الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا .

استئناف ابتدائي لذكر تشريع في حقوق الرجال وحقوق النساء والمجتمع العائلي . وقد ذكر عقب ما قبله لمناسبة الأحكام الراجعة إلى نظام العائلة ، لا سيما أحكام النساء ، فقوله : الرجال قوامون على النساء أصل تشريعي كلي تتفرع عنه الأحكام التي في الآيات بعده ، فهو كالمقدمة .

وقوله ( فالصالحات ) تفريع عنه مع مناسبته لما ذكر من سبب نزول ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض فيما تقدم .

والحكم الذي في هذه الآية حكم عام جيء به لتعليل شرع خاص .

[ ص: 38 ] فلذلك فالتعريف في ( الرجال والنساء ) للاستغراق . وهو استغراق عرفي مبني على النظر إلى الحقيقة ، كالتعريف في قول الناس : الرجل خير من المرأة ، يأول إلى الاستغراق العرفي ، لأن الأحكام المستقراة للحقائق أحكام أغلبية ، فإذا بني عليها استغراق فهو استغراق عرفي . والكلام خبر مستعمل في الأمر كشأن الكثير من الأخبار الشرعية .

والقوام : الذي يقوم على شأن شيء ويليه ويصلحه ، يقال : قوام وقيام وقيوم ، لأن شأن الذي يهتم بالأمر ويعتني به أن يقف ليدير أمره ، فأطلق على الاهتمام ( القيام ) بعلاقة اللزوم ، أو شبه المهتم بالقائم للأمر على طريقة التمثيل . فالمراد من الرجال من كان من أفراد حقيقة الرجل ، أي الصنف المعروف من النوع الإنساني ، وهو صنف الذكور ، وكذلك المراد من النساء صنف الإناث من النوع الإنساني ، وليس المراد الرجال جمع الرجل بمعنى رجل المرأة ، أي زوجها ، لعدم استعماله في هذا المعنى ، بخلاف قولهم : امرأة فلان ، ولا المراد من النساء الجمع الذي يطلق على الأزواج الإناث وإن كان ذلك قد استعمل في بعض المواضع مثل قوله تعالى : من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ، بل المراد ما يدل عليه اللفظ بأصل الوضع كما في قوله تعالى : وللنساء نصيب مما اكتسبن ، وقول النابغة :


ولا نسوتي حتى يمتن حرائرا

يريد أزواجه وبناته وولاياه .

فموقع الرجال قوامون على النساء موقع المقدمة للحكم بتقديم دليله للاهتمام بالدليل ، إذ قد يقع سوء تأويل ، أو قد وقع بالفعل ، فقد روي أن سبب نزول الآية قول النساء : ليتنا استوينا مع الرجال في الميراث وشركناهم في الغزو .

وقيام الرجال على النساء هو قيام الحفظ والدفاع ، وقيام الاكتساب والإنتاج المالي ، ولذلك قال : بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم أي : بتفضيل الله بعضهم على بعض وبإنفاقهم من أموالهم ، إن كانت ( ما ) في الجملتين مصدرية ، أو بالذي فضل الله به بعضهم ، وبالذي أنفقوه من أموالهم ، إن كانت ( ما ) فيهما [ ص: 39 ] موصولة ، فالعائدان من الصلتين محذوفان : أما المجرور فلأن اسم الموصول مجرور بحرف مثل الذي جر به الضمير المحذوف ، وأما العائد المنصوب من صلة وبما أنفقوا فلأن العائد المنصوب يكثر حذفه من الصلة . والمراد بالبعض في قوله تعالى : فضل الله بعضهم هو فريق الرجال كما هو ظاهر من العطف في قوله : وبما أنفقوا من أموالهم فإن الضميرين للرجال .

فالتفضيل هو المزايا الجبلية التي تقتضي حاجة المرأة إلى الرجل في الذب عنها وحراستها لبقاء ذاتها ، كما قال عمرو بن كلثوم :


يقتن جيادنا ويقلن لستم     بعولتنا إذا لم تمنعونا

فهذا التفضيل ظهرت آثاره على مر العصور والأجيال ، فصار حقا مكتسبا للرجال ، وهذه حجة برهانية على كون الرجال قوامين على النساء فإن حاجة النساء إلى الرجال من هذه الناحية مستمرة وإن كانت تقوى وتضعف .

وقوله : وبما أنفقوا جيء بصيغة الماضي للإيماء إلى أمر قد تقرر في المجتمعات الإنسانية منذ القدم ، فالرجال هم العائلون لنساء العائلة من أزواج وبنات ، وأضيفت الأموال إلى ضمير الرجال لأن الاكتساب من شأن الرجال ، فقد كان في عصور البداوة بالصيد وبالغارة وبالغنائم والحرث ، وذلك من عمل الرجال ، وزاد اكتساب الرجال في عصور الحضارة بالغرس والتجارة والإجارة والأبنية ، ونحو ذلك ، وهذه حجة خطابية لأنها ترجع إلى مصطلح غالب البشر ، لا سيما العرب . ويندر أن تتولى النساء مساعي من الاكتساب ، لكن ذلك نادر بالنسبة إلى عمل الرجل مثل استئجار الظئر نفسها وتنمية المرأة مالا ورثته من قرابتها .

ومن بديع الإعجاز صوغ قوله : بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم في قالب صالح للمصدرية والموصولية ، فالمصدرية مشعرة بأن القيامية سببها تفضيل من الله وإنفاق ، والموصولية مشعرة بأن سببها ما يعلمه الناس من فضل الرجال ومن إنفاقهم ليصلح الخطاب للفريقين : عالمهم وجاهلهم ، كقول السموأل أو الحارثي :


سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم     فليس سواء عالـم وجـهـول

[ ص: 40 ] ولأن في الإتيان بـ " ما " مع الفعل على تقدير احتمال المصدرية جزالة لا توجد في قولنا : بتفضيل الله وبالإنفاق ، لأن العرب يرجحون الأفعال على الأسماء في طرق التعبير .

وقد روي في سبب نزول الآية : أنها قول النساء ، ومنهن أم سلمة أم المؤمنين : أتغزو الرجال ولا نغزو وإنما لنا نصف الميراث . فنزل قوله تعالى ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض إلى هذه الآية إكمالا لما يرتبط بذلك التمني . وقيل : نزلت هذه الآية بسبب سعد بن الربيع الأنصاري : نشزت منه زوجه حبيبة بنت زيد بن أبي زهير فلطمها فشكاه أبوها إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - فأمرها أن تلطمه كما لطمها ، فنزلت الآية في فور ذلك ، فقال النبيء - صلى الله عليه وسلم - : أردت شيئا وأراد الله غيره ، ونقض حكمه الأول ، وليس في هذا السبب الثاني حديث صحيح ولا مرفوع إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - ولكنه مما روي عن الحسن والسدي ، وقتادة .

والفاء في قوله : فالصالحات للفصيحة ، أي إذا كان الرجال قوامين على النساء فمن المهم تفصيل أحوال الأزواج منهن ومعاشرتهن أزواجهن وهو المقصود ، فوصف الله الصالحات منهن وصفا يفيد رضاه تعالى ، فهو في معنى التشريع ، أي ليكن صالحات . والقانتات : المطيعات لله .

والقنوت : عبادة الله ، وقدمه هنا وإن لم يكن من سياق الكلام للدلالة على تلازم خوفهن الله وحفظ حق أزواجهن ، ولذلك قال : حافظات للغيب ، أي حافظات أزواجهن عند غيبتهم ، وعلق الغيب بالحفظ على سبيل المجاز العقلي لأنه وقته . والغيب مصدر غاب ضد حضر . والمقصود غيبة أزواجهن ، واللام للتعدية لضعف العامل ، إذ هو غير فعل ، فالغيب في معنى المفعول ، وقد جعل مفعولا للحفظ على التوسع لأنه في الحقيقة ظرف للحفظ ، فأقيم مقام المفعول ليشمل كل ما هو مظنة تخلف الحفظ في مدته : من كل ما شأنه أن يحرسه الزوج الحاضر من أحوال امرأته في عرضه وماله ، فإنه إذا حضر يكون من حضوره وازعان : يزعها بنفسه ويزعها أيضا اشتغالها بزوجها ، أما حال الغيبة فهو حال نسيان واستخفاف ، فيمكن أن يبدو فيه من المرأة ما لا يرضي زوجها إن كانت غير صالحة أو سفيهة الرأي ، فحصل بإنابة الظرف عن المفعول إيجاز بديع ، وقد تبعه بشار إذ قال :


ويصون غيبكم وإن نزحا

[ ص: 41 ] والباء في : بما حفظ الله . للملابسة ، أي حفظا ملابسا لما حفظ الله ، و ( ما ) مصدرية أي بحفظ الله ، وحفظ الله هو أمره بالحفظ ، فالمراد الحفظ التكليفي ، ومعنى الملابسة أنهن يحفظن أزواجهن حفظا مطابقا لأمر الله تعالى ، وأمر الله يرجع إلى ما فيه حق للأزواج وحدهم أو مع حق الله ، فشمل ما يكرهه الزوج إذا لم يكن فيه حرج على المرأة ، ويخرج عن ذلك ما أذن الله للنساء فيه ، كما أذن النبيء - صلى الله عليه وسلم - هندا بنت عتبة : أن تأخذ من مال أبي سفيان ما يكفيها وولدها بالمعروف . لذلك قال مالك : إن للمرأة أن تدخل الشهود إلى بيت زوجها في غيبته وتشهدهم بما تريد ، وكما أذن لهن النبيء أن يخرجن إلى المساجد ودعوة المسلمين .

وقوله : واللاتي تخافون نشوزهن هذه بعض الأحوال المضادة للصلاح وهو النشوز ، أي الكراهية للزوج ، فقد يكون ذلك لسوء خلق المرأة ، وقد يكون لأن لها رغبة في التزوج بآخر ، وقد يكون لقسوة في خلق الزوج ، وذلك كثير . والنشوز في اللغة الترفع والنهوض ، وما يرجع إلى معنى الاضطراب والتباعد ، ومنه نشز الأرض ، وهو المرتفع منها .

قال جمهور الفقهاء : النشوز عصيان المرأة زوجها والترفع عليه وإظهار كراهيته ، أي إظهار كراهية لم تكن معتادة منها ، أي بعد أن عاشرته ، كقوله : وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا . وجعلوا الإذن بالموعظة والهجر والضرب مرتبا على هذا العصيان ، واحتجوا بما ورد في بعض الآثار من الإذن للزوج في ضرب زوجته الناشز ، وما ورد من الأخبار عن بعض الصحابة أنهم فعلوا ذلك في غير ظهور الفاحشة ، وعندي أن تلك الآثار والأخبار محمل الإباحة فيها أنها قد روعي فيها عرف بعض الطبقات من الناس ، أو بعض القبائل ، فإن الناس متفاوتون في ذلك ، وأهل البدو منهم لا يعدون ضرب المرأة اعتداء ، ولا تعده النساء أيضا اعتداء ، قال عامر بن الحارث النمري الملقب بجران العود .


عمدت لعود فالتحـيت جـرانـه     وللكيس أمضى في الأمور وأنجح
خذا حذرا يا خلـتـي فـإنـنـي     رأيت جران العود قد كاد يصلـح

[ ص: 42 ] التحيت : قشرت ، أي قددت ، بمعنى : أنه أخذ جلدا من باطن عنق بعير وعمله سوطا ليضرب به امرأتيه ، يهددهما بأن السوط قد جف وصلح لأن يضرب به .

وقد ثبت في الصحيح أن عمر بن الخطاب قال : كنا معشر المهاجرين قوما نغلب نساءنا فإذا الأنصار قوم تغلبهم نساؤهم فأخذ نساؤنا يتأدبن بأدب نساء الأنصار . فإذا كان الضرب مأذونا فيه للأزواج دون ولاة الأمور ، وكان سببه مجرد العصيان والكراهية دون الفاحشة ، فلا جرم أنه أذن فيه لقوم لا يعدون صدوره من الأزواج إضرارا ولا عارا ولا بدعا من المعاملة في العائلة ، ولا تشعر نساؤهم بمقدار غضبهم إلا بشيء من ذلك .

وقوله : فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن مقصود منه الترتيب كما يقتضيه ترتيب ذكرها مع ظهور أنه لا يراد الجمع بين الثلاثة ، والترتيب هو الأصل والمتبادر في العطف بالواو ، قال سعيد بن جبير : يعظها ، فإن قبلت ، وإلا هجرها ، فإن هي قبلت ، وإلا ضربها ، ونقل مثله عن علي .

واعلم أن الواو هنا مراد بها التقسيم باعتبار أقسام النساء في النشوز .

وقوله : فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا احتمال ضمير الخطاب فيه يجري على نحو ما تقدم في ضمائر " تخافون " وما بعده ، والمراد الطاعة بعد النشوز ، أي إن رجعن عن النشوز إلى الطاعة المعروفة . ومعنى فلا تبغوا عليهن سبيلا فلا تطلبوا طريقا لإجراء تلك الزواجر عليهن ، والخطاب صالح لكل من جعل له سبيل على الزوجات في حالة النشوز على ما تقدم .

والسبيل حقيقته الطريق ، وأطلق هنا مجازا على التوسل والتسبب والتذرع إلى أخذ الحق ، وسيجيء عند قوله تعالى : ما على المحسنين من سبيل في سورة " براءة " ، وانظر قوله الآتي وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا .

و ( عليهن ) متعلق بـ ( سبيلا ) لأنه ضمن معنى الحكم والسلطان ، كقوله تعالى : ما على المحسنين من سبيل .

وقوله : إن الله كان عليا كبيرا تذييل للتهديد ، أي إن الله علي عليكم ، حاكم فيكم ، فهو يعدل بينكم ، وهو كبير ، أي قوي قادر ، فبوصف العلو يتعين امتثال أمره ونهيه ، وبوصف القدرة يحذر بطشه عند عصيان أمره ونهيه .

[ ص: 43 ] ومعنى تخافون نشوزهن تخافون عواقبه السيئة . فالمعنى أنه قد حصل النشوز مع مخائل قصد العصيان والتصميم عليه لا مطلق المغاضبة أو عدم الامتثال ، فإن ذلك قلما يخلو عنه حال الزوجين ، لأن المغاضبة والتعاصي يعرضان للنساء والرجال ، ويزولان ، وبذلك يبقى معنى الخوف على حقيقته من توقع حصول ما يضر ، ويكون الأمر بالوعظ والهجر والضرب مراتب بمقدار الخوف من هذا النشوز والتباسه بالعدوان وسوء النية . والمخاطب بضمير " تخافون " : إما الأزواج ، فتكون تعدية ( خاف ) إليه على أصل تعدية الفعل إلى مفعوله ، نحو فلا تخافوهم وخافون ويكون إسناد فعظوهن واهجروهن واضربوهن على حقيقته .

ويجوز أن يكون المخاطب مجموع من يصلح لهذا العمل من ولاة الأمور والأزواج ; فيتولى كل فريق ما هو من شأنه ، وذلك نظير قوله تعالى في سورة البقرة ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله إلخ . فخطاب ( لكم ) للأزواج ، وخطاب فإن خفتم لولاة الأمور ، كما في الكشاف . قال : ومثل ذلك غير عزيز في القرآن وغيره . يريد أنه من قبيل قوله تعالى في سورة الصف تؤمنون بالله ورسوله إلى قوله : وبشر المؤمنين فإنه جعل ( وبشر ) عطفا على ( تؤمنون ) أي فهو خطاب للجميع لكنه لما كان لا يتأتى إلا من الرسول خص به . وبهذا التأويل أخذ عطاء إذ قال : لا يضرب الزوج امرأته ولكن يغضب عليها . قال ابن العربي : هذا من فقه عطاء وفهمه الشريعة ووقوفه على مظان الاجتهاد علم أن الأمر بالضرب هنا أمر إباحة ، ووقف على الكراهية من طريق أخرى كقول النبيء - صلى الله عليه وسلم - ولن يضرب خياركم . وأنا أرى لعطاء نظرا أوسع مما رآه له ابن العربي : وهو أنه وضع هاته الأشياء مواضعها بحسب القرائن ، ووافقه على ذلك جمع من العلماء ، قال ابن الفرس : وأنكروا الأحاديث المروية بالضرب . وأقول : أو تأولوها . والظاهر أن الإذن بالضرب لمراعاة أحوال دقيقة بين الزوجين فأذن للزوج بضرب امرأته ضرب إصلاح لقصد إقامة المعاشرة بينهما ; فإن تجاوز ما تقتضيه حالة نشوزها كان معتديا .

ولذلك يكون المعنى واللاتي تخافون نشوزهن أي تخافون سوء مغبة نشوزهن ، ويقتضي ذلك بالنسبة لولاة الأمور أن النشوز رفع إليهم بشكاية الأزواج ، وأن إسناد ( فعظوهن ) على حقيقته ، وأما إسناد واهجروهن في المضاجع فعلى معنى إذن الأزواج بهجرانهن ، وإسناد ( واضربوهن ) كما علمت .

[ ص: 44 ] وضمير المخاطب في قوله : فإن أطعنكم يجري على التوزيع ، وكذلك ضمير فلا تبغوا عليهن سبيلا .

والحاصل أنه لا يجوز الهجر والضرب بمجرد توقع النشوز قبل حصوله اتفاقا ، وإذا كان المخاطب الأزواج كان إذنا لهم بمعاملة أزواجهم النواشز بواحدة من هذه الخصال الثلاث ، وكان الأزواج مؤتمنين على توخي مواقع هذه الخصال بحسب قوة النشوز وقدره في الفساد ، فأما الوعظ فلا حد له ، وأما الهجر فشرطه أن لا يخرج إلى حد الإضرار بما تجده المرأة من الكمد ، وقد قدر بعضهم أقصاه بشهر .

وأما الضرب فهو خطير وتحديده عسير ، ولكنه أذن فيه في حالة ظهور الفساد ، لأن المرأة اعتدت حينئذ ، ولكن يجب تعيين حد في ذلك ، يبين في الفقه ، لأنه لو أطلق للأزواج أن يتولوه ، وهم حينئذ يشفون غضبهم ، لكان ذلك مظنة تجاوز الحد ، إذ قل من يعاقب على قدر الذنب ، على أن أصل قواعد الشريعة لا تسمح بأن يقضي أحد لنفسه لولا الضرورة ، بيد أن الجمهور قيدوا ذلك بالسلامة من الإضرار ، وبصدوره ممن لا يعد الضرب بينهم إهانة وإضرارا . فنقول : يجوز لولاة الأمور إذا علموا أن الأزواج لا يحسنون وضع العقوبات الشرعية مواضعها ، ولا الوقوف عند حدودها أن يضربوا على أيديهم استعمال هذه العقوبة ، ويعلنوا لهم أن من ضرب امرأته عوقب ، كيلا يتفاقم أمر الإضرار بين الأزواج ، لا سيما عند ضعف الوازع .

التالي السابق


الخدمات العلمية