ففينا الشعر والملك القدام



                                                          أي : القديم المتقدم مثل طويل وطوال . أبو عمرو : القدام والقديم [ ص: 45 ] الذي يتقدم الناس بشرف . ويقال : القدام رئيس الجيش . والقدوم : التي ينحت بها ، مخفف أنثى ، قال ابن السكيت : ولا تقل قدوم بالتشديد ، قال مرقش :


                                                          يا بنت عجلان ما أصبرني     على خطوب كنحت بالقدوم



                                                          وأنشد الفراء :


                                                          فقلت أعيراني القدوم لعلني     أخط بها قبرا لأبيض ماجد



                                                          والجمع قدائم وقدم ، قال الأعشى :


                                                          أقام به شاهبور الجنو     د حولين تضرب فيه القدم



                                                          وقيل : قدائم جمع القدم مثل قلص وقلائص ، قال ابن بري : من نصب الجنود جعله مفعولا لأقام ، أي : أقام الجنود بهذا البلد حولين ، ومن خفضه فعلى الإضافة على معنى ملك الجنود وقائد الجنود ، قال : وقدائم جمع قدوم لا قدم ، قال : وكذلك قلائص جمع قلوص لا قلص ، قال : وهذا مذهب سيبويه وجميع النحويين .

                                                          وقدوم : ثنية بالسراة ، وقيل : قدوم قرية بالشام قال : وقد يقال بالألف واللام ؛ وقوله : اختتن إبراهيم بقدوم ، أي : هنالك . ابن شميل في قوله صلى الله عليه وسلم : أول من اختتن إبراهيم بالقدوم ، قال : قطعه بها فقيل له : يقولون قدوم قرية بالشام فلم يعرفه وثبت على قوله ، ويروى بغير ألف ولام ، وقيل : القدوم بالتخفيف والتشديد ، قدوم النجار . وفي الحديث : أن زوج فريعة قتل بطرف القدوم ، هو بالتخفيف ، وبالتشديد موضع على ستة أميال من المدينة . الصحاح : القدوم اسم موضع . وفي حديث أبي هريرة : قال له أبان بن سعيد : وبر تدلى من قدوم ضأن ، قيل : هي ثنية أو جبل بالسراة من أرض دوس ، وقيل : القدوم ما تقدم من الشاة ، وهو رأسها ، وإنما أراد احتقاره وصغر قدره . قال ابن بري : وفي هذا الفصل أبو قدامة ، وهو جبل يشرف على المعرف . ابن سيده : وقدومى مقصور موضع بالجزيرة أو ببابل . وبنو قدم : حي . وقدم : حي منهم . وقدم : موضع باليمن سمي باسم أبي هذه القبيلة ، والثياب القدمية منسوبة إليه . شمر عن ابن الأعرابي : القدم بالقاف ضرب من الثياب حمر ، قال : وأقرأني بيت عنترة :


                                                          وبكل مرهفة لها نفث     تحت الضلوع كطرة القدم



                                                          لا يرويه إلا " القدم " ، قال : والفدم بالفاء هذا على ما جاء وذاك على ما جاء . وقادم وقدامة ومقدم ومقدام ومقدم : أسماء . وقدم : اسم امرأة . وقدام : اسم فرس عروة بن سنان . وقدام : اسم كلبة ، وقال :


                                                          وترملت بدم قدام وقد     أوفى اللحاق وحان مصرعه



                                                          ويقدم بالياء : اسم رجل ، وهو يقدم بن عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار . ابن شميل : ويقال قدمة من الحرة وقدم وصدمة وصدم ما غلظ من الحرة ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية