الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( والعشاء ) يدخل وقتها ( بمغيب الشفق ) الأحمر لا ما بعده من الأصفر ثم الأبيض ، وينبغي ندب تأخيرها لزوال الأصفر ونحوه خروجا من خلاف من أوجبه ،ومن لا عشاء لهم لكنهم في نواح تقصر لياليهم ولا يغيب عنهم الشفق تكون العشاء في حقهم بمضي زمن يغيب فيه الشفق في أقرب البلاد إليهم ، وقد سئل الوالد رحمه الله تعالى هل مقتضى ذلك أنهم يصلون العشاء بعد فجرهم أو لا ؟ وقول من قال : بل يقتضي أنهم يصلون بليل له وجه أم لا ؟ فأجاب بأن كلام الأصحاب المذكور محتمل لكل من الشفقين لكنه محمول على الثاني لأنه في بيان في دخول وقت أدائها ، ولم يستثنوا من أوقات صلواتهم إلا وقت العشاء ، إذ لو حمل على الأول لزم منه اتحاد أول وقتي العشاء والصبح في حقهم ولزمهم أن يبينوا أيضا أن وقت صبحهم [ ص: 370 ] لا يدخل إلا بمضي قدر ما يغيب فيه الشفق في أقرب البلاد إليهم ، وأيضا فقد اتفقوا على أن صلاة العشاء ليلية وحينئذ يلزم أن تكون نهارية في حقهم ، فإن اتفق وجود الشفق الأول عندهم بأن طلع فجرهم بمضي قدر ما يغيب فيه الشفق في أقرب البلاد إليهم صلوا العشاء حينئذ أداء لكن لا يدخل وقت صبحهم إلا بمضي ما مر ( ويبقى ) وقتها ( إلى الفجر ) الصادق لخبر جبريل مع خبر مسلم { ليس في النوم تفريط ، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى } ظاهره يقتضي امتداد وقت كل صلاة إلى دخول وقت الأخرى من الخمس أي في غير الصبح لما سيجيء في وقتها ، وخرج بالصادق الكاذب وهو ما يطلع مستطيلا بأعلاه ضوء كذنب السرحان وهو الذئب ، ثم يذهب وتعقبه ظلمة ، ثم يطلع الفجر الصادق مستطيرا بالراء : أي منتشرا ، [ ص: 371 ] وسمي الأول كاذبا لأنه يضيء ثم يسود ويذهب .

                                                                                                                            والثاني صادقا لأنه يصدق عن الصبح ويبينه ، وقد ورد في الخبر إطلاق الكذب على ما لا يعقل وهو { صدق الله وكذب بطن أخيك } لما أوهمه من عدم حصول الشفاء بشرب العسل .

                                                                                                                            وذكر في المجموع للعشاء أربعة أوقات : الوقتان المذكوران ، ووقت فضيلة أول الوقت ، ووقت عذر ، ووقت المغرب لمن يجمع ( والاختيار أن لا تؤخر عن ثلث الليل ) لخبر جبريل السابق ( وفي قول عن نصفه ) لخبر { لولا أن أشق على أمتي لأخرت صلاة العشاء إلى نصف الليل } ورجحه المصنف في شرح مسلم وكلامه في المجموع يقتضي أن الأكثرين عليه : قال السبكي : فلا أدري تصحيحه عن عمد فيكون مخالفا لما في كتبه أم لا وهو الأقرب .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ومن لا عشاء لهم إلخ ) عبارة شرح البهجة وفي بلاد المشرق نواح تقصر لياليهم فلا يغيب الشفق عندهم إلى آخر ما ذكره الشارح وكتب عليه سم قوله : في بلاد إلخ ، بخلاف الذين يغيب الشفق عندهم فوقت العشاء لهم غيبوبته عندهم وإن تأخرت عن غيبوبته عند غيرهم تأخيرا كثيرا كما هو مقتضى الكلام ا هـ .

                                                                                                                            أقول : وعلى هذا فينبغي أن يعتبر كون الباقي من الليل بعد غيبوبة الشفق عندهم زمنا يسع العشاء وإلا فينبغي أن يعتبر شفق أقرب البلاد إليهم خوفا من فوات العشاء .

                                                                                                                            [ تنبيه ] لو عدم وقت العشاء كأن طلع الفجر كما غربت الشمس وجب قضاؤها على الأوجه من اختلاف فيه بين المتأخرين ولو لم تغب إلا بقدر ما بين العشاءين ، فأطلق الشيخ أبو حامد أنه يعتبر حالهم بأقرب بلد إليهم ، وفرع عليه الزركشي وابن العماد أنهم يقدرون في الصوم ليلهم بأقرب بلد إليهم ثم يمسكون إلى الغروب بأقرب بلد إليهم ، وما قالاه إنما يظهر إن لم تسع مدة غيبوبتها أكل ما يقيم بنية الصائم لتعذر العمل بما عندهم فاضطررنا إلى ذلك التقدير ، بخلاف ما إذا وسع ذلك وليس هذا حينئذ كأيام الدجال لوجود الليل هنا وإن قصر ولو لم يسع ذلك إلا قدر المغرب ، أو أكل الصائم قدم أكله وقضى المغرب فيما يظهر ا هـ حج .

                                                                                                                            وكتب عليه سم قوله وجب قضاؤها على الأوجه لم يبين حكم صوم رمضان هل يجب بمجرد طلوع الفجر عندهم أو يعتبر قدر طلوعه بأقرب البلاد إليهم ، فإن كان الأول فهو مشكل لأنه يلزم عليه توالي الصوم القاتل أو المضر ضررا لا يحتمل لعدم التمكن من تناول ما يدفع ذلك لعدم استمرار الغروب زمنا يسع ذلك ، وإن كان الثاني فهو مشكل بالحكم بانعدام وقت العشاء بل قياس اعتبار قدر طلوعه بأقرب البلاد بقاء وقت العشاء ووقوعها أداء في ذلك القدر وهذا هو المناسب لما تقدم عن بعضهم فيما إذا لم يغب الشفق فليتأمل ، ثم رأيت قول الشارح الآتي وفرع عليه الزركشي إلخ ، ويؤخذ منه حكم ما نحن فيه : أي وهو أنهم يقدرون في الصوم ليلهم بأقرب بلد إليهم ( قوله : لكنه محمول على الثاني ) [ ص: 370 ] أي قوله : وقول من قال إلخ .

                                                                                                                            وصورته أن يغيب الشفق في أقرب البلاد إليهم وقد بقي من ليلهم ما يمكن فيه فعل العشاء بدليل قوله الآتي : فإن اتفق وجود الشفق الأول إلخ ( قوله : الشفق الأول ) أي الأحمر ( قوله : قدر ما يغيب فيه الشفق ) لعله قدر ما يطلع فيه الفجر ( قوله : في أقرب البلاد ) بقي ما لو استوى في القرب إليهم بلدان ثم كان يغيب الشفق في إحداهما قبل الأخرى هل يعتبر الأول أو الثاني ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني لئلا يؤدي إلى فعل العشاء قبل دخول وقتها على احتمال ( قوله : بمضي ما مر ) أي ما يسع العشاء بعد طلوع الفجر على ما هو الظاهر من عبارته .

                                                                                                                            ويحتمل أنه يدخل وقته بمضي الليل في أقرب البلاد إليهم ، لكنه يشكل بأنه قد يؤدي إلى خروج وقت الصبح عندهم بطلوع الشمس عندهم قبل طلوع الفجر في أقرب البلاد إليهم .

                                                                                                                            وعبارة حج ما نصه : الذي ينبغي أن ينسب وقت المغرب عند أولئك إلى ليلهم ، فإن كان السدس مثلا جعلنا ليل هؤلاء سدسه وقت المغرب وبقيته وقت العشاء وإن قصر جدا وأطال في بيان ذلك ، ورد ما ذكره الشارح هنا فراجعه والأقرب ما قاله حج ، ويلزم على ما قاله الشارح انعدام وقت العشاء ، وقد يؤدي إلى أن الصبح إنما يدخل وقته بعد طلوع شمسهم .

                                                                                                                            نعم إن خص كلام الشارح بما لو غاب الشفق في أقرب البلاد إليهم وبقي من ليلهم ما يمكنهم فيه فعل العشاء فقريب كما مرت الإشارة إليه قريبا ( قوله : لما سيجيء ) أي في قوله وقت الصبح من طلوع الفجر إلخ ( قوله : كذنب السرحان ) أي من حيث الاستطالة وكون النور في أعلاه عميرة وهو بكسر السين ، وفي المصباح السرحان بالكسر : الذئب والأسد [ ص: 371 ] والجمع سراحين ، ويقال للفجر الكاذب على التشبيه ا هـ ( قوله : يصدق عن الصبح ) أي يكشف ( قوله : ويبينه ) عطف تفسير ( قوله : أربعة أوقات ) أي زيادة على وقتي الضرورة والحرمة ( قوله : الوقتان المذكوران ) أي وهما قوله : فيما مضى في أوقات الظهر ، ولها أيضا وقت ضرورة وسيأتي ، ووقت حرمة وهو القدر الذي لا يسعها وإن وقعت أداء لكنهما يجريان في غير الظهر ، وقوله ووقت فضيلة أول الوقت ، ووقت عذر إلخ عطف على الوقتان ( قوله ورجحه ) أي القول بأنه إلى نصف الليل .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 369 ] قوله : لا ما بعده ) من الأصفر ثم الأبيض بمعنى أنه لا ينسب الدخول إليهما لسبقه عليهما ، والمراد من هذا نفي مذهب من قال : إن الوقت لا يدخل إلا بمغيبهما ( قوله : وقول من قال ) أي وهل قول من قال إلخ ( قوله : اتحاد أول وقتي العشاء والصبح ) لفظ أول ليس في فتاوى والده [ ص: 370 ] قوله : الشفق الأول ) أي المذكور في قوله هل مقتضى ذلك أنهم يصلون بعد فجرهم .

                                                                                                                            وحاصل ما ذكره أن والده سئل عن قضية ما قدمه هو في قوله ومن لا عشاء عندهم إلخ هل يقتضي أنهم يصلون العشاء بعد الفجر أو قبله ؟ فأجاب بأن فرض كلام الأصحاب فيه في الشفق الثاني : أي بأن يفضل بعد الزمن الذي يغيب الشفق فيه في أقرب البلاد إليهم زمن من الليل قبل طلوع الفجر يمكن إيقاع العشاء فيه ، وإنما كان فرض كلامهم ذلك للدلائل التي ذكرها من كلامهم وإن كان كلامهم في حد ذاته محتملا للشق الأول أيضا : أعني كونهم يصلون العشاء بعد الفجر ، فهو غير مراد لهم ( قوله : فإن اتفق وجود الشفق الأول ) بأن لم يمض زمن غيبوبة الشفق في أقرب البلاد إليهم إلا وقد طلع الفجر عندهم فحكمه أنهم يصلون العشاء حينئذ : أي بعد الفجر وبعد التقدير المذكور وتقع لهم أداء ، فتلخص من كلامه أنه لا بد من ذلك التقدير مطلقا وإن لزم عليه طلوع الفجر قبل فعل العشاء ، ولا يخفى بعده حينئذ ، ومن ثم اعتمد الشهاب حج الأخذ بالنسبة في هذه الحالة ( قوله : لخبر جبريل ) أي : بالنسبة لأول الوقت إذ لم يقدم دليله ، وقوله مع خبر مسلم أي : بالنسبة لآخره [ ص: 371 ] قوله : المذكوران ) أي في المتن قبل وبعد ، فقوله ، ويبقى إلى الفجر الصادق هو وقت الجواز ، والآتي وقت الاختيار




                                                                                                                            الخدمات العلمية