الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما .

استئناف بعد أن وصف حالهم ، وأقام الحجة عليهم ، وأراهم تفريطهم مع سهولة أخذهم بالحيطة لأنفسهم لو شاءوا ، بين أن الله منزه عن الظلم القليل ، بله الظلم الشديد ، فالكلام تعريض بوعيد محذوف هو من جنس العقاب ، وأنه في حقهم عدل ، لأنهم استحقوه بكفرهم ، وقد دلت على ذلك المقدر أيضا مقابلته بقوله : وإن تك حسنة ولما كان المنفي الظلم ، على أن مثقال ذرة تقدير لأقل ظلم ، فدل على أن المراد أن الله لا يؤاخذ المسيء بأكثر من جزاء سيئته .

وانتصب مثقال ذرة بالنيابة عن المفعول المطلق ، أي لا يظلم ظلما مقدرا بمثقال ذرة ، والمثقال ما يظهر به الثقل ، فلذلك صيغ على وزن اسم الآلة ، والمراد به المقدار .

والذرة تطلق على بيضة النملة ، وعلى ما يتطاير من التراب عند النفخ ، وهذا أحقر ما يقدر به ، فعلم انتفاء ما هو أكثر منه بالأولى . وقرأ نافع وابن كثير وأبو جعفر " حسنة " بالرفع على أن " تك " مضارع كان التامة ، أي إن توجد حسنة . وقرأه الجمهور بنصب ( حسنة ) على الخبرية لـ " تك " على اعتبار كان ناقصة ، واسم كان المستتر عائد إلى مثقال ذرة ، وجيء بفعل الكون بصيغة فعل المؤنث مراعاة للفظ " ذرة " الذي أضيف إليه ( مثقال ) لأن لفظ " مثقال " مبهم لا يميزه إلا لفظ ذرة فكان كالمستغنى عنه .

[ ص: 56 ] والمضاعفة إضافة الضعف بكسر الضاد أي المثل ، يقال : ضاعف وضعف وأضعف ، وهي بمعنى واحد على التحقيق عند أيمة اللغة ، مثل أبي علي الفارسي . وقال أبو عبيدة ( ضاعف ) يقتضي أكثر من ضعف واحد و ( ضعف ) يقتضي ضعفين . ورد بقوله تعالى : يضاعف لها العذاب ضعفين . وأما دلالة إحدى الصيغ الثلاث على مقدار التضعيف فيؤخذ من القرائن لحكمة الصيغة ، وقرأ الجمهور : يضاعفها ، وقرأه ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو جعفر : ( يضعفها ) بدون ألف بعد العين وبتشديد العين .

والأجر العظيم ما يزاد على الضعف ، ولذلك أضافه الله تعالى إلى ضمير الجلالة ، فقال " من لدنه " إضافة تشريف . وسماه أجرا لكونه جزاء على العمل الصالح ، وقد روي أن هذا نزل في ثواب الهجرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية