الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل .

شرف علم التفسير .

وأما شرفه فلا يخفى ، قال تعالى : يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا [ البقرة : 269 ] . .

[ ص: 431 ] أخرج ابن أبي حاتم وغيره ، من طريق ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله تعالى : يؤتي الحكمة قال : المعرفة بالقرآن ، ناسخه ومنسوخه ، ومحكمه ومتشابهه ، ومقدمه ومؤخره ، وحلاله وحرامه ، وأمثاله .

وأخرج ابن مردويه ، من طريق جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، مرفوعا : يؤتي الحكمة قال : القرآن .

قال ابن عباس : يعني تفسيره ، فإنه قد قرأه البر والفاجر .

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الدرداء : يؤتي الحكمة قال : قراءة القرآن والفكرة فيه .

وأخرج ابن جرير مثله ، عن مجاهد ، وأبي العالية ، وقتادة .

وقال تعالى : وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون [ العنكبوت : 43 ] . أخرج ابن أبي حاتم ، عن عمرو بن مرة ، قال : ما مررت بآية في كتاب الله لا أعرفها إلا أحزنتني ، لأني سمعت الله يقول : وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون .

وأخرج أبو عبيد ، عن الحسن قال : ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن تعلم فيم أنزلت وما أراد بها .

وأخرج أبو ذر الهروي في فضائل القرآن من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : الذي يقرأ القرآن ولا يحسن تفسيره ، كالأعرابي يهذ الشعر هذا .

وأخرج البيهقي وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعا : أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه .

[ ص: 432 ] وأخرج ابن الأنباري ، عن أبي بكر الصديق قال : لأن أعرب آية من القرآن أحب إلي من أن أحفظ آية .

وأخرج أيضا عن عبد الله بن بريدة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : لو أني أعلم إذا سافرت أربعين ليلة أعربت آية من كتاب الله لفعلت .

وأخرج أيضا من طريق الشعبي ، قال : قال عمر : من قرأ القرآن فأعربه ، كان له عند الله أجر شهيد .

قلت : معنى هذه الآثار عندي إرادة البيان والتفسير ، لأن إطلاق الإعراب على الحكم النحوي اصطلاح حادث ، ولأنه كان في سليقتهم لا يحتاجون إلى تعلمه .

ثم رأيت ابن النقيب جنح إلى ما ذكرته ، وقال : ويجوز أن يكون المراد الإعراب الصناعي ، وفيه بعد .

وقد يستدل له بما أخرجه السلفي في الطيوريات من حديث ابن عمر مرفوعا : أعربوا القرآن يدلكم على تأويله وقد أجمع العلماء أن التفسير من فروض الكفايات ، وأجل العلوم الثلاثة الشرعية .

قال الأصبهاني : أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن . بيان ذلك أن شرف الصناعة إما بشرف موضوعها مثل الصياغة ، فإنها أشرف من الدباغة ، لأن موضوع الصياغة الذهب والفضة ، وهما أشرف من موضوع الدباغة الذي هو جلد الميتة . وإما بشرف غرضها مثل صناعة الطب ، فإنها أشرف من صناعة الكناسة ، لأن غرض الطب إفادة الصحة ، وغرض الكناسة تنظيف المستراح .

وإما لشدة الحاجة إليها كالفقه ، فإن الحاجة إليه أشد من الحاجة إلى الطب ، إذ ما من واقعة في الكون في أحد من الخلق إلا وهي مفتقرة إلى الفقه ، لأن به انتظام صلاح أحوال الدنيا والدين ، بخلاف الطب فإنه يحتاج إليه بعض الناس في بعض الأوقات . إذا عرف ذلك فصناعة التفسير قد حازت الشرف من الجهات الثلاث .

أما من جهة الموضوع فلأن موضوعه كلام الله تعالى الذي هو ينبوع كل حكمة ، [ ص: 433 ] ومعدن كل فضيلة ، فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، لا يخلق على كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه .

وأما من جهة الغرض : فلأن الغرض منه هو الاعتصام بالعروة الوثقى ، والوصول إلى السعادة الحقيقية التي لا تفنى .

وأما من جهة شدة الحاجة : فلأن كل كمال ديني أو دنيوي عاجلي أو آجلي ، مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية وهي متوقفة على العلم بكتاب الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية