الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 86 ] ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا .

عطف على قوله لا تحلوا شعائر الله لزيادة تقرير مضمونه ، أي لا تحلوا شعائر الله ولو مع عدوكم إذا لم يبدءوكم بحرب .

ومعنى ( يجرمنكم ) يكسبنكم ، يقال : جرمه يجرمه ، مثل ضرب . وأصله كسب ، من جرم النخلة إذا جذ عراجينها ، فلما كان الجرم لأجل الكسب شاع إطلاق جرم بمعنى كسب ، قالوا : جرم فلان لنفسه كذا ، أي كسب .

وعدي إلى مفعول ثان وهو ( أن تعتدوا ) ، والتقدير : يكسبكم الشنآن الاعتداء . وأما تعديته بعلى في قوله ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا فلتضمينه معنى يحملنكم .

والشنآن بفتح الشين المعجمة وفتح النون في الأكثر ، وقد تسكن النون إما أصالة وإما تخفيفا هو البغض ، وقيل : شدة البغض ، وهو المناسب ، لعطفه على البغضاء في قول الأحوص :


أنمي على البغضاء والشنآن

وهو من المصادر الدالة على الاضطراب والتقلب ، لأن الشنآن فيه اضطراب النفس ، فهو مثل الغليان والنزوان .

وقرأ الجمهور : ( شنآن ) بفتح النون . وقرأ ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم ، وأبو جعفر بسكون النون . وقد قيل : إن ساكن النون وصف مثل غضبان ، أي عدو ، فالمعنى : لا يجرمنكم عدو قوم ، فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف . وإضافة شنآن إذا كان مصدرا من إضافة المصدر إلى مفعوله ، أي بغضكم قوما ، بقرينة قوله ( أن صدوكم ) ، لأن المبغض في الغالب هو المعتدى عليه .

[ ص: 87 ] وقرأ الجمهور : ( أن صدوكم ) بفتح همزة ( أن ) . وقرأه ابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب : بكسر الهمزة على أنها ( إن ) الشرطية ، فجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبل الشرط .

والمسجد الحرام اسم جعل علما بالغلبة على المكان المحيط بالكعبة المحصور ذي الأبواب ، وهو اسم إسلامي لم يكن يدعى بذلك في الجاهلية ، لأن المسجد مكان السجود ولم يكن لأهل الجاهلية سجود عند الكعبة ، . وقد تقدم عند قوله تعالى فول وجهك شطر المسجد الحرام في سورة البقرة ، وسيأتي عند قوله تعالى سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام .

التالي السابق


الخدمات العلمية