الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 88 ] أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا .

( أم ) للإضراب الانتقالي ، وهي تؤذن بهمزة استفهام محذوفة بعدها ، أي : بل ألهم نصيب من الملك فلا يؤتون الناس نقيرا .

والاستفهام إنكاري حكمه حكم النفي . والعطف بالفاء على جملة لهم نصيب ، وكذلك " إذن " هي جزاء لجملة لهم نصيب ، واعتبر الاستفهام داخلا على مجموع الجملة وجزائها معا ، لأنهم ينتفي إعطاؤهم الناس نقيرا على تقدير ثبوت الملك لهم لا على انتفائه . وهذا الكلام تهكم عليهم في انتظارهم أن يرجع إليهم ملك إسرائيل ، وتسجيل عليهم بالبخل الذي لا يؤاتي من يرجون الملك . كما قال أبو الفتح البستي :


إذا ملك لم يكن ذا هبه فدعه فدولته ذاهبـه

وشحهم وبخلهم معروف مشهور .

والنقير : شكلة في النواة كالدائرة ، يضرب بها المثل في القلة .

لذلك عقب هذا الكلام بقوله : أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله .

والاستفهام المقدر بعد ( أم ) هذه إنكار على حسدهم ، وليس مفيدا لنفي الحسد لأنه واقع . والمراد بالناس النبيء - صلى الله عليه وسلم - ، والفضل النبوة ، أو المراد به النبيء والمؤمنون ، والفضل الهدى والإيمان .

وقوله : فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب عطف على مقدر من معنى الاستفهام الإنكاري ، وتوجيها للإنكار عليهم ، أي فلا بدع فيما حسدوه إذ قد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة والملك .

و آل إبراهيم : أبناؤه وعقبه ونسله ، وهو داخل في الحكم لأنهم إنما أعطوه لأجل كرامته عند الله ووعد الله إياه بذلك . وتعريف الكتاب تعريف الجنس ، فيصدق [ ص: 89 ] بالمتعدد ، فيشمل صحف إبراهيم ، وصحف موسى ، وما أنزل بعد ذلك . والحكمة : النبوة . والملك : هو ما وعد الله به إبراهيم أن يعطيه ذريته وما آتى الله داود وسليمان وملوك إسرائيل . وضمير " منهم " يجوز أن يعود إلى ما عاد إليه ضمير " يحسدون " . وضمير " به " يعود إلى الناس المراد منه محمد - صلى الله عليه وسلم - : أي فمن الذين أوتوا نصيبا من الكتاب من آمن بمحمد ، ومنهم من أعرض . والتفريع في قوله ( فمنهم ) على هذا التفسير ناشئ على قوله : أم يحسدون الناس . ويجوز أن يعود ضمير " فمنهم " إلى آل إبراهيم ، وضمير " به " إلى إبراهيم ، أي فقد آتيناهم ما ذكر . ومن " آله " من آمن به ، ومنهم من كفر مثل أبيه آزر ، وامرأة ابن أخيه لوط ، أي فليس تكذيب اليهود محمدا بأعجب من ذلك ، سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ليكون قد حصل الاحتجاج عليهم في الأمرين في إبطال مستند تكذيبهم ، بإثبات أن إتيان النبوة ليس ببدع ، وأن محمدا من آل إبراهيم ، فليس إرساله بأعجب من إرسال موسى . وفي تذكيرهم بأن هذه سنة الأنبياء حتى لا يعدوا تكذيبهم محمدا - صلى الله عليه وسلم - ثلمة في نبوته ، إذ لا يعرف رسول أجمع أهل دعوته على تصديقه من إبراهيم فمن بعده .

قوله : وكفى بجهنم سعيرا تهديد ووعيد للذين يؤمنون بالجبت والطاغوت . وتفسير هذا التركيب تقدم في قوله تعالى : وكفى بالله وليا من هذه السورة .

التالي السابق


الخدمات العلمية