الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ قدر ]

                                                          قدر : القدير ، والقادر : من صفات الله عز وجل يكونان من القدرة ويكونان من التقدير ؛ وقوله تعالى : ( إن الله على كل شيء قدير ) ؛ من القدرة ، فالله عز وجل على كل شيء قدير والله سبحانه مقدر كل شيء وقاضيه . ابن الأثير : في أسماء الله تعالى القادر ، والمقتدر ، والقدير ، فالقادر اسم فاعل من قدر يقدر ، والقدير فعيل منه وهو للمبالغة ، والمقتدر مفتعل من اقتدر وهو أبلغ . التهذيب : الليث : القدر القضاء الموفق . يقال : قدر الإله كذا تقديرا ، وإذا وافق الشيء الشيء قلت : جاءه قدره . ابن سيده : القدر ، والقدر القضاء ، والحكم وهو ما يقدره الله عز وجل من القضاء ، ويحكم به من الأمور ، قال الله عز وجل : إنا أنزلناه في ليلة القدر ؛ أي : الحكم كما قال تعالى : فيها يفرق كل أمر حكيم ؛ وأنشد الأخفش لهدبة بن خشرم :


                                                          ألا يا لقومي للنوائب ، والقدر وللأمر يأتي المرء من حيث لا يدري     وللأرض كم من صالح قد تودأت
                                                          عليه فوارته بلماعة قفر     فلا ذا جلال هبنه لجلاله
                                                          ولا ذا ضياع هن يتركن للفقر



                                                          تودأت عليه أي : استوت عليه . واللماعة : الأرض التي يلمع فيها السراب ؛ وقوله : فلا ذا جلال انتصب ذا بإضمار فعل يفسره ما بعده ، أي : فلا هبن ذا جلال ؛ وقوله : ولا ذا ضياع منصوب بقوله يتركن . والضياع ، بفتح الضاد : الضيعة ، والمعنى أن المنايا لا تغفل عن أحد غنيا كان أو فقيرا جليل القدر كان أو وضيعا ؛ وقوله تعالى : ليلة القدر خير من ألف شهر ؛ أي : ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ، وقال الفرزدق :


                                                          وما صب رجلي في حديد مجاشع     مع القدر إلا حاجة لي أريدها



                                                          والقدر : كالقدر وجمعهما جميعا أقدار ، وقال اللحياني : القدر [ ص: 37 ] الاسم ، والقدر المصدر ، وأنشد :


                                                          كل شيء حتى أخيك متاع     وبقدر تفرق واجتماع



                                                          وأنشد في المفتوح :


                                                          قدر أحلك ذا النخيل ، وقد أرى     وأبيك ما لك ذو النخيل بدار



                                                          قال ابن سيده : هكذا أنشده بالفتح ، والوزن يقبل الحركة والسكون . وفي الحديث ذكر ليلة القدر ، وهي الليلة التي تقدر فيها الأرزاق وتقضى . والقدرية : قوم يجحدون القدر ، مولدة . التهذيب : والقدرية قوم ينسبون إلى التكذيب بما قدر الله من الأشياء ، وقال بعض متكلميهم : لا يلزمنا هذا اللقب ؛ لأنا ننفي القدر عن الله عز وجل ومن أثبته فهو أولى به ، قال : وهذا تمويه منهم ؛ لأنهم يثبتون القدر لأنفسهم ، ولذلك سموا ؛ وقول أهل السنة : إن هذا تمويه سبق في البشر فعلم كفر من كفر منهم كما علم إيمان من آمن فأثبت علمه السابق في الخلق وكتبه ، وكل ميسر لما خلق له وكتب عليه ، قال أبو منصور : وتقدير الله الخلق تيسيره كلا منهم لما علم أنهم صائرون إليه من السعادة والشقاء ، وذلك أنه علم منهم قبل خلقه إياهم ، فكتب علمه الأزلي السابق فيهم وقدره تقديرا ، وقدر الله عليه ذلك يقدره ، ويقدره قدرا وقدرا وقدره عليه وله ؛ وقوله :


                                                          من أي يومي من الموت أفر     أيوم لم يقدر أم يوم قدر



                                                          فإنه أراد النون الخفيفة ثم حذفها ضرورة فبقيت الراء مفتوحة كأنه أراد : يقدرن وأنكر بعضهم هذا ، فقال : هذه النون لا تحذف إلا لسكون ما بعدها ولا سكون هاهنا بعدها ، قال ابن جني : والذي أراه أنا في هذا وما علمت أن أحدا من أصحابنا ولا غيرهم ذكره ، ويشبه أن يكونوا لم يذكروه للطفه ، هو أن يكون أصله أيوم لم يقدر أم بسكون الراء للجزم ، ثم إنها جاورت الهمزة المفتوحة ، وهي ساكنة ، وقد أجرت العرب الحرف الساكن إذا جاور الحرف المتحرك مجرى المتحرك ، وذلك قولهم فيما حكاه سيبويه من قول بعض العرب : الكماة والمراة يريدون الكمأة والمرأة ، ولكن الميم والراء لما كانتا ساكنتين ، والهمزتان بعدهما مفتوحتان ، صارت الفتحتان اللتان في الهمزتين كأنهما في الراء ، والميم ، وصارت الميم والراء كأنهما مفتوحتان ، وصارت الهمزتان لما قدرت حركاتهما في غيرهما كأنهما ساكنتان ، فصار التقدير فيهما مرأة وكمأة ، ثم خففتا فأبدلت الهمزتان ألفين لسكونهما وانفتاح ما قبلهما ، فقالوا : مراة وكماة ، كما قالوا في رأس وفأس لما خففتا : راس وفاس ، وعلى هذا حمل أبو علي قول عبد يغوث :


                                                          وتضحك مني شيخة عبشمية     كأن لم ترا قبلي أسيرا يمانيا



                                                          قال : جاء به على أن تقديره مخففا " كأن لم ترأ " ، ثم إن الراء الساكنة لما جاورت الهمزة ، والهمزة متحركة صارت الحركة كأنها في التقدير قبل الهمزة واللفظ بها لم ترأ ، ثم أبدل الهمزة ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها ، فصارت ترا ، فالألف على هذا التقدير بدل من الهمزة التي هي عين الفعل واللام محذوفة للجزم على مذهب التحقيق ؛ وقول من قال : رأى يرأى ، وقد قيل : إن قوله ترا على التخفيف السائغ ، إلا أنه أثبت الألف في موضع الجزم ، تشبيها بالياء في قول الآخر :


                                                          ألم يأتيك ، والأنباء تنمي     بما لاقت لبون بني زياد



                                                          ورواه بعضهم ألم يأتك ؟ على ظاهر الجزم ، وأنشده أبو العباس عن أبي عثمان عن الأصمعي :


                                                          ألا هل أتاك ، والأنباء تنمي



                                                          وقوله تعالى : إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين ؛ قال الزجاج : المعنى علمنا أنها لمن الغابرين ، وقيل : دبرنا أنها لمن الغابرين ، أي : الباقين في العذاب ، ويقال : استقدر الله خيرا واستقدر الله خيرا سأله أن يقدر له به ، قال :


                                                          فاستقدر الله خيرا وارضين به     فبينما العسر إذ دارت مياسير



                                                          وفي حديث الاستخارة : اللهم إني أستقدرك بقدرتك ، أي : أطلب منك أن تجعل لي عليه قدرة . وقدر الرزق يقدره : قسمه . والقدر ، والقدرة ، والمقدار : القوة ، وقدر عليه يقدر ، ويقدر وقدر بالكسر قدرة وقدارة وقدورة وقدورا وقدرانا وقدارا هذه عن اللحياني ، وفي التهذيب : قدرانا ، واقتدر وهو قادر وقدير وأقدره الله عليه ، والاسم من كل ذلك المقدرة ، والمقدرة ، والمقدرة ، ويقال : ما لي عليك مقدرة ومقدرة ومقدرة ، أي : قدرة . وفي حديث عثمان رضي الله عنه : إن الذكاة في الحلق واللبة لمن قدر ، أي : لمن أمكنه الذبح فيهما فأما الناد ، والمتردي فأين اتفق من جسمهما ، ومنه قولهم : المقدرة تذهب الحفيظة . والاقتدار على الشيء : القدرة عليه ، والقدرة مصدر قولك قدر على الشيء قدرة ، أي : ملكه ، فهو قادر وقدير . و اقتدر الشيء : جعله قدرا ؛ وقوله : عند مليك مقتدر ؛ أي : قادر . والقدر : الغنى واليسار وهو من ذلك ؛ لأنه كله قوة . وبنو قدراء : المياسير . ورجل ذو قدرة ، أي : ذو يسار . ورجل ذو مقدرة ، أي : ذو يسار أيضا ، وأما من القضاء ، والقدر ، فالمقدرة بالفتح لا غير ، قال الهذلي :


                                                          وما يبقى على الأيام شيء     فيا عجبا لمقدرة الكتاب



                                                          ، وقدر كل شيء ومقداره : مقياسه . وقدر الشيء بالشيء يقدره قدرا وقدره : قاسه . وقادرت الرجل مقادرة إذا قايسته وفعلت مثل فعله . التهذيب : والتقدير على وجوه من المعاني : أحدها : التروية والتفكير في تسوية أمر وتهيئته ، والثاني : تقديره بعلامات يقطعه عليها والثالث : أن تنوي أمرا بعقدك ، تقول : قدرت أمر كذا وكذا ، أي : نويته وعقدت عليه ، ويقال : قدرت لأمر كذا أقدر له وأقدر قدرا إذا نظرت فيه ودبرته وقايسته ، ومنه قول عائشة رضوان الله عليها : فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن المستهيئة للنظر ، أي : قدروا وقايسوا وانظروه وافكروا فيه . شمر : يقال قدرت ، أي : هيأت ، وقدرت أي : أطقت وقدرت أي : ملكت ، وقدرت أي : وقت ، قال لبيد

                                                          :

                                                          فقدرت للورد المغلس غدوة     فوردت قبل تبين الألوان



                                                          وقال الأعشى :


                                                          فاقدر بذرعك بيننا     إن كنت بوأت القداره



                                                          بوأت : هيأت ، قال أبو عبيدة : اقدر بذرعك بيننا ، أي : أبصر واعرف [ ص: 38 ] قدرك ؛ وقوله عز وجل : ثم جئت على قدر ياموسى قيل في التفسير : على موعد ، وقيل : على قدر من تكليمي إياك هذا عن الزجاج . وقدر الشيء : دنا له ، قال لبيد :


                                                          قلت هجدنا فقد طال السرى     وقدرنا إن خنى الليل غفل



                                                          و قدر القوم أمرهم يقدرونه قدرا : دبروه . وقدرت عليه الثوب قدرا فانقدر ، أي : جاء على المقدار ، ويقال : بين أرضك وأرض فلان ليلة قادرة ، إذا كانت لينة السير مثل قاصدة ورافهة عن يعقوب . وقدر عليه الشيء يقدره ، ويقدره قدرا وقدرا وقدره : ضيقه ، عن اللحياني . وفي التنزيل العزيز : على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ؛ قال الفراء : قرئ : قدره ، وقدره ، قال : ولو نصب كان صوابا على تكرر الفعل في النية ، أي : ليعط الموسع قدره ، والمقتر قدره ، وقال الأخفش : على الموسع قدره ؛ أي : طاقته ، قال الأزهري : وأخبرني المنذري عن أبي العباس في قوله : وعلى المقتر قدره ؛ وقدره ، قال : التثقيل أعلى اللغتين وأكثر ، ولذلك اختير ، قال : واختار الأخفش التسكين ، قال : وإنما اخترنا التثقيل ؛ لأنه اسم ، وقال الكسائي : يقرأ بالتخفيف والتثقيل وكل صواب ، وقال : قدر وهو يقدر مقدرة ومقدرة ومقدرة وقدرانا وقدارا وقدرة ، قال : كل هذا سمعناه من العرب ، قال : ويقدر لغة أخرى لقوم يضمون الدال فيها ، قال : وأما قدرت الشيء فأنا أقدره ، خفيف ، فلم أسمعه إلا مكسورا ، قال : وقوله : وما قدروا الله حق قدره خفيف ، ولو ثقل كان صوابا ؛ وقوله : إنا كل شيء خلقناه بقدر مثقل ؛ وقوله : فسالت أودية بقدرها مثقل ولو خفف كان صوابا ، وأنشد بيت الفرزدق أيضا :


                                                          وما صب رجلي في حديد مجاشع     مع القدر إلا حاجة لي أريدها



                                                          وقوله تعالى : فظن أن لن نقدر عليه يفسر بالقدرة ويفسر بالضيق ، قال الفراء في قوله عز وجل : وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه قال الفراء : المعنى فظن أن لن نقدر عليه من العقوبة ما قدرنا ، وقال أبو الهيثم : روي أنه ذهب مغاضبا لقومه ، وروي أنه ذهب مغاضبا لربه ، فأما من اعتقد أن يونس عليه السلام ظن أن لن يقدر الله عليه فهو كافر ; لأن من ظن ذلك غير مؤمن ، ويونس عليه السلام رسول لا يجوز ذلك الظن عليه . فآل المعنى : فظن أن لن نقدر عليه من العقوبة ، قال : ويحتمل أن يكون تفسيره : فظن أن لن نضيق عليه من قوله تعالى : ومن قدر عليه رزقه ؛ أي : ضيق عليه ، قال : وكذلك قوله : وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه معنى فقدر عليه فضيق عليه ، وقد ضيق الله على يونس عليه السلام أشد تضييق ضيقه على معذب في الدنيا ; لأنه سجنه في بطن حوت فصار مكظوما أخذ في بطنه بكظمه ، وقال الزجاج في قوله : فظن أن لن نقدر عليه ؛ أي : لن نقدر عليه ما قدرنا من كونه في بطن الحوت ، قال : ونقدر بمعنى نقدر ، قال : وقد جاء هذا في التفسير ، قال الأزهري : وهذا الذي قاله أبو إسحاق صحيح ، والمعنى ما قدره الله عليه من التضييق في بطن الحوت ، ويجوز أن يكون المعنى لن نضيق عليه ، قال : وكل ذلك شائع في اللغة ، والله أعلم بما أراد . فأما أن يكون قوله أن لن نقدر عليه من القدرة فلا يجوز ; لأن من ظن هذا كفر ، والظن شك والشك في قدرة الله تعالى كفر ، وقد عصم الله أنبياءه عن مثل ما ذهب إليه هذا المتأول ، ولا يتأول مثله إلا الجاهل بكلام العرب ولغاتها ، قال الأزهري : سمعت المنذري يقول : أفادني ابن اليزيدي عن أبي حاتم في قوله تعالى : فظن أن لن نقدر عليه ؛ أي : لن نضيق عليه ، قال : ولم يدر الأخفش ما معنى نقدر ، وذهب إلى موضع القدرة إلى معنى فظن أن يفوتنا ، ولم يعلم كلام العرب حتى قال : إن بعض المفسرين قال : أراد الاستفهام : أفظن أن لن نقدر عليه ؟ ولو علم أن معنى نقدر نضيق لم يخبط هذا الخبط ، قال : ولم يكن عالما بكلام العرب وكان عالما بقياس النحو ، قال : وقوله : ( من قدر عليه رزقه ) ؛ أي : ضيق عليه علمه ، وكذلك قوله : وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه ؛ أي : ضيق . وأما قوله تعالى : فقدرنا فنعم القادرون فإن الفراء قال : قرأها علي كرم الله وجهه : فقدرنا ، وخففها عاصم ، قال : ولا يبعد أن يكون المعنى في التخفيف والتشديد واحدا ; لأن العرب تقول : قدر عليه الموت ، وقدر عليه الموت ، وقدر عليه ، وقدر ، واحتج الذين خففوا فقالوا : لو كانت كذلك لقال : فنعم المقدرون ، وقد تجمع العرب بين اللغتين ، قال الله تعالى : فمهل الكافرين أمهلهم رويدا وقدر على عياله قدرا : مثل قتر . وقدر على الإنسان رزقه قدرا : مثل قتر ، وقدرت الشيء تقديرا ، وقدرت الشيء أقدره وأقدره قدرا من التقدير . وفي الحديث في رؤية الهلال : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له ، وفي حديث آخر : فإن غم عليكم فأكملوا العدة ، قوله : فاقدروا له ، أي : قدروا له عدد الشهر حتى تكملوه ثلاثين يوما ، واللفظان وإن اختلفا يرجعان إلى معنى واحد ، وروي عن ابن سريج أنه فسر قوله : فاقدروا له ، أي : قدروا له منازل القمر فإنها تدلكم وتبين لكم أن الشهر تسع وعشرون أو ثلاثون ، قال : وهذا خطاب لمن خصه الله تعالى بهذا العلم ، قال : وقوله فأكملوا العدة خطاب العامة التي لا تحسن تقدير المنازل ، وهذا نظير النازلة تنزل بالعالم الذي أمر بالاجتهاد فيها ، وأن لا يقلد العلماء أشكال النازلة به حتى يتبين له الصواب ، كما بان لهم ، وأما العامة التي لا اجتهاد لها فلها تقليد أهل العلم ، قال : والقول الأول أصح ، وقال الشاعر إياس بن مالك بن عبد الله المعني :


                                                          كلا ثقلينا طامع بغنيمة     وقد قدر الرحمن ما هو قادر
                                                          فلم أر يوما كان أكثر سالبا     ومستلبا سرباله لا يناكر
                                                          وأكثر منا يافعا يبتغي العلا     يضارب قرنا دارعا وهو حاسر



                                                          قوله : ما هو قادر ، أي : مقدر ، وثقل الرجل بالثاء : حشمه ومتاع بيته ، وأراد بالثقل هاهنا النساء ، أي : نساؤنا ونساؤهم طامعات في ظهور كل واحد من الحيين على صاحبه ، والأمر في ذلك جار على قدر الرحمن ؛ وقوله : و مستلبا سرباله لا يناكر ، أي : يستلب سرباله وهو لا ينكر ذلك ؛ لأنه مصروع قد قتل ، وانتصب سرباله بأنه مفعول ثان [ ص: 39 ] لمستلب وفي مستلب ضمير مرفوع به ومن رفع سرباله جعله مرتفعا به ولم يجعل فيه ضميرا . واليافع : المترعرع الداخل في عصر شبابه . والدارع : اللابس الدرع . والحاسر : الذي لا درع عليه . وتقدر له الشيء ، أي : تهيأ . وفي حديث الاستخارة : فاقدره لي ، ويسره علي ، أي : اقض لي به وهيئه . وقدرت الشيء ، أي : هيأته . وقدر كل شيء ومقداره : مبلغه ؛ وقوله تعالى : وما قدروا الله حق قدره ؛ أي : ما عظموا الله حق تعظيمه ، وقال الليث : ما وصفوه حق صفته ، والقدر والقدر هاهنا بمعنى واحد ، وقدر الله وقدره بمعنى ، وهو في الأصل مصدر . والمقدار : الموت ، قال الليث : المقدار اسم القدر إذا بلغ العبد المقدار مات ، وأنشد :


                                                          لو كان خلفك أو أمامك هائبا     بشرا سواك لهابك المقدار



                                                          يعني الموت ، ويقال : إنما الأشياء مقادير لكل شيء مقدار داخل . والمقدار أيضا : هو الهنداز ، تقول : ينزل المطر بمقدار ، أي : بقدر وقدر ، وهو مبلغ الشيء . وكل شيء مقتدر فهو الوسط . ابن سيده : والمقتدر الوسط من كل شيء . ورجل مقتدر الخلق ، أي : وسطه ليس بالطويل ، والقصير ، وكذلك الوعل والظبي ونحوهما . والقدر : الوسط من الرحال والسروج ونحوهما ، تقول : هذا سرج قدر ، يخفف ويثقل . التهذيب : سرج قادر قاتر ، وهو الواقي الذي لا يعقر ، وقيل : هو بين الصغير والكبير . والقدر : قصر العنق قدر قدرا وهو أقدر ، والأقدر : القصير من الرجال ، قال صخر الغي يصف صائدا ، ويذكر وعولا قد وردت لتشرب الماء :


                                                          أرى الأيام لا تبقي كريما     ولا الوحش الأوابد والنعاما
                                                          ولا عصما أوابد في صخور     كسين على فراسنها خداما
                                                          أتيح لها أقيدر ذو حشيف     إذا سامت على الملقات ساما



                                                          معنى أتيح : قدر ، والضمير في لها يعود على العصم ، والأقيدر : أراد به الصائد . والحشيف : الثوب الخلق . وسامت : مرت ومضت . والملقات : جمع ملقة ، وهي الصخرة الملساء . والأوابد : الوحوش التي تأبدت ، أي : توحشت . والعصم : جمع أعصم وعصماء : الوعل يكون بذراعيه بياض . والخدام : الخلاخيل وأراد الخطوط السود التي في يديه ، وقال الشاعر :


                                                          رأوك أقيدر حنزقرة



                                                          وقيل : الأقدر من الرجال القصير العنق . والقدار : الربعة من الناس . أبو عمرو : الأقدر من الخيل الذي إذا سار وقعت رجلاه مواقع يديه ، قال رجل من الأنصار ، وقال ابن بري : هو عدي بن خرشة الخطمي :


                                                          ويكشف نخوة المختال عني     جراز كالعقيقة إن لقيت
                                                          وأقدر مشرف الصهوات ساط     كميت لا أحق ولا شئيت



                                                          النخوة : الكبر . والمختال : ذو الخيلاء . والجراز : السيف الماضي في الضريبة ؛ شبهه بالعقيقة من البرق في لمعانه . والصهوات : جمع صهوة ، وهو موضع اللبد من ظهر الفرس . والشئيت : الذي يقصر حافرا رجليه عن حافري يديه بخلاف الأقدر . والأحق : الذي يطبق حافرا رجليه حافري يديه ، وذكر أبو عبيد أن الأحق الذي لا يعرق والشئيت العثور ، وقيل : الأقدر الذي يجاوز حافرا رجليه مواقع حافري يديه ؛ ذكره أبو عبيد ، وقيل : الأقدر الذي يضع رجليه حيث ينبغي . والقدر : معروفة أنثى وتصغيرها قدير بلا هاء على غير قياس . الأزهري : القدر مؤنثة عند جميع العرب بلا هاء فإذا صغرت قلت لها قديرة وقدير ، بالهاء وغير الهاء ، وأما ما حكاه ثعلب من قول العرب : ما رأيت قدرا غلا أسرع منها ، فإنه ليس على تذكير القدر ولكنهم أرادوا ما رأيت شيئا غلا ، قال : ونظيره قول الله تعالى : لا يحل لك النساء من بعد قال : ذكر الفعل ; لأن معناه معنى شيء كأنه قال : لا يحل لك شيء من النساء ، قال ابن سيده : فأما قراءة من قرأ : ( فناداه الملائكة ) ، فإنما بناه على الواحد عندي ، كقول العرب : ما رأيت قدرا غلا أسرع منها ، ولا كقوله تعالى : لا يحل لك النساء من بعد ; لأن قوله : ( فناداه الملائكة ) ليس بجحد فيكون شيء مقدرا فيه كما قدر في ما رأيت قدرا غلا أسرع وفي قوله : لا يحل لك النساء وإنما استعمل تقدير شيء في النفي دون الإيجاب ; لأن قولنا شيء عام لجميع المعلومات ، وكذلك النفي في مثل هذا أعم من الإيجاب . ألا ترى أن قولك : ضربت كل رجل كذب لا محالة ؟ ؛ وقولك : ما ضربت رجلا قد يجوز أن يكون صدقا وكذبا ، فعلى هذا ونحوه يوجد النفي أعم من الإيجاب ، ومن النفي قوله تعالى : لن ينال الله لحومها ولا دماؤها إنما أراد : لن ينال الله شيء من لحومها ولا شيء من دمائها ، وجمع القدر قدور لا يكسر على غير ذلك . وقدر القدر يقدرها ، ويقدرها قدرا : طبخها ، و اقتدر أيضا بمعنى قدر ، مثل طبخ واطبخ . ومرق مقدور وقدير ، أي : مطبوخ . والقدير : ما يطبخ في القدر ، والاقتدار : الطبخ فيها ، ويقال : أتقتدرون أم تشتوون . الليث : القدير ما طبخ من اللحم بتوابل فإن لم يكن ذا توابل فهو طبيخ . و اقتدر القوم : طبخوا في قدر . والقدار : الطباخ ، وقيل : الجزار ، وقيل : الجزار هو الذي يلي جزر الجزور وطبخها ، قال مهلهل :


                                                          إنا لنضرب بالصوارم هامها     ضرب القدار نقيعة القدام



                                                          القدام : جمع قادم ، وقيل هو الملك . وفي حديث عمير مولى آبي اللحم : أمرني مولاي أن أقدر لحما ، أي : أطبخ قدرا من لحم . والقدار : الغلام الخفيف الروح الثقف اللقف . والقدار : الحية كل ذلك بتخفيف الدال . والقدار : الثعبان العظيم . وفي الحديث : كان يتقدر في مرضه أين أنا اليوم ، أي : يقدر أيام أزواجه في الدور عليهن . والقدرة : القارورة الصغيرة . وقدار بن سالف : الذي يقال له أحمر ثمود عاقر ناقة صالح عليه السلام ، قال الأزهري : وقالت العرب للجزار : قدار ، تشبيها به ، ومنه قول مهلهل :


                                                          ضرب القدار نقيعة القدام



                                                          اللحياني : يقال أقمت عنده قدر أن يفعل ذلك ، قال : ولم أسمعهم يطرحون أن في المواقيت إلا حرفا حكاه هو ، والأصمعي ، وهو قولهم : ما قعدت عنده إلا ريث أعقد شسعي . وقيدار : اسم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية