الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الأشربة باب تحريم الخمر وبيان أنها تكون من عصير العنب ومن التمر والبسر والزبيب وغيرها مما يسكر

                                                                                                                1979 حدثنا يحيى بن يحيى التميمي أخبرنا حجاج بن محمد عن ابن جريج حدثني ابن شهاب عن علي بن حسين بن علي عن أبيه حسين بن علي عن علي بن أبي طالب قال أصبت شارفا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغنم يوم بدر وأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شارفا أخرى فأنختهما يوما عند باب رجل من الأنصار وأنا أريد أن أحمل عليهما إذخرا لأبيعه ومعي صائغ من بني قينقاع فأستعين به على وليمة فاطمة وحمزة بن عبد المطلب يشرب في ذلك البيت معه قينة تغنيه فقالت

                                                                                                                ألا يا حمز للشرف النواء

                                                                                                                فثار إليهما حمزة بالسيف فجب أسنمتهما وبقر خواصرهما ثم أخذ من أكبادهما قلت لابن شهاب ومن السنام قال قد جب أسنمتهما فذهب بها قال ابن شهاب قال علي فنظرت إلى منظر أفظعني فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة فأخبرته الخبر فخرج ومعه زيد وانطلقت معه فدخل على حمزة فتغيظ عليه فرفع حمزة بصره فقال هل أنتم إلا عبيد لآبائي فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقهقر حتى خرج عنهم
                                                                                                                وحدثنا عبد بن حميد أخبرني عبد الرزاق أخبرني ابن جريج بهذا الإسناد مثله [ ص: 125 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 125 ] قوله : ( أصبت شارفا ) هي بالشين المعجمة وبالفاء وهي الناقة المسنة ، وجمعها : شرف بضم الراء وإسكانها . قوله : ( أريد أن أحمل عليها إذخرا لأبيعه ، ومعي صائغ من بني قينقاع ، فأستعين به على وليمة فاطمة )

                                                                                                                أما ( قينقاع ) فبضم النون وكسرها وفتحها ، وهم طائفة من يهود المدينة ، فيجوز صرفه على إرادة الحي ، وترك صرفه على إرادة القبيلة أو الطائفة .

                                                                                                                وفيه اتخاذ الوليمة للعرس ، سواء في ذلك من له مال كثير ، ومن دونه ، وقد سبقت المسألة في كتاب النكاح ، وفيه : جواز الاستعانة في الأعمال والاكتساب باليهودي ، وفيه : جواز الاحتشاش للتكسب وبيعه ، وأنه لا ينقص المروءة ، وفيه : جواز بيع الوقود للصواغين ومعاملتهم .

                                                                                                                [ ص: 126 ] قوله : ( معه قينة تغنيه ) القينة بفتح القاف الجارية المغنية . قوله : (

                                                                                                                ألا يا حمز للشرف النواء

                                                                                                                ) الشرف بضم الشين والراء وتسكين الراء أيضا كما سبق جمع شارف ، والنواء بكسر النون وتخفيف الواو وبالمد أي السمان ، جمع ناوية بالتخفيف ، وهي السمينة ، وقد نوت الناقة تنوي ، كرمت ترمي ، يقال لها ذلك إذا سمنت ، هذا الذي ذكرناه في النواء أنها بكسر النون ، وبالمد هو الصواب المشهور في الروايات في الصحيحين وغيرهما ، ويقع في بعض النسخ النوى بالياء ، وهو تحريف ، وقال الخطابي : رواه ابن جرير : ( ذا الشرف النوى ) بفتح الشين والراء وبفتح النون مقصورا قال : وفسره بالبعد ، قال الخطابي : وكذا رواه أكثر المحققين ، قال : وهو غلط في الرواية والتفسير ، وقد جاء في غير مسلم تمام هذا الشعر :


                                                                                                                ألا يا حمز للشرف النواء وهن معقلات بالفناء
                                                                                                                ضع السكين في اللبات منها وضرجهن حمزة بالدماء
                                                                                                                وعجل من أطايبها لشرب قديدا من طبيخ أو شواء

                                                                                                                قوله : ( فجب أسنمتهما ) وفي الرواية الأخرى ( اجتب ) ، وفي رواية للبخاري : ( أجب ) وهذه غريبة في اللغة ، والمعنى : قطع .

                                                                                                                قوله : ( وبقر خواصرهما ) أي شقها ، وهذا الفعل الذي جرى من حمزة - رضي الله عنه - من شربه الخمر وقطع أسنمة الناقتين ، وبقر خواصرهما وأكل لحمهما ، وغير ذلك لا إثم عليه في شيء منه .

                                                                                                                أما أصل الشرب والسكر فكان مباحا ؛ لأنه قبل تحريم الخمر ، وأما ما قد يقوله بعض من لا تحصيل له : إن السكر لم يزل محرما فباطل لا أصل له ، ولا يعرف أصلا ، وأما باقي الأمور فجرت منه في حال عدم التكليف فلا إثم عليه فيها ؛ كمن شرب دواء لحاجة فزال به عقله ، أو شرب شيئا يظنه خلا فكان خمرا ، أو أكره على شرب الخمر فشربها وسكر فهو في حال السكر غير مكلف ، ولا إثم عليه فيما يقع منه في تلك الحال بلا خلاف ، وأما غرامة ما أتلفه فيجب في ماله ، فلعل عليا - رضي الله تعالى عنه - أبرأه من ذلك بعد معرفته بقيمة ما أتلفه ، أو أنه أداه إليه حمزة بعد ذلك ، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم أداه عنه لحرمته عنده ، وكمال حقه ومحبته إياه وقرابته ، وقد جاء في كتاب عمر بن شيبة من رواية أبي بكر بن عياش أن النبي صلى الله عليه وسلم غرم حمزة الناقتين .

                                                                                                                وقد أجمع العلماء أن ما أتلفه السكران من الأموال يلزمه ضمانه كالمجنون ، فإن الضمان لا يشترط فيه التكليف ، ولهذا أوجب الله تعالى في كتابه في قتل الخطأ الدية والكفارة ، وأما هذا السنام المقطوع فإن لم يكن تقدم [ ص: 127 ] نحرهما فهو حرام بإجماع المسلمين ؛ لأن ما أبين من حي فهو ميت ، وفيه حديث مشهور في كتب السنن ، ويحتمل أنه ذكاهما ، ويدل عليه الشعر الذي قدمناه ، فإن كان ذكاهما فلحمهما حلال باتفاق العلماء إلا ما حكي عن عكرمة وإسحاق وداود أنه لا يحل ما ذبحه سارق أو غاصب أو متعد ، والصواب الذي عليه الجمهور حله ، وإن لم يكن ذكاهما وثبت أنه أكل منهما فهو أكل في حالة السكر المباح ولا إثم فيه كما سبق . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقهقر ) وفي الرواية الأخرى : ( فنكص على عقبيه القهقرى ) قال جمهور أهل اللغة وغيرهم : القهقرى : الرجوع إلى وراء ، ووجهه إليك إذا ذهب عنك ، وقال أبو عمرو : وهو الإحضار في الرجوع ، أي الإسراع ؛ فعلى هذا معناه : خرج مسرعا ، والأول هو المشهور والمعروف ، وإنما رجع القهقرى خوفا من أن يبدو من حمزة - رضي الله تعالى عنه - أمر يكرهه لو ولاه ظهره لكونه مغلوبا بالسكر .




                                                                                                                الخدمات العلمية