الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ قحم ]

                                                          قحم : القحم : الكبير المسن ، وقيل : القحم فوق المسن مثل القحر ، قال رؤبة :

                                                          [ ص: 31 ]

                                                          رأين قحما شاب واقلحما طال عليه الدهر فاسلهما



                                                          ، والأنثى قحمة ، وزعم يعقوب أن ميمها بدل من باء قحب . والقحوم : كالقحم . والقحمة : المسنة من الغنم وغيرها كالقحبة ، والاسم القحامة ، والقحومة ، وهي من المصادر التي ليست لها أفعال .

                                                          قال أبو عمرو : القحم الكبير من الإبل ولو شبه به الرجل كان جائزا ، والقحر مثله ، وقال أبو العميثل : القحم الذي قد أقحمته السن تراه قد هرم من غير أوان الهرم ، قال الراجز :


                                                          إني وإن قالوا كبير قحم     عندي حداء زجل ونهم



                                                          والنهم : زجر الإبل . الجوهري : شيخ قحم ، أي هم مثل قحل . وفي حديث ابن عمر : ابغني خادما لا يكون قحما فانيا ولا صغيرا ضرعا ، القحم : الشيخ الهم الكبير . وقحم الرجل في الأمر يقحم قحوما واقتحم وانقحم ، وهما أفصح : رمى بنفسه فيه من غير روية ، وقيل : رمى بنفسه في نهر أو وهدة أو في أمر من غير دربة ، وقيل : إنما جاءت قحم في الشعر وحده . وفي الحديث : أقحم يا ابن سيف الله ، قال الأزهري : وفي الكلام العام اقتحم . وتقحيم النفس في الشيء : إدخالها فيه من غير روية . وفي حديث عائشة : أقبلت زينب تقحم لها ، أي : تتعرض لشتمها وتدخل عليها فيه كأنها أقبلت تشتمها من غير روية ولا تثبت . وفي الحديث : أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها ، أي : تقعون فيها . يقال : اقتحم الإنسان الأمر العظيم وتقحمه ، ومنه حديث علي رضي الله عنه : من سره أن يتقحم جراثيم جهنم فليقض في الجد ، أي : يرمي بنفسه في معاظم عذابها . وفي حديث ابن مسعود : من لقي الله لا يشرك به شيئا غفر له المقحمات ، أي : الذنوب العظام التي تقحم أصحابها في النار ، أي : تلقيهم فيها . وفي التنزيل : فلا اقتحم العقبة ثم فسر اقتحامها ، فقال : فك رقبة أو أطعم ، وقرئ : فك رقبة أو إطعام ؛ ومعنى فلا اقتحم العقبة ، أي : فلا هو اقتحم العقبة ، والعرب إذا نفت بلا فعلا كررتها كقوله : فلا صدق ولا صلى ولم يكررها هاهنا ؛ لأنه أضمر لها فعلا دل عليه سياق الكلام كأنه ، قال : فلا أمن ولا اقتحم العقبة ، والدليل عليه قوله : ثم كان من الذين آمنوا واقتحم النجم إذا غاب وسقط ، قال ابن أحمر :


                                                          أراقب النجم كأني مولع بحيث     يجري النجم حتى يقتحم



                                                          أي : يسقط ، وقال جرير في التقدم :


                                                          هم الحاملون الخيل حتى تقحمت     قرابيسها وازداد موجا لبودها



                                                          والقحم : الأمور العظام التي لا يركبها كل أحد . وللخصومة قحم ، أي : أنها تقحم بصاحبها على ما لا يريده . وفي حديث علي كرم الله وجهه : أنه وكل عبد الله بن جعفر بالخصومة ، وقال : إن للخصومة قحما ، وهي الأمور العظام الشاقة ، واحدتها قحمة ، قال أبو زيد الكلابي : القحم المهالك ، قال أبو عبيد : وأصله من التقحم ، ومنه قحمة الأعراب ، وهو كله مذكور في هذا الفصل ، وقال ذو الرمة يصف الإبل وشدة ما تلقى من السير حتى تجهض أولادها :


                                                          يطرحن بالأولاد أو يلتزمنها     على قحم بين الفلا والمناهل



                                                          وقال شمر : كل شاق صعب من الأمور المعضلة ، والحروب والديون فهي قحم ، وأنشد لرؤبة :


                                                          من قحم الدين وزهد الأرفاد



                                                          قال : قحم الدين كثرته ومشقته ، قال ساعدة بن جؤية :


                                                          والشيب داء نحيس لا دواء له     للمرء كان صحيحا صائب القحم



                                                          يقول : إذا تقحم في أمر لم يطش ولم يخطئ ، قال : وقال ابن الأعرابي في قوله :


                                                          قوم إذا حاربوا في حربهم قحم



                                                          قال : إقدام وجرأة وتقحم ، وقال في قوله : من سره أن يتقحم جراثيم جهنم ، قال شمر : التقحم التقدم ، والوقوع في أهوية وشدة بغير روية ولا تثبت ، وقال العجاج :


                                                          إذا كلي واقتحم المكلي



                                                          يقول : صرع الذي أصيبت كليته . وقحم الطريق : ما صعب منها . واقتحم المنزل : هجمه . واقتحم الفحل الشول : اهتجمها من غير أن يرسل فيها . الأزهري : المقاحيم من الإبل التي تقتحم فتضرب الشول من غير إرسال فيها ، والواحد مقحام ، قال الأزهري : هذا من نعت الفحول . والإقحام : الإرسال في عجلة . وبعير مقحم : يذهب في المفازة من غير مسيم ولا سائق ، قال ذو الرمة :


                                                          أو مقحم أضعف الإبطان حادجه     بالأمس فاستأخر العدلان ، والقتب



                                                          قال : شبه به جناحي الظليم . وأعرابي مقحم : نشأ في البدو والفلوات لم يزايلها . وقحم المنازل : طواها ؛ وقول عائذ بن منقذ العنبري أنشده ابن الأعرابي :


                                                          تقحم الراعي إذا الراعي أكب



                                                          فسره فقال : تقحم لا تنزل المنازل ولكن تطوي فتقحمه منزلا منزلا يصف إبلا ؛ وقوله :


                                                          مقحم الراعي ظنون الشرب



                                                          يعني أنه يقتحم منزلا بعد منزل يطويه فلا ينزل فيه ؛ وقوله ظنون الشرب ، أي : لا يدري أبه ماء أم لا . والقحمة : الانقحام في السير ، قال :


                                                          لما رأيت العام عاما أسحما     كلفت نفسي وصحابي قحما



                                                          ، والمقحم بفتح الحاء : البعير الذي يربع ويثني في سنة واحدة فيقتحم سنا على سن قبل وقتها ، ولا يكون ذلك إلا لابن الهرمين أو السيئ الغذاء . الأزهري : البعير إذا ألقى سنيه في عام واحد فهو مقحم ، قال : وذلك لا يكون إلا لابن الهرمين ، وأنشد ابن بري لعمرو بن لجأ :


                                                          وكنت قد أعددت قبل مقدمي     كبداء فوهاء كجوز المقحم



                                                          وعنى بالكبداء محالة عظيمة الوسط . وأقحم البعير : قدم إلى سن لم يبلغها كأن يكون في جرم رباع وهو ثني فيقال : رباع لعظمه ، أو يكون في جرم ثني وهو جذع ، فيقال : ثني لذلك أيضا ، وقيل : المقحم الحق وفوق الحق مما لم يبزل . وقحمة الأعراب : أن تصيبهم السنة [ ص: 32 ] فتهلكهم فذلك تقحمها عليهم أو تقحمهم بلاد الريف . وقحمتهم سنة جدبة : تقتحم عليهم ، وقد أقحموا وأقحموا الأولى عن ثعلب وقحموا فانقحموا : أدخلوا بلاد الريف هربا من الجدب . وأقحمتهم السنة الحضر ، وفي الحضر : أدخلتهم إياه . وكل ما أدخلته شيئا فقد أقحمته إياه وأقحمته فيه ، وقال :


                                                          في كل حمد أفاد الحمد يقحمها     ما يشترى الحمد إلا دونه قحم



                                                          الجوهري : القحمة السنة الشديدة . يقال : أصابت الأعراب القحمة إذا أصابهم قحط . وفي الحديث : أقحمت السنة نابغة بني جعدة ، أي : أخرجته من البادية وأدخلته الحضر . والقحمة : ركوب الإثم عن ثعلب ، والقحمة بالضم : المهلكة . وأسود قاحم : شديد السواد كفاحم . والتقحيم : رمي الفرس فارسه على وجهه ، قال : يقحم الفارس لولا قبقبه ويقال : تقحمت بفلان دابته وذلك إذا ندت به فلم يضبط رأسها ، وربما طوحت به في وهدة أو وقصت به ، قال الراجز :


                                                          أقول والناقة بي تقحم     وأنا منها مكلئز معصم
                                                          ويحك ما اسم أمها يا علكم ؟



                                                          يقال : إن الناقة إذا تقحمت براكبها نادة لا يضبط رأسها أنها إذا سمى أمها وقفت . وعلكم : اسم ناقة . وأقحم فرسه النهر فانقحم واقتحم النهر أيضا : دخله . وفي حديث عمر : أنه دخل عليه وعنده غليم أسود يغمز ظهره ، فقال : ما هذا الغلام ، قال : إنه تقحمت بي الناقة الليلة ، أي : ألقتني . والقحمة : الورطة ، والمهلكة . وقحم إليه يقحم : دنا . والقحم : ثلاث ليال من آخر الشهر ; لأن القمر قحم في دنوه إلى الشمس . واقتحمته عيني : ازدرته ، قال : وقد يكون الذي تقحمه عينك فترفعه فوق سنه لعظمه وحسنه نحو أن يكون ابن لبون فتظنه حقا أو جذعا . وفي حديث أم معبد في صفة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقتحمه عين من قصر ، أي : لا تتجاوزه إلى غيره احتقارا له . وكل شيء ازدريته فقد اقتحمته ، أراد الواصف أنه لا تستصغره العين ، ولا تزدريه لقصره . وفلان مقحم ، أي : ضعيف . وكل شيء نسب إلى الضعف فهو مقحم ، ومنه قول النابغة الجعدي :


                                                          علونا وسدنا سوددا غير مقحم



                                                          قال : وأصل هذا وشبهه من المقحم الذي يتحول من سن إلى سن في سنة واحدة ؛ وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          من الناس أقوام إذا صادفوا الغنى     تولوا وقالوا للصديق وقحموا



                                                          فسره فقال : أغلظوا عليه وجفوه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية