الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 200 ] ذكر ملك سليمان بن داود ، عليه السلام

لما توفي داود ملك بعده ابنه سليمان على بني إسرائيل ، وكان ابن ثلاث عشرة سنة ، وآتاه الله مع الملك النبوة ، وسأل الله أن يؤتيه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، فاستجاب له وسخر له الإنس ، والجن ، والشياطين ، والطير ، والريح ، فكان إذا خرج من بيته إلى مجلسه عكفت عليه الطير وقام له الإنس والجن حتى يجلس . وقيل : إنما سخر له الريح ، والجن ، والشياطين ، والطير ، وغير ذلك بعد أن زال ملكه ، وأعاده الله سبحانه إليه على ما نذكره .

وكان أبيض جسيما كثير الشعر يلبس البياض ، وكان أبوه يستشيره في حياته ويرجع إلى قوله ، فمن ذلك ما قصه الله في كتابه في قوله : وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث ، الآية . وكان خبره : أن غنما دخلت كرما فأكلت عناقيده وأفسدته ، فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم ، فقال سليمان : أو غير ذلك : أن تسلم الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم [ ص: 201 ] عليه حتى يعود كما كان وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها إلى أن يعود كرمه إلى حاله ، ثم يأخذ كرمه ، ويدفع الغنم إلى صاحبها . فأمضى داود قوله . وقال الله تعالى : ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما .

قال بعض العلماء : في هذا دليل على أن كل مجتهد في الأحكام الفروعية مصيب ، فإن داود أخطأ الحكم الصحيح عند الله تعالى وأصابه سليمان ، فقال الله تعالى : وكلا آتينا حكما وعلما . وكان سليمان يأكل من كسب يده ، وكان كثير الغزو ، وكان إذا أراد الغزو أمر بعمل بساط من خشب يسع عسكره ويركبون عليه هم ودوابهم وما يحتاجون إليه ، ثم أمر الريح فحملته فسارت في غدوته مسيرة شهر وفي روحته كذلك ، وكان له ثلاثمائة زوجة وسبعمائة سرية ، وأعطاه الله أجرا أنه لا يتكلم أحد بشيء إلا حملته الريح إليه فيعلم ما يقول .

التالي السابق


الخدمات العلمية