الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            2214 - ضرب قريش أبا ذر واختفاؤه بين الستور والبناء

                                                                                            2215 - ماء زمزم طعام طعم

                                                                                            " فأما حديث مفسر في إسلام أبي ذر حديث الشاميين :

                                                                                            5508 - أخبرنا أبو جعفر محمد بن محمد البغدادي ، ثنا أحمد بن إبراهيم القرشي ، بدمشق ثنا محمد بن عائذ الدمشقي ، حدثني الوليد بن مسلم ، ثنا أبو طرفة عباد بن الريان اللخمي ، قال : سمعت عروة بن رويم اللخمي الأشعري يقول : حدثني عامر بن لدين الأشعري ، وكان مع عبد الملك بن مروان ، قال : سمعت أبا ليلى الأشعري يقول : حدثني أبو ذر قال : إن أول ما دعاني إلى الإسلام أنا كنا قوما غرباء فأصابتنا السنة فأحملت أمي وأخي ، وكان اسمه أنيسا إلى أصهار لنا بأعلى نجد ، فلما حللنا بهم أكرمونا ، فلما رأى ذلك رجل من الحي مشى إلى خالي ، فقال : تعلم أن أنيسا يخالفك إلى أهلك ، قال : فخفق في قلبه ، فانصرفت في رعية إبلي ، فوجدته كئيبا حزينا يبكي ، فقلت : ما أبكاك يا خال ؟ فأعلمني الخبر ، فقلت : حجز الله من ذلك إنا نخاف الفاحشة ، وإن كان [ ص: 409 ] الزمان قد أخل بنا ، ولقد كدرت علينا صفو ما ابتدأتنا به ، ولا سبيل إلى اجتماع ، فاحتملت أمي وأخي حتى نزلنا بحضرة مكة ، فقال أخي : إني رجل مدافع على الماء بشعر ، وكان رجلا شاعرا ، فقلت : لا تفعل ، فخرج به اللجاج حتى دافع جريج بن الصمة إلى صرمته ، وايم الله لجريج يومئذ أشعر من أخي ، فتقاضيا إلى خباء ففضلت أخي على جريج ، وذلك أن جريجا خطبها إلى أبيها ، فقالت : شيخ كبير لا حاجة لي فيه ، فحقدت عليه ، فضممنا صرمته إلى صرمتنا ، فكانت لنا هجمة ، قال : ثم أتيت مكة فابتدأت بالصفا ، فإذا عليها رجالات قريش ولقد بلغني أن بها صابئا ، أو مجنونا ، أو شاعرا ، أو ساحرا فقلت : أين هذا الذي تزعمونه ؟ فقالوا : ها هو ذاك حيث ترى ، فانقلبت إليه ، فوالله ما جزت عنهم قيد حجر حتى أكبوا علي كل عظم وحجر ومدر فضرجوني بدمي ، وأتيت البيت فدخلت بين الستور والبناء وصمت فيه ثلاثين يوما ، لا آكل ولا أشرب إلا من ماء زمزم حتى كانت ليلة قمراء إضحيان ، أقبلت امرأتان من خزاعة طافتا بالبيت ثم ذكرتا إسافا ونائلة ، وهما وثنان كانوا يعبدونهما ، فأخرجت رأسي من تحت الستور ، فقلت : احملا أحدهما على صاحبه ، فغضبتا ثم قالتا : أما والله لو كانت رجالنا حضورا ما تكلمت بهذا ، ثم ولتا ، فخرجت أقفو آثارهما حتى لقيتا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : " ما أنتما ، ومن أين أنتما ؟ ومن أين جئتما ؟ وما جاء بكما ؟ " فأخبرتاه الخبر ، فقال : " أين تركتما الصابئ ؟ " فقالتا : تركناه بين الستور والبناء ، فقال لهما : " هل قال لكما شيئا ؟ " قالتا : نعم ، وأقبلت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم سلمت عليه عند ذلك ، فقال : " من أنت ؟ وممن أنت ؟ ومن أين أنت ؟ ومن أين جئت ؟ وما جاء بك ؟ " فأنشأت أعلمه الخبر ، فقال : " من أين كنت تأكل وتشرب ؟ " فقلت : من ماء زمزم ، فقال : " أما إنه لطعام طعم " ومعه أبو بكر رضي الله عنه ، فقال : يا رسول الله ، ائذن لي أن أعشيه ، قال : نعم ، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشي ، وأخذ أبو بكر بيدي حتى وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بباب أبي بكر ، ثم دخل أبو بكر بيته ، ثم أتى بزبيب من زبيب الطائف ، فجعل يلقيه لنا ، قبضا قبضا ، ونحن نأكل منه حتى تملأنا منه ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " يا أبا ذر " فقلت : لبيك ، فقال لي : " إنه قد رفعت لي أرض ، وهي ذات مال ، ولا أحسبها إلا تهامة ، فاخرج إلى قومك فادعهم إلى ما دخلت فيه " ، قال : فخرجت حتى أتيت أمي وأخي فأعلمتهم الخبر ، فقالا : ما لنا رغبة عن الدين الذي دخلت فيه فأسلما ، ثم خرجنا حتى أتينا المدينة فأعلمت قومي فقالوا : إنا قد صدقناك ، ولعلنا نلقى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقيناه ، فقالت له غفار : يا رسول الله ، إن [ ص: 410 ] أبا ذر أعلمنا ما أعلمته ، وقد أسلمنا وشهدنا أنك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم تقدمت أسلم وخزاعة ، فقالتا : يا رسول الله ، إنا قد أسلمنا ، ودخلنا فيما دخل فيه إخواننا وحلفاؤنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " أسلم سالمها الله ، وغفار غفر الله لها " ثم أخذ أبو بكر بيدي ، فقال : يا أبا ذر ، فقلت : لبيك يا أبا بكر ، فقال : هل كنت تأله في جاهليتك ؟ قلت : نعم ، لقد رأيتني أقوم عند الشمس ، فلا أزال مصليا حتى يؤذيني حرها فأخر كأني خفاء ، فقال لي : فأين كنت توجه ؟ قلت : لا أدري إلا حيث وجهني الله حتى أدخل الله علي الإسلام .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية