الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير )

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أن هذا هو النوع الثالث من أحوال إبراهيم عليه السلام التي حكاها الله تعالى ههنا ، قال القاضي : في هذه الآيات تقديم وتأخير ، لأن قوله : ( رب اجعل هذا بلدا آمنا ) لا يمكن إلا بعد دخول البلد في الوجود ، والذي ذكره من بعد وهو قوله : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت ) [البقرة : 127] وإن كان متأخرا في التلاوة فهو متقدم في المعنى ، وههنا مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : المراد من الآية دعاء إبراهيم للمؤمنين من سكان مكة بالأمن والتوسعة بما يجلب إلى مكة لأنها بلد لا زرع ولا غرس فيه ، فلولا الأمن لم يجلب إليها من النواحي وتعذر العيش فيها ، ثم إن الله تعالى أجاب دعاءه وجعله آمنا من الآفات ، فلم يصل إليه جبار إلا قصمه الله كما فعل بأصحاب الفيل ، وههنا سؤالان :

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الأول : أليس أن الحجاج حارب ابن الزبير وخرب الكعبة وقصد أهلها بكل سوء وتم له ذلك ؟

                                                                                                                                                                                                                                            الجواب : لم يكن مقصوده تخريب الكعبة لذاتها ، بل كان مقصوده شيئا آخر .

                                                                                                                                                                                                                                            السؤال الثاني : المطلوب من الله تعالى هو أن يجعل البلد آمنا كثير الخصب ، وهذا مما يتعلق بمنافع الدنيا فكيف يليق بالرسول المعظم طلبها .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب عنه من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن الدنيا إذا طلبت ليتقوى بها على الدين ، كان ذلك من أعظم أركان الدين ، فإذا كان البلد آمنا وحصل فيه الخصب تفرغ أهله لطاعة الله تعالى ، وإذا كان البلد على ضد ذلك كانوا على ضد ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أنه تعالى جعله مثابة للناس والناس إنما يمكنهم الذهاب إليه إذا كانت الطرق آمنة والأقوات هناك رخيصة .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : لا يبعد أن يكون الأمن والخصب مما يدعو الإنسان إلى الذهاب إلى تلك البلدة ، فحينئذ يشاهد المشاعر المعظمة والمواقف المكرمة فيكون الأمن والخصب سبب اتصاله في تلك الطاعة .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 50 ] المسألة الثانية : ( بلدا آمنا ) يحتمل وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : مأمون فيه كقوله تعالى : ( في عيشة راضية ) [القارعة : 7] أي مرضية .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن يكون المراد أهل البلد كقوله : ( واسأل القرية ) [يوسف : 82] أي أهلها وهو مجاز لأن الأمن والخوف لا يلحقان البلد .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية