الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 580 ] القول في تأويل قوله تعالى ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل فيما نزل فيه قوله : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " .

فقال بعضهم بما :

3142 - حدثني به المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " فهذا ونحوه نزل بمكة والمسلمون يومئذ قليل ، وليس لهم سلطان يقهر المشركين ، وكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى ، فأمر الله المسلمين؛ من يجازي منهم أن يجازي بمثل ما أتي إليه أو يصبر أو يعفو فهو أمثل فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأعز الله سلطانه أمر المسلمين أن ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم ، وأن لا يعدو بعضهم على بعض كأهل الجاهلية .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : فمن قاتلكم أيها المؤمنون من المشركين ، فقاتلوهم كما قاتلوكم . وقالوا : أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وبعد عمرة القضية .

ذكر من قال ذلك :

3143 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال : قال مجاهد : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " فقاتلوهم فيه كما قاتلوكم .

قال أبو جعفر : وأشبه التأويلين بما دل عليه ظاهر الآية ، الذي حكي عن [ ص: 581 ] مجاهد لأن الآيات قبلها إنما هي أمر من الله للمؤمنين بجهاد عدوهم على صفة ، وذلك قوله : " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم " والآيات بعدها ، وقوله : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه " إنما هو في سياق الآيات التي فيها الأمر بالقتال والجهاد ، والله جل ثناؤه إنما فرض القتال على المؤمنين بعد الهجرة .

فمعلوم بذلك أن قوله : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " مدني لا مكي ، إذ كان فرض قتال المشركين لم يكن وجب على المؤمنين بمكة وأن قوله : " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم " نظير قوله : " وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم " وأن معناه : فمن اعتدى عليكم في الحرم فقاتلكم فاعتدوا عليه بالقتال نحو اعتدائه عليكم بقتاله إياكم ، لأني قد جعلت الحرمات قصاصا ، فمن استحل منكم أيها المؤمنون من المشركين حرمة في حرمي ، فاستحلوا منه مثله فيه .

وهذه الآية منسوخة بإذن الله لنبيه بقتال أهل الحرم ابتداء في الحرم وقوله : ( وقاتلوا المشركين كافة ) [ سورة التوبة : 36 ] . . . .

. . . على نحو ما ذكرنا ، من أنه بمعنى : المجازاة وإتباع لفظ لفظا ، وإن [ ص: 582 ] اختلف معنياهما ، كما قال : ( ومكروا ومكر الله ) [ سورة آل عمران : 54 ] وقد قال : ( فيسخرون منهم سخر الله منهم ) [ سورة التوبة : 79 ] وما أشبه ذلك مما أتبع لفظ لفظا واختلف المعنيان .

والآخر : أن يكون بمعنى " العدو " الذي هو شد ووثوب . من قول القائل : " عدا الأسد على فريسته " . فيكون معنى الكلام : فمن عدا عليكم - أي فمن شد عليكم ووثب - بظلم ، فاعدوا عليه - أي فشدوا عليه وثبوا نحوه - قصاصا لما فعل عليكم لا ظلما . ثم تدخل " التاء " " في عدا " ، فتقال : " افتعل " مكان " فعل " ، كما يقال : " اقترب هذا الأمر " بمعنى " قرب " ، و" اجتلب كذلك " بمعنى " جلب " وما أشبه ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية