الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب صفة الشمس والقمر بحسبان قال مجاهد كحسبان الرحى وقال غيره بحساب ومنازل لا يعدوانها حسبان جماعة حساب مثل شهاب وشهبان ضحاها ضوءها أن تدرك القمر لا يستر ضوء أحدهما ضوء الآخر ولا ينبغي لهما ذلك سابق النهار يتطالبان حثيثين نسلخ نخرج أحدهما من الآخر ونجري كل واحد منهما واهية وهيها تشققها أرجائها ما لم ينشق منها فهم على حافتيها كقولك على أرجاء البئر أغطش و جن أظلم وقال الحسن كورت تكور حتى يذهب ضوءها والليل وما وسق جمع من دابة اتسق استوى بروجا منازل الشمس والقمر الحرور بالنهار مع الشمس وقال ابن عباس ورؤبة الحرور بالليل والسموم بالنهار يقال يولج يكور وليجة كل شيء أدخلته في شيء

                                                                                                                                                                                                        3027 حدثنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس أتدري أين تذهب قلت الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم [ ص: 341 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 341 ] قوله : ( باب في النجوم وقال قتادة إلخ ) وصله عبد بن حميد من طريق شيبان عنه به وزاد في آخره وأن ناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة : من غرس بنجم كذا كان كذا ومن سافر بنجم كذا كان كذا ولعمري ما من النجوم نجم إلا ويولد به الطويل والقصير والأحمر والأبيض والحسن والدميم ، وما علم هذه النجوم وهذه الدابة وهذا الطائر شيئا من هذا الغيب انتهى . وبهذه الزيادة تظهر مناسبة إيراد المصنف ما أورده من تفسير الأشياء التي ذكرها من القرآن وإن كان ذكر بعضها وقع استطرادا والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قال الداودي : قول قتادة في النجوم حسن ، إلا قوله " أخطأ وأضاع نفسه " فإنه قصر في ذلك ، بل قائل ذلك كافر انتهى . ولم يتعين الكفر في حق من قال ذلك ، وإنما يكفر من نسب الاختراع إليها ، وأما من جعلها علامة على حدوث أمر في الأرض فلا ، وقد تقدم تقرير ذلك وتفصيله في الكلام على حديث زيد بن خالد فيمن قال " مطرنا بنوء كذا " في " باب الاستسقاء " وقال أبو علي الفارسي في قوله تعالى وجعلناها رجوما : الضمير للسماء ; أي وجعلنا شهبها رجوما على حذف مضاف ، فصار الضمير للمضاف إليه . وذكر ابن دحية في " التنوير " من طريق أبي عثمان النهدي عن سليمان الفارسي قال : النجوم كلها معلقة كالقناديل من السماء الدنيا كتعليق القناديل في المساجد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال ابن عباس هشيما متغيرا ) لم أره عنه من طريق موصولة . لكن ذكره إسماعيل بن أبي زياد في تفسيره عن ابن عباس . وقال أبو عبيدة : قوله : هشيما أي يابسا متفتتا ، و تذروه الرياح أي تفرقه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والأب ما تأكل الأنعام ) هو تفسير ابن عباس أيضا ، وصله ابن أبي حاتم من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عنه قال : الأب ما أنبتت الأرض مما تأكله الدواب ولا تأكله الناس ، ومن طريق ابن عباس قال : الأب الحشيش ، ومن طريق عطاء والضحاك : الأب هو كل شيء ينبت على وجه الأرض ، زاد الضحاك : إلا الفاكهة ، وروى ابن جرير من طريق إبراهيم التيمي " أن أبا بكر الصديق سئل عن الأب فقال : أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله بغير علم " وهذا منقطع . وعن عمر أنه قال " عرفنا الفاكهة فما الأب " ثم قال " إن هذا لهو التكلف " فهو صحيح عنه ، أخرجه عبد بن حميد من طرق صحيحة عن أنس عن عمر ، وسيأتي بيان ذلك في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والأنام الخلق ) هو تفسير ابن عباس أيضا ، أخرجه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه في قوله تعالى والأرض وضعها للأنام قال : للخلق ، والمراد بالخلق المخلوق ، ومن طريق سماك عن [ ص: 342 ] عكرمة عن ابن عباس قال : الأنام الناس ، وهذا أخص من الذي قبله ، ومن طريق الحسن قال : الجن والإنس . وعن الشعبي قال : هو كل ذي روح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( برزخ : حاجب ) في رواية المستملي والكشميهني " حاجز " بالزاي ، وهذا تفسير ابن عباس أيضا وصله ابن أبي حاتم من الوجه المذكور إلا قوله : ( وقال مجاهد ألفافا ملتفة والغلب الملتفة ) وصلهما عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال وجنات ألفافا قال : ملتفة . ومن طريقه قال وحدائق غلبا أي ملتفة ، وروى ابن أبي حاتم من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس : الحدائق ما التفت والغلب : ما غلظ . ومن طريق عكرمة عنه الغلب شجر بالجبل لا يحمل يستظل به . ومن طريق علي بن أبى طلحة عنه قال وجنات ألفافا أي مجتمعة . وقال أهل اللغة : الألفاف جمع لف أو لفيف . وعن الكسائي : هو جمع الجمع . وقال الطبري : اللفاف جمع لفيفة وهي الغليظة ، وليس الالتفاف من الغلظ في شيء إلا أن يراد أنه غلظ بالالتفاف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فراشا : مهادا كقوله ولكم في الأرض مستقر ) هو قول قتادة والربيع بن أنس وصله الطبري عنهما ، ومن طريق السدي بأسانيده فراشا هي فراش يمشى عليها وهي المهاد والقرار .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( نكدا : قليلا ) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق السدي قال لا يخرج إلا نكدا قال : النكد الشيء القليل الذي لا ينفع ، ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : هذا مثل ضرب للكفار كالبلد السبخة المالحة التي لا تخرج منها البركة .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 343 ] [ ص: 344 ] قوله : ( باب صفة الشمس والقمر بحسبان ) أي تفسير ذلك ، وقوله " قال مجاهد كحسبان الرحى " وصله الفريابي في تفسيره من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد ، ومراده أنهما يجريان على حسب الحركة الرحوية الدورية وعلى وضعها ، و قوله : ( وقال غيره بحساب ومنازل لا يعدوانها ) ، ووقع في نسخة الصغاني هو ابن عباس وقد وصله عبد بن حميد من طريق أبي مالك وهو الغفاري مثله ، وروى الحربي والطبري عن ابن عباس نحوه بإسناد صحيح وبه جزم الفراء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حسبان جماعة الحساب ) يعني أن حسبان جماعة الحساب كشهبان جمع شهاب ، وهذا قول أبي عبيدة في المجاز ، وقال الإسماعيلي من جعله من الحساب احتمل الجمع واحتمل المصدر ، تقول حسب حسبانا ، ثم هو من الحساب بالفتح ومن الظن بالكسر أي في الماضي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ضحاها ضوءها ) وصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال والشمس وضحاها قال : ضوءها . قال الإسماعيلي : يريد أن الضحى يقع في صدر النهار وعنده تشتد إضاءة الشمس ، وروى ابن أبي حاتم من طريق قتادة والضحاك قال : ضحاها النهار .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن تدرك القمر : لا يستر ضوء أحدهما ضوء الآخر إلخ ) وصله الفريابي في تفسيره من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بتمامه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( نسلخ نخرج إلخ ) وصله الفريابي من طريقه أيضا بلفظ يخرج أحدهما من الآخر ويجري كل منهما في فلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( واهية : وهيها تشققها ) هو قول الفراء ، وروى الطبري عن ابن عباس في قوله واهية قال متمزقة ضعيفة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أرجائها : ما لم تنشق منها فهو على حافتيها ) يريد تفسير قوله تعالى والملك على أرجائها ووقع في رواية الكشميهني : فهو على حافتها ، وكأنه أفرد باعتبار لفظ الملك وجمع باعتبار الجنس ، وروى عبد بن حميد من طريق قتادة في قوله والملك على أرجائها أي على حافات السماء " وروى الطبري عن سعيد بن المسيب مثله ، وعن سعيد بن جبير : على حافات الدنيا ، وصوب الأول ، وأخرج عن ابن عباس قال والملك على حافات السماء حين تنشق ، والأرجاء بالمد جمع رجا بالقصر والمراد النواحي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أغطش وجن : أظلم ) يريد تفسير قوله تعالى أغطش ليلها وتفسير قوله : فلما جن عليه الليل أي أظلم في الموضعين ، والأول تفسير قتادة أخرجه عبد بن حميد من طريقه قال : قوله : أغطش ليلها أي أظلم ليلها ، وقد توقف فيه الإسماعيلي فقال : معنى أغطش ليلها جعله مظلما ، وأما أغطش غير متعد فإن ساغ فهو صحيح المعنى ولكن المعروف أظلم الوقت جاءت ظلمته وأظلمنا وقعنا في ظلمة . قلت : لم يرد البخاري القاصر لأنه في نفس الآية متعد وإنما أراد تفسير قوله أغطش فقط ، وأما الثاني فهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى فلما جن عليه الليل أي غطى عليه وأظلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال الحسن كورت تكور حتى يذهب ضوءها ) وصله ابن أبي حاتم من طريق أبي رجاء عنه ، وكأن هذا كان يقوله قبل أن يسمع حديث أبي سلمة عن أبي هريرة الآتي ذكره في هذا الباب ، وإلا فمعنى [ ص: 345 ] التكوير اللف تقول كورت العمامة تكويرا إذا لففتها ، والتكوير أيضا الجمع تقول كورته إذا جمعته ، وقد أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس إذا الشمس كورت يقول : أظلمت ، ومن طريق الربيع بن خثيم قال : كورت أي رمي بها ، ومن طريق أبي يحيى عن مجاهد كورت قال : اضمحلت . قال الطبري : التكوير في الأصل الجمع وعلى هذا فالمراد أنها تلف ويرمى بها فيذهب ضوءها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : والليل وما وسق أي جمع من دابة ) وصله عبد بن حميد من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن نحوه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( اتسق استوى ) وصله عبد بن حميد أيضا من طريق منصور عنه في قوله والقمر إذا اتسق قال : استوى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بروجا : منازل الشمس والقمر ) وصله ابن حميد ، وروى الطبري من طريق مجاهد قال : البروج الكواكب ومن طريق أبي صالح قال هي النجوم الكبار ، وقيل هي قصور في السماء رواه عبد بن حميد من طريق يحيى بن رافع ، ومن طريق قتادة قال هي قصور على أبواب السماء فيها الحرس ، وعند أهل الهيئة أن البروج غير المنازل ، فالبروج اثنا عشر والمنازل ثمانية وعشرون ، وكل برج عبارة عن منزلتين وثلث منها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فالحرور بالنهار مع الشمس ) وصله إبراهيم الحربي عن الأثرم عن أبي عبيدة قال : الحرور بالنهار مع الشمس ، وقال الفراء : الحرور الحر الدائم ليلا كان أو نهارا ، والسموم بالنهار خاصة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال ابن عباس ورؤبة الحرور بالليل والسموم بالنهار ) أما قول ابن عباس فلم أره موصولا عنه بعد ، وأما قول رؤبة وهو ابن العجاج التيمي الراجز المشهور فذكره أبو عبيدة عنه في المجاز ، وقال السدي : المراد بالظل والحرور في الآية الجنة والنار أخرجه ابن أبي حاتم عنه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يقال يولج يكور ) كذا في رواية أبي ذر ، ورأيت في رواية ابن شبويه " يكون " بنون وهو أشبه ، وقال أبو عبيدة : يولج أي ينقص من الليل فيزيد في النهار وكذلك النهار ، وروى عبد بن حميد من طريق مجاهد قال : ما نقص من أحدهما دخل في الآخر يتقاصان ذلك في الساعات . ومن طريق قتادة نحوه قال : يولج ليل الصيف في نهاره أي يدخل ، ويدخل نهار الشتاء في ليله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وليجة كل شيء أدخلته في شيء ) هو قول عبيدة قال قوله من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة كل شيء أدخلته في شيء ليس منه فهو وليجة ، والمعنى لا تتخذوا أولياء ليس من المسلمين .

                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر المصنف في الباب ستة أحاديث : أولها حديث أبي ذر في تفسير قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها وسيأتي شرحه مستوفى في تفسير سورة " يس " ، والغرض منه هنا بيان سير الشمس في كل يوم وليلة ، وظاهره مغاير لقول أهل الهيئة أن الشمس مرصعة في الفلك ، فإنه يقتضي أن الذي يسير هو الفلك وظاهر الحديث أنها هي التي تسير وتجري ، ومثله قوله تعالى في الآية الأخرى كل في فلك يسبحون أي يدورون ، قال ابن العربي : أنكر قوم سجودها وهو صحيح ممكن ، وتأوله قوم على ما هي عليه من التسخير الدائم ، ولا مانع أن تخرج عن مجراها فتسجد ثم ترجع . قلت : إن أراد بالخروج الوقوف فواضح ، وإلا فلا دليل على الخروج ، ويحتمل أن يكون المراد بالسجود سجود من هو موكل بها من الملائكة ، أو تسجد بصورة [ ص: 346 ] الحال فيكون عبارة عن الزيادة في الانقياد والخضوع في ذلك الحين . ثانيها حديث أبي هريرة .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية