الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون فأنجيناه وأهله إلا امرأته قدرناها من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين

                                                                                                                                                                                                        3195 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يغفر الله للوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة - إلى قوله - فساء مطر المنذرين ) يقال إنه لوط بن هاران بن تارخ وهو ابن أخي إبراهيم عليه السلام ، وقد قص الله تعالى قصته مع قومه في الأعراف وهود والشعراء والنمل والصافات ، وغيرها وحاصلها أنهم ابتدعوا وطء الذكور فدعاهم لوط إلى التوحيد وإلى الإقلاع عن الفاحشة فأصروا على الامتناع ، ولم يتفق أن يساعده منهم أحد ، وكانت مدائنهم تسمى سدوم وهي بغور زغر من البلاد الشامية ، فلما أراد الله إهلاكهم بعث جبريل وميكائيل وإسرافيل إلى إبراهيم فاستضافوه فكان ما قص الله في سورة هود ، ثم توجهوا إلى لوط فاستضافوه فخاف عليهم من قومه وأراد أن يخفي عليهم خبرهم فنمت عليهم امرأته فجاءوا إليه وعاتبوه على كتمانه أمرهم وظنوا أنهم ظفروا بهم ، فأهلكهم الله على يد جبريل فقلب مدائنهم بعد أن خرج عنهم لوط بأهل بيته ، إلا امرأته فإنها تأخرت مع قومها أو خرجت مع لوط فأدركها العذاب ، فقلب جبريل المدائن بطرف جناحه فصار عاليها سافلها وصار مكانها بحيرة منتنة لا ينتفع بمائها ولا بشيء مما حولها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يغفر الله للوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد ) أي إلى الله سبحانه وتعالى ، ويشير صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى : لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ويقال إن قوم لوط لم يكن فيهم أحد يجتمع معه في نسبه لأنهم من سدوم وهي من الشام وكان أصل إبراهيم ولوط من العراق ، فلما هاجر إبراهيم إلى الشام هاجر معه لوط ، فبعث الله لوطا إلى أهل سدوم فقال : لو أن لي منعة وأقارب وعشيرة لكنت أستنصر بهم عليكم ليدفعوا عن ضيفاني ، ولهذا جاء في بعض طرق هذا الحديث كما أخرجه أحمد من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال لوط [ ص: 479 ] لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ، قال فإنه كان يأوي إلى ركن شديد ولكنه عنى عشيرته فما بعث الله نبيا إلا في ذروة من قومه زاد ابن مردويه من هذا الوجه " ألم تر إلى قول قوم شعيب : ولولا رهطك لرجمناك " وقيل معنى قوله لقد كان يأوي إلى ركن شديد أي إلى عشيرته ، لكنه لم يأو إليهم وأوى إلى الله انتهى . والأول أظهر لما بيناه . وقال النووي : يجوز أنه لما اندهش بحال الأضياف قال ذلك ، أو أنه التجأ إلى الله في باطنه وأظهر هذا القول للأضياف اعتذارا ، وسمى العشيرة ركنا لأن الركن يستند إليه ويمتنع به فشبههم بالركن من الجبل لشدتهم ومنعتهم ، وسيأتي في الباب الذي بعده تفسير الركن بلفظ آخر .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية