الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
مطلب : المشيات عشرة أنواع ( تنبيهات ) :

( الأول ) : قال الإمام المحقق ابن القيم في زاد المعاد : المشيات عشرة أنواع ، أحسنها وأسكنها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى تكفأ تكفؤا كأنما ينحط من صبب } .

وقال مرة : { إذا مشى تقلع } ، والتقلع الارتفاع من الأرض بجملته كحال المنحط في الصبب ، يعني يرفع رجليه من الأرض رفعا بائنا بقوة ، والتكفؤ التمايل إلى قدام ، كما تتكفأ السفينة في جريها ، وهو أعدل المشيات .

قلت : وفي مسند الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { ما رأيت أحدا أسرع مشية من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكأنما الأرض تطوى له ، كنا إذا مشينا معه نجهد أنفسنا ، وإنه لغير مكترث } .

وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا مشى مشى مجتمعا ليس فيه كسل } . [ ص: 349 ] وابن سعد عن مرثد بن مرشد قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى أسرع حتى يهرول الرجل فلا يدركه } .

وروي عن علي رضي الله عنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحدر من صبب } . ورواه البخاري وزاد : { وإذا مشى لكأنما يمشي في صعد } . وفي رواية لابن سعد عنه رضي الله عنه { أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا مشى تكفأ تكفؤا كأنما ينحط من صبب } . وروي أيضا عنه : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى تقطع كأنما ينحدر من صبب } .

فدلت هذه الأحاديث وأمثالها مما لم نذكر أن مشيته صلى الله عليه وسلم لم تكن بمماتة ولا بمهانة ، والصبب بفتح الصاد المهملة والباء الموحدة الأولى : الموضع المنحدر من الأرض ، وذلك دليل على سرعة مشيه ; لأن المنحدر لا يكاد يثبت في مشيه ، والتقطع الانحدار من الصبب ، والتقطع من الأرض قريب بعضه من بعض .

يعني أنه كان يستعمل التثبت ولا يبين منه في هذه الحالة استعجال ومبادرة شديدة ، وأراد به قوة المشي ، وأنه يرفع رجليه من الأرض رفعا قويا لا كمن يمشي اختيالا ويقارب خطوه ، فإن ذلك من مشي النساء .

نعم ينبغي للإنسان أن يقارب خطاه إذا كان ذاهبا إلى المسجد لأجل الصلاة كما مر .

فأعدل المشيات مشيته صلى الله عليه وسلم فإن الماشي إن كان يتماوت في مشيته ويمشي قطعة واحدة كأنه خشبة محمولة فمشية قبيحة مذمومة .

قال ابن القيم رحمه الله : الثانية من المشيات : أن يمشي بانزعاج واضطراب ، مشي الجمل الأهوج ، وهي مذمومة أيضا ، وهي علامة على خفة عقل صاحبها ، ولا سيما إن كان يكثر الالتفات يمينا وشمالا .

الثالثة : أن يمشي هونا وهي مشية عباد الرحمن .

قال غير واحد من السلف : بسكينة ووقار من غير كبر ولا تماوت ، وهي مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 350 ] الرابعة : السعي . الخامسة : الرمل وتسمى الخبب ، وهي إسراع المشي مع تقارب الخطا بخلاف السعي . السادسة : السيلان ، وهو العدو الخفيف بلا انزعاج .

السابعة : الخوزلى ، وهي مشية فيها تكبر وتخنث . الثامنة : القهقرى وهي المشي إلى ورائه .

التاسعة : الجمزى يثب فيها وثبا . العاشرة : التمايل كمشية النسوان . وإذا مشى بها الرجل كان متبخترا . وأعلاها مشية الهون والتكفؤ انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية