الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولها آداب ) تركه لا يوجب إساءة ولا عتابا كترك سنة الزوائد ، لكن فعله أفضل ( نظره إلى موضع سجوده حال قيامه ، وإلى ظهر قدميه حال ركوعه ، [ ص: 478 ] وإلى أرنبة أنفه حال سجوده ، وإلى حجره حال قعوده . وإلى منكبه الأيمن والأيسر عند التسليمة الأولى والثانية ) لتحصيل الخشوع ( وإمساك فمه عند التثاؤب ) فائدة لدفع التثاؤب مجربة ولو بأخذ شفتيه بسنه ( فإن لم يقدر غطاه ) بظهر ( يده ) اليسرى ، وقيل باليمنى لو قائما وإلا فيسراه مجتبى ( أو كمه ) لأن التغطية بلا ضرورة مكروهة ( وإخراج كفيه من كميه عند التكبير ) للرجل إلا لضرورة كبرد ( ودفع السعال ما استطاع ) [ ص: 479 ] لأنه بلا عذر مفسد فيجتنبه ( والقيام ) لإمام ومؤتم ( حين قيل حي على الفلاح ) خلافا لزفر ; فعنده عند حي على الصلاة ابن كمال ( إن كان الإمام بقرب المحراب وإلا فيقوم كل صف ينتهي إليه الإمام على الأظهر وإن ) دخل من قدام حين يقع بصرهم عليه إلا إذا أقام الإمام بنفسه في مسجد فلا يقفوا حتى يتم إقامته ظهيرية ، وإن خارجه قام كل صف ينتهي إليه بحر ( وشروع الإمام ) في الصلاة ( مذ قيل قد قامت الصلاة ) ولو أخر حتى أتمها لا بأس به إجماعا ، وهو قول الثاني والثلاثة ; وهو أعدل المذاهب كما في شرح المجمع لمصنفه .

وفي القهستاني معزيا للخلاصة أنه الأصح .

التالي السابق


آداب الصلاة

( قوله ولها آداب ) جمع أدب ، وهو في الصلاة ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أو مرتين ولم يواظب عليه كالزيادة على الثلاث في تسبيحات الركوع والسجود كذا في غاية البيان والعناية وغيرهما . وعرفه في أول الحلية بتعاريف متعددة ، وقال : والظاهر مساواته للمندوب ( قوله تركه ) أي ترك الأدب الذي تضمنه لفظ جمعه ( قوله كترك سنة الزوائد ) هي السنن الغير المؤكدة ; كسيره عليه الصلاة والسلام في لباسه وقيامه وقعوده وترجله [ ص: 478 ] وتنعله ، ويقابلها سنن الهدي التي هي من أعلام الدين كالأذان والجماعة ، ويقابل النوعين النفل ، ومنه المندوب والمستحب والأدب ، وقدمنا تحقيق ذلك في سنن الوضوء .

( قوله وإلى أرنبة أنفه ) أي طرفه قاموس ( قوله وإلى حجره ) بكسر الحاء والجيم والراء المهملة : ما بين يديك من ثوبك قاموس . وقال أيضا : الحجر مثلثة المنع ، وحضن الإنسان ; والمناسب هنا الأول لأنه فسر الحضن بما دون الإبط إلى الكشح أو الصدر والعضدان ، وفسر الكشح بما بين الخاصرة إلى الضلع الجنب واستظهر في العزمية ضبطه بضم ففتح فزاي معجمة : جمع حجزة ، وهي مقعد الإزار ، ولا يخفى بعده ( قوله لتحصيل الخشوع ) علة للجميع لأن المقصود الخشوع وترك التكليف ، فإذا تركه صار ناظرا إلى هذه المواضع قصد أو لا ، وفي ذلك حفظ له عن النظر إلى ما يشغله ، وفي إطلاقه شمول المشاهد للكعبة لأنه لا يأمن ما يلهيه ، وإذا كان في الظلام أو كان بصيرا يحافظ على عظمة الله تعالى لأن المدار عليها ، وتمامه في الإمداد وإذا كان المقصود الخشوع ، فإذا كان في هذه المواضع ما ينافيه يعدل إلى ما يحصله فيها . [ تنبيه ]

المنقول في ظاهر الرواية أن يكون منتهى بصره في صلاته إلى محل سجوده كما في المضمرات ، وعليه اقتصر في الكنز وغيره ، وهذا التفصيل من تصرفات المشايخ كالطحاوي والكرخي وغيرهما ، كما يعلم من المطولات ( قوله وإمساك فمه عند التثاؤب ) بالهمز ، وأما الواو فغلط كما في المغرب وغيره وسيأتي في باب ما يفسد الصلاة أو يكره أنه يكره ولو خارجها لأنه من الشيطان والأنبياء محفوظون منه ( قوله ولو بأخذ شفتيه بسنه ) في بعض النسخ شفته بصيغة المفرد وهي أحسن لأن المتيسر لدفع التثاؤب هو أخذ الشفة السفلى وحدها ثم رأيت التقييد بها في الضياء ( قوله بظهر يده اليسرى ) كذا في الضياء المعنوي ، ومثله في الحلية في باب السنن والشارح عزا المسألة إلى المجتبى مع أن المنقول في البحر والنهر والمنح عن المجتبى أنه يغطي فاه بيمينه ، وقيل بيمينه في القيام وفي غيره بيساره ا هـ وهكذا في شرح الشيخ إسماعيل . وعبارة الشارح في الخزائن : أي بظهر يده اليمنى إلخ فالمناسب إبدال اليسرى باليمنى ( قوله وقيل إلخ ) كأنه لأن التغطية ينبغي أن تكون باليسرى كالامتخاط ، فإذا كان قاعدا يسهل ذلك عليه ولم يلزم منه حركة اليدين ، بخلاف ما إذا كان قائما فإنه يلزم من التغطية باليسرى حركة اليمين أيضا لأنها تحتها . ا هـ . ح ( قوله لأن التغطية إلخ ) علة لكونه لا يغطي بيده أو كمه إلا عند عدم إمكان كظم فيه ، ولذا قال في الخلاصة : أما إذا أمكنه يأخذ شفتيه بسنه فلم يفعل وغطى فاه بيده أو ثوبه يكره ، هكذا روي عن أبي حنيفة . ا هـ . [ فائدة ]

رأيت في شرح تحفة الملوك المسمى بهدية الصعلوك ما نصه : قال الزاهدي : الطريق في دفع التثاؤب أن يخطر بباله أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ما تثاءبوا قط . قال القدوري : جربناه مرارا فوجدناه كذلك . ا هـ . قلت : وقد جربته أيضا فوجدته كذلك ( قوله عند التكبير ) أي تكبير الإحرام ( قوله ودفع السعال ما استطاع ) فيه أنه لا يخلو إما أن يكون المراد السعال المضطر إليه فلا يمكن دفعه أو غيره ، فدفعه واجب لأنه مفسد . [ ص: 479 ] وقد يقال : المراد به ما تدعو إليه الطبيعة مما يظن إمكان دفعه ، فهذا يستحب أن يدفعه ما أمكن إلى أن يخرج منه بلا صنعه أو يندفع عنه فليتأمل .

ثم رأيته في الحلية أجاب بحمله على غير المضطر إليه إذا كان عذر يدعو إليه في الجملة ولا سيما إذا كان ذا حروف ، لما فيه من الخروج عن الخلاف ا هـ والمراد بالعذر تحسين الصوت أو إعلام أنه في الصلاة فسيأتي في مفسدات الصلاة أن التنحنح لأجل ذلك لا يفسد في الصحيح ، وعلى هذا فالمراد بالسعال التنحنح تأمل ( قوله حين قيل حي على الفلاح ) كذا في الكنز ونور الإيضاح والإصلاح والظهيرية والبدائع وغيرها . والذي في الدرر متنا وشرحا عند الحيعلة الأولى ، يعني حين يقال حي على الصلاة ا هـ وعزاه الشيخ إسماعيل في شرحه إلى عيون المذاهب والفيض والوقاية والنقاية والحاوي والمختار . ا هـ .

قلت : واعتمده في متن الملتقى ، وحكى الأول ب قيل ، لكن نقل ابن الكمال تصحيح الأول . ونص عبارته قال في الذخيرة : يقوم الإمام والقوم إذا قال المؤذن حي على الفلاح عند علمائنا الثلاثة . وقال الحسن بن زياد وزفر : إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة قاموا إلى الصف وإذا قام مرة ثانية كبروا والصحيح قول علمائنا الثلاثة . ا هـ . ( قوله خلافا لزفر إلخ ) هذا النقل غير صحيح وغير موافق لعبارة ابن كمال التي ذكرناها ، وقد راجعت الذخيرة رأيته حكى الخلاف كما نقله ابن كمال عنها ، ومثله في البدائع وغيره ( قوله وإلا إلخ ) أي وإن لم يكن الإمام بقرب المحراب ، بأن كان في موضع آخر من المسجد أو خارجه ودخل من خلف ح ( قوله في مسجد ) الأولى تعريفه باللام ( قوله فلا يقفوا ) الأنسب فلا يقفون بإثبات النون على أن لا نافية لا ناهية ( قوله وإن خارجه ) محترز قوله في مسجد ( قوله بحر ) لم أره فيه بل في النهر ( قوله وشروع الإمام ) وكذا القوم ، لأن الأفضل عند أبي حنيفة مقارنتهم له كما سيأتي .

( قوله لا بأس به إجماعا ) أي لأن الخلاف في الأفضلية فنفي البأس أي الشدة ثابت في كلا القولين وإن كان الفعل أولى في أحدهما ( قوله وهو ) أي التأخير المفهوم من قوله أخر ( قوله إنه الأصح ) لأن فيه محافظة على فضيلة متابعة المؤذن وإعانة له على الشروع مع الإمام




الخدمات العلمية