الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب شروط الصلاة هي ثلاثة أنواع : شرط انعقاد : كنية ، وتحريمة ، ووقت ، وخطبة : وشروط دوام ، كطهارة وستر عورة ، واستقبال قبلة . وشرط بقاء ، فلا يشترط فيه تقدم ولا مقارنة بابتداء الصلاة وهو القراءة ، فإنه ركن في نفسه شرط في غيره [ ص: 402 ] لوجوده في كل الأركان تقديرا ، ولذا لم يجز استخلاف الأمي . ثم الشرط لغة العلامة اللازمة . وشرعا ما يتوقف عليه الشيء ولا يدخل فيه ( هي ) ستة ( طهارة بدنه ) أي جسده لدخول الأطراف في الجسد دون البدن فليحفظ ( من حدث ) بنوعيه ، وقدمه لأنه أغلظ ( وخبث ) مانع كذلك ( وثوبه ) وكذا ما يتحرك بحركته أو يعد حاملا له كصبي عليه نجس إن لم يستمسك بنفسه منع وإلا لا [ ص: 403 ] كجنب وكلب إن شد فمه في الأصح ( ومكانه ) أي موضع قدميه أو إحداهما إن رفع الأخرى وموضع سجوده اتفاقا في الأصح ، لا موضع يديه وركبتيه على الظاهر إلا إذا سجد على كفه كما سيجيء ( من الثاني ) أي الخبث ، - { وثيابك فطهر } - فبدنه ومكانه أولى [ ص: 404 ] لأنهما ألزم

التالي السابق


أي شروط جوازها وصحتها ، لا شروط الوجوب : كالتكليف والقدرة والوقت ، ولا شرط الوجود كالقدرة المقارنة للفعل ، والمراد أيضا الشروط الشرعية لا العقلية كالحياة للعلم ، ولا الجعلية كدخول الدار المعلق به الطلاق ( قوله هي ثلاثة أنواع إلخ ) كذا قرره في السراج . وبيان ذلك أن شرط الانعقاد ما يشترط وجوده في ابتداء الصلاة متقدما عليها أو مقارنا لها سواء استمر إلى آخرها أم لا ، فالوقت والخطبة متقدمان عليها ، والنية والتحريمة مقارنان لها . وأما شرط الدوام فهو ما يشترط وجوده في ابتداء الصلاة مستمرا إلى آخرها . وأما شرط البقاء فقد فسره في السراج بما يشترط وجوده حالة البقاء ولا يشترط فيه التقدم ولا المقارنة ا هـ أي فقد يوجد فيه التقدم والمقارنة ، وقد لا يوجد . ولا يخفى أن هذه الأقسام متداخلة وبينها عموم وخصوص مطلق ، فتجتمع في الطهارة والستر والاستقبال فإنها من حيث اشتراط وجودها في ابتداء الصلاة شرط انعقاد ، ومن حيث اشتراط دوامها أيضا شرط دوام ، ومن حيث اشتراط وجودها في حالة البقاء شرط بقاء ، وتجتمع أيضا في الوقت بالنسبة إلى صلاة الصبح والجمعة والعيدين فإنه يشترط في ابتدائها وانتهائها وحالة البقاء ، حتى لو خرج قبل تمامها بطلت . وينفرد شرط الانعقاد عن شرط الدوام وعن شرط البقاء في الوقت بالنسبة إلى بقية الصلوات فإنه شرط انعقاد فقط إذ لا يشترط دوامه ولا وجوده حالة البقاء . وينفرد شرط البقاء في القراءة فإنه يحدث في أثنائها ويستمر إلى انتهائها ، ومثلها رعاية الترتيب في فعل غير مكرر كالقعدة الأخيرة ، حتى لو تذكر سجدة صلبية أو تلاوية فأتى بها بعد القعدة لزمه إعادتها ( قوله فإنه ركن في نفسه إلخ ) كذا في القهستاني . واعترض بأن الركن ما كان داخل الماهية ، والشرط ما كان خارجا عنها وبينهما تناف . ولا وجه لتخصيص كونه شرطا في غيره بسبب وجوده في كل الأركان تقديرا ، لأن كل [ ص: 402 ] ركن كذلك ، نعم قسموا الركن إلى أصلي وزائد ، وهو ما قد يسقط بلا ضرورة ، ومثلوا له بالقراءة فإنها تسقط عن المقتدي فسميت ركنا في حالة أخرى وزائدا في حالة أخرى ، لأن الصلاة ماهية اعتبارية فيجوز أن يعتبرها الشارع تارة بأركان وأخرى بأقل منها ( قوله لوجوده ) أي القراءة وذكر باعتبار الشرط ، وهو علة لكونه شرطا ط ( قوله لم يجز استخلاف الأمي ) أي ولو في التشهد لعدم وجود الشرط فيه . ولا يقال : إنه مفقود في المأموم لأنه موجود حكما ، لأن قراءة الإمام له قراءة ط ( قوله ثم الشرط إلخ ) أي بالسكون وجمعه شروط ، وأما بالفتح فجمعه أشراط ، ومنه - { فقد جاء أشراطها } - وقد فسر الأول في القاموس بإلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه ، والثاني بالعلامة ، ومقتضاه أن الأول لا يفسر لغة بالعلامة وهو ظاهر الصحاح أيضا ، والمنقول في كتب الفقه عن اللغة خلافه ، ولعل الفقهاء وقفوا على تفسيره بذلك ، وبعضهم عبر بالشرائط . واعترض بأنه جمع شريطة : وهي مشقوقة الأذن . ووقع في النهر هنا وهم فاجتنبه ( قوله ولا يدخل فيه ) اعلم أن المتعلق بالشيء إما أن يكون داخلا في ماهية فيسمى ركنا كالركوع في الصلاة ، أو خارجا عنه ، فإما أن يؤثر فيه كعقد النكاح للحل فيسمى علة ، أو لا يؤثر ، فإما أن يكون موصلا إليه في الجملة كالوقت فيسمى سببا ، أو لا يوصل إليه ، فإما أن يتوقف الشيء عليه كالوضوء للصلاة فيسمى شرطا أو لا يتوقف كالأذان فيسمى علامة كما بسطه البرجندي ، فكان عليه أن يزيد ولا يؤثر فيه ولا يوصل إليه في الجملة إسماعيل ( قوله هي ستة ) ذكر القهستاني أنها أكثر من عشرة : فإن منها القراءة على ما مر ، وتقديمها على الركوع ، والركوع على السجود ، ومراعاة مقام الإمام والمقتدي ، وعدم تذكر الفائتة لذي ترتيب ، وعدم محاذاة امرأة . ا هـ . قلت : وكذا منها الوقت كما مر . قال في الإمداد : وقد ترك ذكره في عدة من المعتبرات كالقدوري والمختار والهداية والكنز مع ذكرهم له أول كتاب الصلاة ، وكان ينبغي لهم ذكره هنا ليتنبه المتعلم على أنه من الشروط كما في مقدمة أبي الليث ومنية المصلي ، وكذا يشترط اعتقاد دخوله ، فلو شك لم تصح صلاته وإن ظهر أنه قد دخل . ا هـ . ( قوله لدخول الأطراف إلخ ) علة لتفسير البدن بالجسد تفسير مراد ، لأن البدن اسم لما سوى الرأس والأطراف كاليدين والرجلين ( قوله لأنه أغلظ ) لأنه ليس له قليل يعفى عنه بخلاف الخبث . قال ط : وإنما صرف الماء الكافي لأحدهما للخبث لأجل تحصيل الطهارتين : المائية في الخبث ، والترابية في الحدث ( قوله كذلك ) أي بنوعيه : وهما الغليظة والخفيفة ح ( قوله وثوبه ) أراد ما لابس البدن ، فدخل القلنسوة والخف والنعل ط عن الحموي ( قوله وكذا ما ) أي شيء متصل به يتحرك بحركته كمنديل طرفه على عنقه وفي الآخر نجاسة مانعة إن تحرك موضع النجاسة بحركات الصلاة منع وإلا ، بخلاف ما لم يتصل كبساط طرفه نجس وموضع الوقوف والجبهة طاهر فلا يمنع مطلقا أفاده ح عن الشرنبلالي ( قوله كصبي ) أي وكسقف وظلة وخيمة نجسة تصيب رأسه إذا وقف ( قوله إن لم يستمسك ) الأولى حذف إن وجوابها لأنه تمثيل للمحمول ، فحق التعبير أن يقول كصبي عليه نجس لا يستمسك بنفسه ط ( قوله وإلا لا ) أي [ ص: 403 ] وإن كان يستمسك بنفسه لا يمنع لأن حمل النجاسة حينئذ ينسب إليه لا إلى المصلي ( قوله كجنب ) تنظير لا تمثيل ، أي فإن الجنابة أيضا تنسب إلى المحمول لا إلى المصلي ، ولو كان تمثيلا للزم اشتراط أن يكون الجنب مستمسكا بنفسه بأن لا يكون زمنا مثلا مع أنه غير نجس حقيقة ، فلو حمل المصلي جنبا لا يمنع صلاته مطلقا لأن نجاسته حكمية فافهم ( قوله وكلب إن شد فمه ) لو قال وكلب إن لم يسل منه ما يمنع الصلاة لكان أولى لأنه لو علم عدم السيلان أو سال منه دون القدر المانع لا يبطل الصلاة وإن لم يشد فمه أفاده ح وقدمنا نحوه قبيل فصل البئر عن الحلية ، ويؤيده ما في البحر عن الظهيرية : لو جلس على المصلي صبي ثوبه نجس وهو يستمسك بنفسه أو حمام نجس جازت صلاته لأن الذي على المصلي مستعمل للنجس ، فلم يصر المصلي حاملا للنجاسة ا هـ . أقول : والظاهر أن مسألة الكلب مبنية على أرجح التصحيحين ، من أنه ليس بنجس العين ، بل هو طاهر الظاهر كغيره من الحيوانات سوى الخنزير فلا ينجس إلا بالموت ونجاسة باطنه في معدنها فلا يظهر حكمها كنجاسة باطن المصلي ، كما لو صلى حاملا بيضة مذرة صار محها دما جاز لأنه في معدنه ، والشيء ما دام في معدنه لا يعطى له حكم النجاسة ، بخلاف ما لو حمل قارورة مضمومة فيها بول فلا تجوز صلاته لأنه في غير معدنه كما في البحر عن المحيط ( قوله في الأصح ) رد لمن يقول بمنع الصلاة مطلقا كما في البحر ، وكأنه مبني على نجاسة عينه . ا هـ . ح ( قوله ومكانه ) فلا تمنع النجاسة في طرف البساط ولو صغيرا في الأصح ، ولو كان رقيقا وبسطه على موضع نجس ، إن صلح ساترا للعورة تجوز الصلاة كما في البحر عن الخلاصة . وفي القنية : لو صلى على زجاج يصف ما تحته قالوا جميعا يجوز . ا هـ . وأما لو صلى على لبنة أو آجرة أو خشبة غليظة أو ثوب مخيط مضرب أو غير مضرب فسيأتي الكلام عليه في باب مفسدات الصلاة إن شاء الله تعالى ( قوله أي موضع قدميه ) هذا باتفاق الروايات بحر ، وأفاد أنه لو كانت تقع ثيابه على أرض نجسة عند السجود لا يضر ( قوله إن رفع الأخرى ) أي التي تحتها نجاسة مانعة ( قوله اتفاقا في الأصح ) وفي رواية عن الإمام : لا يشترط طهارة موضع السجود . ا هـ ح أي بناء على رواية جواز الاقتصار على الأنف في السجود ، فلا يشترط طهارة موضع الأنف لأنه أقل من الدرهم كما في شرح المنية ، لكن لو سجد على نجس ، فعندهما تفسد الصلاة ، وعند أبي يوسف تفسد السجدة ، فإذا أعادها على طاهر صحت عنده لا عندهما ، والأولى ظاهر الرواية كما في الحلية ( قوله على الظاهر ) أي ظاهر الرواية كما في البحر ، لكن قال في منية المصلي : قال في العيون : هذه رواية شاذة ا هـ . وفي البحر : واختار أبو الليث أن صلاته تفسد ، وصححه في العيون ا هـ . وفي النهر : وهو المناسب لإطلاق عامة المتون ، وأيده بكلام الخانية . قلت : وصححه في متن المواهب ونور الإيضاح والمنية وغيرها ، فكان عليه المعول . وقال في شرح المنية : وهو الصحيح ، لأن اتصال العضو بالنجاسة بمنزلة حملها وإن كان وضع ذلك العضو ليس بفرض ( قوله إلا إذا سجد على كفه ) فيشترط طهارة ما تحته لأنه موضع يده بل لأنه موضع السجود ط أي كما إذا سجد على كمه وتحته نجاسة ( قوله كما سيجيء ) أي في سنن الصلاة ح ( قوله من الثاني ) زيادة توضيح . قال في النهر : ولم يذكره [ ص: 404 ] في الكنز لأن طهارة الثوب والمكان من حدث لا يخطر ببال ، ولذا قدم قوله من حدث وخبث : إذ لو أخره لاقتضى أن يكون قيدا في الكل . ا هـ . ( قوله لأنهما ألزم ) أي أشد ملازمة للمصلي من الثوب لأنه يمكن أن يصلي بدونه .




الخدمات العلمية