الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            [ ص: 325 ] ص - الحكم قيل خطاب الله - تعالى - المتعلق بأفعال المكلفين . فورد مثل : والله خلقكم وما تعملون فزيد بالاقتضاء أو التخيير . فورد كون الشيء دليلا وسببا وشرطا . فزيد أو الوضع ، فاستقام .

            وقيل بل هو راجع إلى الاقتضاء أو التخيير . وقيل ليس بحكم .

            التالي السابق


            ش - الأصل الثاني في الحكم . وفيه مقدمة وإحدى عشرة مسألة . أما المقدمة ففي تعريف الحكم وأقسامه .

            قيل في تعريفه : إنه خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين . والخطاب مصدر ، معناه توجيه ما أفاد في الاصطلاح نحو الحاضر أو من في حكمه . وأريد به ههنا ما وقع به الخطاب - ، وهو ما يقصد به إفهام من هو متهيئ للفهم .

            [ ص: 326 ] فقوله : " الخطاب " كالجنس للحكم ، يتناول خطاب الله تعالى وخطاب الملك والبشر . وبإضافته إلى الله تعالى ، خرج عنه خطاب غيره .

            وبقوله : " المتعلق بأفعال المكلفين " خرج مثل : الله لا إله إلا هو الحي القيوم . فإنه خطاب الله تعالى ، لكن لم يتعلق بأفعال المكلفين .

            وقد ورد على اطراد التعريف المذكور مثل : والله خلقكم وما تعملون ; فإنه يصدق الحد عليه ; لأنه خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين ، وليس بحكم .

            فزيد على التعريف المذكور قولنا : " بالاقتضاء أو التخيير " فخرج عنه مثل : والله خلقكم وما تعملون; فإنه وإن كان خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين ، لكن لا بالاقتضاء أو التخيير ; فإنه لم يفهم منه طلب فعل أو ترك من المكلف أو تخييره في فعله وتركه .

            فورد بسبب ازدياد قيد الاقتضاء أو التخيير على عكس الحد كون الشيء دليلا ، كدلوك الشمس للصلاة ، وسببا ، كالزنا لوجوب الحد ، أو شرطا ، كالوضوء للصلاة ، فإنها أحكام ولا يصدق الحد عليها ; لأنها وإن كانت متعلقة بأفعال المكلفين ، لم يكن فيها اقتضاء ولا تخيير .

            [ ص: 327 ] والتزم بعض الأصوليين اختلال هذا التعريف لكون هذه الأمور أحكاما لا ترجع إلى الاقتضاء والتخيير ، فزاد على التعريف لفظة : " أو الوضع " فاستقام التعريف طردا وعكسا ; لأنه دخل في التعريف حينئذ ما خرج عنه عند عدم ذلك القيد .

            وذلك لأن الله تعالى لما جعل الدلوك دليلا على وجوب الصلاة ، والزنا سببا لوجوب الحد ، والوضوء شرطا لصحة الصلاة ، كان كلها بوضعه تعالى ، فيدخل جميع ذلك بسبب كونه وضعيا تحت الحكم .

            فإن قيل : الحد غير منعكس ; لأن بعض الأحكام - وهو الأحكام الثابتة بالسنة والإجماع والقياس - خارج عنه ; ضرورة كون الأول خطاب الرسول ، والثاني خطاب أهل الإجماع ، والثالث خطاب القائس .

            أجيب عنه بأنا لا نسلم أنها مثبتة للحكم ، بل معرفات للأحكام ، والأحكام ثابتة قبلها ; لأنها قائمة بذات الله تعالى .

            ومنع الآخرون اختلال التعريف بدون قيد الوضع ، وقالوا : لا حاجة إلى هذا القيد في استقامة التعريف .

            [ ص: 328 ] فذهب فرقة منهم إلى أن ما هو من باب الوضع أحكام راجعة إلى الاقتضاء أو التخيير . وذلك لأن كون الدلوك دليلا على وجوب الصلاة ، وكون الزنا سببا لوجوب الحد ، راجعان إلى الوجوب ، وهو من الاقتضاء . وكون الوضوء شرطا لصحة الصلاة ، راجع إلى الإباحة ، وهو التخيير . فلا حاجة إلى قيد الوضع .

            وذهب طائفة أخرى إلى أن ما هو من باب الوضع ليست بأحكام بل علامات لها . وذلك لأن المعنى من كون [ الدلوك ] دليلا على وجوب الصلاة ، أن وجوب الصلاة يظهر عند دلوك الشمس . وكذا سببية الزنا وشرطية الوضوء .

            وإذا لم تكن هذه أحكاما ، فلو قيد الحد بالوضع لدخلت تحت الحكم فيلزم بطلان الحد : ضرورة دخول ما ليس من المحدود فيه .




            الخدمات العلمية