الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عتر ]

                                                          عتر : عتر الرمح وغيره يعتر عترا وعترانا : اشتد واضطرب واهتز ، قال :


                                                          وكل خطي إذا هز عتر



                                                          والرمح العاتر : المضطرب مثل العاسل ، وقد عتر وعسل وعرت وعرص ، قال الأزهري : قد صح عتر وعرت ودل اختلاف بنائها على أن كل واحد منها غير الآخر ، وعتر الذكر يعتر عترا وعتورا : اشتد إنعاظه واهتز قال :


                                                          تقول إذ أعجبها عتوره     وغاب في قفرتها ج ذموره
                                                          أستقدر الله وأستخيره



                                                          والعتر : الفروج المنعظة ، واحدها عاتر وعتور ، والعتر والعتر : الذكر ، ورجل معتر : غليظ كثير اللحم ، والعتار : الرجل الشجاع والفرس [ ص: 25 ] القوي على السير ومن المواضع الوحش الخشن ، قال المبرد : جاء فعول من الأسماء خروع وعتور ، وهو الوادي الخشن التربة ، والعتر : العتيرة وهي شاة كانوا يذبحونها في رجب لآلهتهم مثل ذبح وذبيحة ، وعتر الشاة والظبية ونحوهما يعترها عترا ، وهي عتيرة : ذبحها ، والعتيرة : أول ما ينتج كانوا يذبحونها لآلهتهم فأما قوله :


                                                          فخر صريعا مثل عاترة النسك



                                                          فإنه وضع فاعلا موضع مفعول وله نظائر وقد يكون على النسب ، قال الليث : وإنما هي معتورة ، وهي مثل عيشة راضية وإنما هي مرضية ، والعتر : المذبوح ، والعتر : ما عتر كالذبح ، والعتر : الصنم يعتر له ، قال زهير :


                                                          فزل عنها وأوفى رأس مرقبة     كناصب العتر دمى رأسه النسك



                                                          ويروى : كمنصب العتر يريد كمنصب ذلك الصنم أو الحجر الذي يدمى رأسه بدم العتيرة ، وهذا الصنم كان يقرب له عتر أي : ذبح فيذبح له ويصيب رأسه من دم العتر ، وقول الحارث بن حلزة يذكر قوما أخذوهم بذنب غيرهم :


                                                          عننا باطلا وظلما كما تع     تر عن حجرة الربيض الظباء



                                                          معناه أن الرجل كان يقول في الجاهلية : إن بلغت إبلي مائة عترت عنها عتيرة ، فإذا بلغت مائة ضن بالغنم فصاد ظبيا فذبحه ، يقول : فهذا الذي تسلوننا اعتراض وباطل وظلم ، كما يعتر الظبي عن ربيض الغنم ، وقال الأزهري في تفسير الليث : قوله كما تعتر يعني العتيرة في رجب ، وذلك أن العرب في الجاهلية كانت إذا طلب أحدهم أمرا نذر لئن ظفر به ليذبحن من غنمه في رجب كذا وكذا ، وهي العتائر أيضا فإذا ظفر به فربما ضاقت نفسه عن ذلك ، وضن بغنمه وهي الربيض فيأخذ عددها ظباء فيذبحها في رجب مكان تلك الغنم فكأن تلك عتائره فضرب هذا مثلا ، يقول : أخذتمونا بذنب غيرنا كما أخذت الظباء مكان الغنم ، وفي الحديث أنه قال : لا فرعة ولا عتيرة ، قال أبو عبيد : العتيرة هي الرجبية ، وهي ذبيحة كانت تذبح في رجب يتقرب بها أهل الجاهلية ثم جاء الإسلام فكان على ذلك حتى نسخ بعد ، قال : والدليل على ذلك حديث مخنف بن سليم قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن على كل مسلم في كل عام أضحاة وعتيرة ، قال أبو عبيد : الحديث الأول أصح يقال منه : عترت أعتر عترا بالفتح إذا ذبح العتيرة ، يقال : هذه أيام ترجيب وتعتار ، قال الخطابي : العتيرة في الحديث شاة تذبح في رجب وهذا هو الذي يشبه معنى الحديث ويليق بحكم الدين ، وأما العتيرة التي كانت تعترها الجاهلية فهي الذبيحة التي كانت تذبح للأصنام ويصب دمها على رأسها ، وعتر الشيء : نصابه وعترة المسحاة : نصابها ، وقيل : هي الخشبة المعترضة فيه يعتمد عليها الحافر برجله ، وقيل : عترتها خشبتها التي تسمى يد المسحاة ، وعترة الرجل : أقرباؤه من ولد وغيره ، وقيل : هم قومه دنيا ، وقيل : هم رهطه وعشيرته الأدنون من مضى منهم ومن غبر ، ومنه قول أبي بكر - رضي الله عنه - : نحن عترة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي خرج منها وبيضته التي تفقأت عنه وإنما جيبت العرب عنا كما جيبت الرحى عن قطبها ، قال ابن الأثير : ; لأنهم من قريش والعامة تظن أنها ولد الرجل خاصة ، وأن عترة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولد فاطمة - رضي الله عنها - هذا قول ابن سيده ، وقال الأزهري رحمه الله وفي حديث زيد بن ثابت قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني تارك فيكم الثقلين خلفي : كتاب الله وعترتي فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ، وقال : قال محمد بن إسحاق : وهذا حديث صحيح ورفعه نحوه زيد بن أرقم وأبو سعيد الخدري وفي بعضها : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي فجعل العترة أهل البيت ، وقال أبو عبيد وغيره : عترة الرجل وأسرته وفصيلته رهطه الأدنون ، ابن الأثير : عترة الرجل أخص أقاربه ، وقال ابن الأعرابي : العترة ولد الرجل وذريته وعقبه من صلبه ، قال : فعترة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولد فاطمة البتول عليها السلام ، وروي عن أبي سعيد قال : العترة ساق الشجرة ، قال : وعترة النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد المطلب وولده ، وقيل : عترته أهل بيته الأقربون وهم أولاده وعلي وأولاده ، وقيل : عترته الأقربون والأبعدون منهم ، وقيل : عترة الرجل أقرباؤه من ولد عمه دنيا ، ومنه حديث أبي بكر - رضي الله عنه - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - حين شاور أصحابه في أسارى بدر : عترتك وقومك أراد بعترته العباس ومن كان فيهم من بني هاشم ، وبقومه قريشا ، والمشهور المعروف أن عترته أهل بيته ، وهم الذين حرمت عليهم الزكاة والصدقة المفروضة وهم ذوو القربى الذين لهم خمس الخمس المذكور في سورة الأنفال ، والعتر بالكسر : الأصل ، وفي المثل : عادت إلى عترها لميس أي : رجعت إلى أصلها يضرب لمن رجع إلى خلق كان قد تركه ، وعترة الثغر : دقة في غروبه ونقاء وماء يجري عليه ، يقال : إن ثغرها لذو أشرة وعترة ، والعترة : الريقة العذبة ، وعترة الأسنان : أشرها ، والعتر : بقلة إذا طالت قطع أصلها فخرج منه اللبن قال البريق الهذلي :


                                                          فما كنت أخشى أن أقيم خلافهم     لستة أبيات كما نبت العتر



                                                          يقول : هذه الأبيات متفرقة مع قلتها كتفرق العتر في منبته ، وقال : لستة أبيات كما نبت ; لأنه إذا قطع نبت من حواليه شعب ست أو ثلاث ، وقال ابن الأعرابي : هو نبات متفرق ، قال : وإنما بكى قومه فقال : ما كنت أخشى أن يموتوا وأبقى بين ستة أبيات مثل نبت العتر ، قال غيره : هذا الشاعر لم يبك قوما ماتوا كما قاله ابن الأعرابي ، وإنما هاجروا إلى الشام في أيام معاوية فاستأجرهم لقتال الروم ، فإنما بكى قوما غيبا متباعدين ألا ترى أن قبل هذا :


                                                          فإن أك شيخا بالرجيع وصبية     ويصبح قومي دون دارهم مصر
                                                          فما كنت أخشى . . . . . . . .

                                                          والعتر إنما ينبت منه ست من هنا وست من هنالك لا يجتمع منه أكثر [ ص: 26 ] من ست فشبه نفسه في بقائه مع ستة أبيات مع أهله بنبات العتر ، وقيل : العتر الغض واحدته عترة ، وقيل : العتر بقلة وهي شجرة صغيرة في جرم العرفج شاكة كثيرة اللبن ، ومنبتها نجد وتهامة ، وهي غبيراء فطحاء الورق كأن ورقها الدراهم تنبت فيها جراء صغار أصغر من جراء القطن تؤكل جراؤها ما دامت غضة ، وقيل : العتر ضرب من النبت ، وقيل : العتر شجر صغار واحدتها عترة ، وقيل : العتر نبت ينبت مثل المرزنجوش متفرقا ، فإذا طال وقطع أصله خرج منه شبيه اللبن ، وقيل : هو المرزنجوش ، قيل : إنه يتداوى به ، وفي حديث عطاء : لا بأس للمحرم أن يتداوى بالسنا والعتر ، وفي الحديث : أنه أهدي إليه عتر فسر بهذا النبت ، وفي الحديث : يفلغ رأسي كما تفلغ العترة هي واحدة العتر ، وقيل : هو شجرة العرفج ، قال أبو حنيفة : العتر شجر صغار له جراء نحو جراء الخشخاش وهو المرزنجوش ، قال : وقال أعرابي من ربيعة : العترة شجيرة ترتفع ذراعا ذات أغصان كثيرة وورق أخضر مدور كورق التنوم والعترة : قثاء اللصف وهو الكبر ، والعترة : شجرة تنبت عند وجار الضب فهو يمرسها فلا تنمي ويقال : هو أذل من عترة الضب ، والعتر الممسك : قلائد يعجن بالمسك والأفاويه على التشبيه بذلك ، والعترة والعتوارة : القطعة من المسك ، وعتوارة وعتوارة الضم عن سيبويه : حي من كنانة وأنشد :


                                                          من حي عتوار ومن تعتورا



                                                          قال المبرد : العتورة الشدة في الحرب ، وبنو عتوارة سميت بهذا لقوتها وشدتها في الحرب ، وكانوا أولي صبر وخشونة في الحرب ، وعتر : قبيلة ، وعاتر : اسم امرأة ، ومعتر وعتير : اسمان ، وفي الحديث ذكر العتر ، وهو جبل بالمدينة من جهة القبلة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية