الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 142 ] ( بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ( 117 ) وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون ( 118 ) إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ( 119 ) )

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( بديع السماوات والأرض ) أي مبدعها ومنشئها من غير مثال سبق ( وإذا قضى أمرا ) أي قدره ، وقيل : أحكمه وقدره [ وأتقنه ، وأصل القضاء : الفراغ ، ومنه قيل لمن مات : قضي عليه لفراغه من الدنيا ، ومنه قضاء الله وقدره ] لأنه فرغ منه تقديرا وتدبيرا .

                                                                                                                                                                                                                                      ( فإنما يقول له كن فيكون ) قرأ ابن عامر كن فيكون بنصب النون في جميع المواضع إلا في آل عمران " كن فيكون ، الحق من ربك " وفي سورة الأنعام " كن فيكون ، قوله الحق " وإنما نصبها ؛ لأن جواب الأمر بالفاء يكون منصوبا [ وافقه الكسائي في النحل ويس ] ، وقرأ الآخرون بالرفع على معنى فهو يكون ، فإن قيل كيف قال ( فإنما يقول له كن فيكون ) والمعدوم لا يخاطب ، قال ابن الأنباري : معناه فإنما يقول له أي لأجل تكوينه ، فعلى هذا ذهب معنى الخطاب ، وقيل : هو وإن كان معدوما ولكنه لما قدر وجوده وهو كائن لا محالة كان كالموجود فصح الخطاب .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( وقال الذين لا يعلمون ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : اليهود ، وقال مجاهد : النصارى ، وقال قتادة : مشركو العرب ( لولا ) هلا ( يكلمنا الله ) عيانا بأنك رسوله ، وكل ما في القرآن " لولا " فهو بمعنى هلا إلا واحدا ، وهو قوله فلولا أنه كان من المسبحين " ( 143 - الصافات ) معناه فلو لم يكن ( أو تأتينا آية ) دلالة وعلامة على صدقك في ادعائك النبوة .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الله تعالى : ( كذلك قال الذين من قبلهم ) أي كفار الأمم الخالية ( مثل قولهم تشابهت قلوبهم ) أي أشبه بعضها بعضا في الكفر والقسوة وطلب المحال ( قد بينا الآيات لقوم يوقنون )

                                                                                                                                                                                                                                      ( إنا أرسلناك بالحق ) أي بالصدق كقوله ويستنبئونك أحق هو " ( 53 - يونس ) أي صدق ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : بالقرآن دليله بل كذبوا بالحق لما جاءهم " ( 5 - ق ) وقال ابن كيسان : بالإسلام وشرائعه ، دليله قوله عز وجل : " وقل جاء الحق ( 81 - الإسراء ) وقال مقاتل : معناه لم [ ص: 143 ] نرسلك عبثا ، إنما أرسلناك بالحق كما قال : " وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق 85 - الحجر ) .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله عز وجل ( بشيرا ) أي مبشرا لأوليائي وأهل طاعتي بالثواب الكريم ( ونذيرا ) أي منذرا مخوفا لأعدائي وأهل معصيتي بالعذاب الأليم ، قرأ نافع ويعقوب ( ولا تسأل ) على النهي قال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم : " ليت شعري ما فعل أبواي " فنزلت هذه الآية ، وقيل : هو على معنى قولهم ولا تسأل عن شر فلان فإنه فوق ما تحسب وليس على النهي ، وقرأ الآخرون " ولا تسأل " بالرفع على النفي بمعنى ولست بمسئول عنهم كما قال الله تعالى : " فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب " ( 20 - آل عمران ) ، ( عن أصحاب الجحيم ) والجحيم معظم النار .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية