الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الأذان .

( هو ) لغة الإعلام . وشرعا ( إعلام مخصوص ) لم يقل بدخول الوقت ليعم الفائتة وبين يدي الخطيب ( على وجه مخصوص بألفاظ كذلك ) أي مخصوصة ( سببه ابتداء أذان جبريل ) ليلة الإسراء وإقامته حين إمامته عليه الصلاة والسلام ، ثم رؤيا عبد الله بن زيد أذان الملك النازل من السماء في السنة الأولى من الهجرة . وهل هو جبريل ؟ [ ص: 384 ] قيل وقيل ( و ) سببه ( بقاء دخول الوقت وهو سنة ) للرجال في مكان عال ( مؤكدة ) هي كالواجب في لحوق الإثم ( للفرائض ) الخمس ( في وقتها ولو قضاء ) لأنه سنة للصلاة حتى يبرد به [ ص: 385 ] لا للوقت ( لا ) يسن ( لغيرها ) كعيد ( فيعاد أذان وقع ) بعضه ( قبله ) كالإقامة خلافا للثاني في الفجر ( بتربيع تكبير في ابتدائه ) وعن الثاني اثنتين وبفتح راء أكبر والعوام يضمونها روضة ، لكن في الطلبة معنى قوله عليه الصلاة والسلام " { الأذان جزم } " أي مقطوع المد ، فلا تقول آلله أكبر ; لأنه استفهام وإنه لحن شرعي ، أو مقطوع حركة [ ص: 386 ] الآخر للوقف ، فلا يقف بالرفع ; لأنه لحن لغوي فتاوى الصيرفية من الباب السادس والثلاثين

التالي السابق


باب الأذان

لما كان الوقت سببا كما مر قدمه . وذكر الأذان بعده ; لأنه إعلام بدخوله .

( قوله : هو لغة الإعلام ) قال في القاموس : آذنه الأمر وبه : أعلمه ، وأذن تأذينا : أكثر الإعلام ا هـ فالأذان اسم مصدر ; لأن الماضي هنا أذن المضاعف ومصدره التأذين ح .

( قوله : وشرعا إعلام مخصوص ) أي إعلام بالصلاة . قال في الدرر : ويطلق على الألفاظ المخصوصة ا هـ أي التي يحصل بها الإعلام ، من إطلاق اسم المسبب على السبب إسماعيل . وإنما لم يعرفه بالألفاظ المخصوصة ; لأن المراد الأذان للصلاة ، ولو عرف بها لدخل الأذان للمولود ونحوه على ما يأتي .

( قوله : ليعم الفائتة إلخ ) أي ليعم الأذان أذان الفائتة والأذان بين يدي الخطيب ، وليعلم أيضا الأذان في آخر ظهر الصيف أفاده ح أي لأن العلم بالوقت فيها سابق عليه . ولقائل أن يقول : لو صرح كغيره بالوقت لم يرد ما ذكر ; لأن الأصل في مشروعية الأذان الإعلام بدخول الوقت كما يعلم مما يأتي ، فيكون التعريف بناء على ما هو الأصل فيه وإلا لزم أنه لو أذن لنفسه أو بين جماعة مخصوصين أرادوا الصلاة عالمين بدخول الوقت لا يسمى أذانا شرعا لعدم الإعلام أصلا مع أنه مشروع فتدبر .

( قوله : على وجه مخصوص ) أي من الترسل والاستدارة والالتفاف وعدم الترجيح واللحن ونحو ذلك من أحكامه الآتية .

( قوله : بألفاظ كذلك ) أشار إلى أنه لا يصح بالفارسية وإن علم أنه أذان وهو الأظهر . والأصح كما في السراج .

( قوله : أذان جبريل إلخ ) في حاشية الشبراملسي على شرح المنهاج للرملي عن شرح البخاري لابن حجر أنه وردت أحاديث تدل على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة : منها للطبراني " { أنه لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم أوحى الله إليه الأذان فنزل به فعلمه بلالا } " وللدارقطني في الإفراد من حديث أنس " { أن جبريل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان حين فرضت الصلاة } " وللبراء وغيره من حديث علي قال " { لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها البراق فركبها فقال : الله أكبر الله أكبر ، وفي آخره : ثم أخذ الملك بيده فأم أهل السماء } " والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث . ا هـ .

وذكر في فتح القدير حديث البزار ثم قال : وهو غريب ومعارض للخبر الصحيح أن بدء الأذان كان بالمدينة على ما في مسلم " { كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون ويتحينون الصلاة وليس ينادي لها أحد فتكلموا في ذلك فقال بعضهم ننصب راية } " الحديث .

( قوله : ثم رؤيا عبد الله بن زيد إلخ ) ذكر القصة بتمامها ح عن السراج وساقها في الفتح بأسانيدها . وفي هذه القصة أن عمر رضي الله عنه رأى تلك الليلة مثل ما رأى عبد الله بن زيد .

واستشكل إثباته بالرؤيا بأن رؤيا غير الأنبياء لا ينبني عليها حكم شرعي . وأجيب باحتمال مقارنة الوحي [ ص: 384 ] لذلك : قال في حاشية المنهاج عن الحافظ ابن حجر : ويؤيده ما رواه عبد الرزاق وأبو داود في المراسيل ( { أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الوحي قد ورد بذلك ، فما راعه إلا أذان بلال ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم سبقك بذلك الوحي } ) ثم قال : وعلى تقدير صحة حديث إن جبريل أراد أن يعلمه الأذان أتاه بالبراق إلخ فيمكن أنه علمه ليأتي له في ذلك الموطن ، ولا يلزم مشروعيته لأهل الأرض . ا هـ .

وأجاب ح بأنه ظن أنه من خصوصيات تلك الصلاة ، وهو قريب من الأول .

( قوله : وسببه بقاء ) تمييز محول عن المضاف إليه : أي سبب بقائه واستمراره ط أي الذي يتجدد طلب الأذان عند تجدده .

( قوله : للرجال ) أما النساء فيكره لهن الأذان وكذا الإقامة ، لما روي عن أنس وابن عمر من كراهتهما لهن ; ولأن مبنى حالهن على الستر ، ورفع صوتهن حرام إمداد ، ثم الظاهر أنه يسن للصبي إذا أراد الصلاة كما يسن للبالغ وإن كان في كراهة أذانه لغيره كلام كما سيأتي فافهم .

( قوله : في مكان عال ) في القنية : ويسن الأذان في موضع عال والإقامة على الأرض ، وفي أذان المغرب اختلاف المشايخ ، والظاهر أنه يسن المكان العالي في المغرب أيضا كما سيأتي . وفي السراج : وينبغي للمؤذن أن يؤذن في موضع يكون أسمع للجيران ، ويرفع صوته ، ولا يجهد نفسه ; لأنه يتضرر . ا هـ . بحر .

قلت : والظاهر أن هذا في مؤذن الحي ، أما من أذن لنفسه أو لجماعة حاضرين فالظاهر أنه لا يسن له المكان العالي لعدم الحاجة تأمل .

( قوله : هي كالواجب ) بل أطلق بعضهم اسم الواجب عليه ، لقول محمد : لو اجتمع أهل بلدة على تركه قاتلتهم عليه ، ولو تركه واحد ضربته وحبسته . وعامة المشايخ على الأول والقتال عليه ، لما أنه من أعلام الدين وفي تركه استخفاف ظاهر به . قال في المعراج وغيره : والقولان متقاربان ; لأن المؤكدة في حكم الواجب في لحوق الإثم بالترك ، يعني وإن كان مقولا بالتشكيك نهر . واستدل في الفتح على الوجوب بأن عدم الترك مرة دليل الوجوب . قال : ولا يظهر كونه على الكفاية وإلا لم يأثم أهل بلده بالاجتماع على تركه إذا قام به غيرهم : أي من أهل بلدة أخرى . واستظهر في البحر كونه سنة على الكفاية بالنسبة إلى كل أهل بلدة ، بمعنى أنه إذا فعل في بلدة سقطت المقاتلة عن أهلها . قال : ولو لم يكن على الكفاية بهذا المعنى لكان سنة في حق كل أحد وليس كذلك ، إذ أذان الحي يكفينا كما سيأتي . ا هـ . قال في النهر : ولم أر حكم البلدة الواحدة إذا اتسعت أطرافها كمصر . والظاهر أن أهل كل محلة سمعوا الأذان ولو من محلة أخرى يسقط عنهم لا إن لم يسمعوا ا هـ .

( قوله : للفرائض الخمس إلخ ) دخلت الجمعة بحر ، وشمل حالة السفر والحضر والانفراد والجماعة . قال في مواهب الرحمن ونور الإيضاح ولو منفردا أداء أو قضاء سفرا أو حضرا . ا هـ . لكن لا يكره تركه لمصل في بيته في المصر ; لأن أذان الحي يكفيه كما سيأتي . وفي الإمداد أنه يأتي به ندبا وسيأتي تمامه فافهم ، ويستثنى ظهر يوم الجمعة في المصر لمعذور وما يقضي من الفوائت في مسجد كما سيذكره .

( قوله : ولو قضاء ) قال في الدرر لأنه وقت القضاء وإن فات وقت الأداء لقوله صلى الله عليه وسلم " { فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها } " أي وقت قضائها . ا هـ . وهذا إذا لم يقضها في المسجد على ما سيأتي .

( قوله : لأنه إلخ ) تعليل لشمول القضاء ، ويظهر منه أن المراد من وقتها وقت فعلها وبه صرح القهستاني ، لكن في التتارخانية ينبغي أن يؤذن في أول الوقت ويقيم في وسطه حتى يفرغ المتوضئ من وضوئه والمصلي من صلاته والمعتصر من قضاء حاجته ا هـ والظاهر أنه أراد أول الوقت المستحب لما يأتي قريبا .

( قوله : حتى يبرد به ) بالبناء للمجهول ، وأشمل منه قوله المار في الأوقات ، وحكم الأذان كالصلاة تعجيلا وتأخيرا . [ ص: 385 ] قال نوح أفندي : وفي المجتبى عن المجرد قال أبو حنيفة يؤذن للفجر بعد طلوعه ، وفي الظهر في الشتاء حين تزول الشمس ، وفي الصيف يبرد ، وفي العصر يؤخر ما لم يخف تغير الشمس ، وفي العشاء يؤخر قليلا بعد ذهاب البياض . ا هـ . قال القهستاني بعده : ولعل المراد بيان الاستحباب وإلا فوقت الجواز جميع الوقت ا هـ .

وحاصله أنه لا يلزم الموالاة بين الأذان والصلاة بل هي الأفضل ، فلو أذن أوله وصلى آخره أتى بالسنة تأمل : مطلب في المواضع التي يندب لها الأذان في غير الصلاة

( قوله : لا يسن لغيرها ) أي من الصلوات وإلا فيندب للمولود . وفي حاشية البحر الرملي : رأيت في كتب الشافعية أنه قد يسن الأذان لغير الصلاة ، كما في أذان المولود ، والمهموم ، والمصروع ، والغضبان ، ومن ساء خلقه من إنسان أو بهيمة ، وعند مزدحم الجيش ، وعند الحريق ، قيل وعند إنزال الميت القبر قياسا على أول خروجه للدنيا ، لكن رده ابن حجر في شرح العباب ، وعند تغول الغيلان : أي عند تمرد الجن لخبر صحيح فيه . أقول : ولا بعد فيه عندنا . ا هـ . أي لأن ما صح فيه الخبر بلا معارض فهو مذهب للمجتهد وإن لم ينص عليه ، لما قدمناه في الخطبة عن الحافظ ابن عبد البر والعارف الشعراني عن كل من الأئمة الأربعة أنه قال : إذا صح الحديث فهو مذهبي ، على أنه في فضائل الأعمال يجوز العمل بالحديث الضعيف كما مر أول كتاب الطهارة ، هذا ، وزاد ابن حجر في التحفة الأذان والإقامة خلف المسافر . قال المدني : أقول وزاد في شرعة الإسلام لمن ضل الطريق في أرض قفر : أي خالية من الناس . وقال المنلا علي في شرح المشكاة قالوا : يسن للمهموم أن يأمر غيره أن يؤذن في أذانه فإنه يزيل الهم ، كذا عن علي رضي الله عنه ونقل الأحاديث الواردة في ذلك فراجعه . ا هـ .

( قوله : كعيد ) أي ووتر وجنازة وكسوف واستسقاء وتراويح وسنن رواتب ; لأنها اتباع للفرائض والوتر وإن كان واجبا عنده لكنه يؤدى في وقت العشاء فاكتفي بأذانه لا لكون الأذان لهما على الصحيح كما ذكره الزيلعي . ا هـ . بحر فافهم ، لكن في التعليل قصور لاقتضائه سنية الأذان لما ليس تبعا للفرائض كالعيد ونحوه ، فالمناسب التعليل بعدم وروده في السنة تأمل .

( قوله : وقع بعضه ) وكذا كله بالأولى ، ولو لم يذكر البعض لتوهم خروجه فقصد بذكره التعميم لا التخصيص .

( قوله : كالإقامة ) أي في أنها تعاد إذا وقعت قبل الوقت ، أما بعده فلا تعاد ما لم يبطل الفصل أو يوجد قاطع كأكل على ما سيذكره في الفروع .

( قوله : خلافا للثاني ) هذا راجع إلى الأذان فقط ، فإن أبا يوسف يجوز الأذان قبل الفجر بعد نصف الليل ح .

( قوله : وعن الثاني اثنتين ) أي روي عن أبي يوسف أنه يكبر في ابتدائه تكبيرتين كبقية كلماته ، فيكون الأذان عنده ثلاث عشرة كلمة ، وهي رواية عن محمد والحسن قهستاني عن الزاهدي ، ونقل عن مالك أيضا .

( قوله : وبفتح راء أكبر إلى قوله ولا ترجيع ) نقل أنه ملحق بخط الشارح على [ ص: 386 ] هامش نسخته الأولى ، وفي مجموعة الحفيد الهروي ما نصه : فائدة : في روضة العلماء قال ابن الأنباري : عوام الناس يضمون الراء في أكبر ، وكان المبرد يقول الأذان سمع موقوفا في مقاطيعه ، والأصل في أكبر تسكين الراء فحولت حركة ألف اسم الله إلى الراء كما في { الم الله } وفي المغني : حركة الراء فتحة وإن وصل بنية الوقف ، ثم قيل هي حركة الساكنين ولم يكسر حفظا لتفخيم الله ، وقيل نقلت حركة الهمزة وكل هذا خروج عن الظاهر ; والصواب أن حركة الراء ضمة إعراب ، وليس لهمزة الوصل ثبوت في الدرج فتنقل حركتها ، وبالجملة الفرق بين الأذان . وبين الم الله ظاهر فإنه ليس ل - الم الله - حركة إعراب أصلا ، وقد كانت لكلمات الأذان إعرابا إلا أنه سمعت موقوفة . ا هـ . مطلب في الكلام على حديث " { الأذان جزم } "

وفي الإمداد : ويجزم الراء أي يسكنها في التكبير قال الزيلعي : يعني على الوقف ، لكن في الأذان حقيقة ، وفي الإقامة ينوي الوقف ا هـ أي للحدر ، وروي ذلك عن النخعي موقوفا عليه ، ومرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( { الأذان جزم ، والإقامة جزم ، والتكبير جزم } ) . ا هـ .

قلت : والحاصل أن التكبيرة الثانية في الأذان ساكنة الراء للوقف ورفعها خطأ ، وأما التكبيرة الأولى من كل تكبيرتين منه وجميع تكبيرات الإقامة ، فقيل محركة الراء بالفتحة على نية الوقف ، وقيل بالضمة إعرابا ، وقيل ساكنة بلا حركة على ما هو ظاهر كلام الإمداد والزيلعي والبدائع وجماعة من الشافعية . والذي يظهر الإعراب لما ذكره الشارح عن الطلبة ، ولما قدمناه ، ولما في الأحاديث المشتهرة للجراحي أنه سئل السيوطي عن هذا الحديث ، فقال : هو غير ثابت كما قال الحافظ ابن حجر ، وإنما هو من قول إبراهيم النخعي ، ومعناه كما قال جماعة منهم الرافعي وابن الأثير أنه لا يمد .

وأغرب المحب الطبري فقال : معناه لا يمد ولا يعرب آخره ، وهذا الثاني مردود بوجوه :

أحدها : مخالفته لتفسير الراوي عن النخعي ، والرجوع إلى تفسيره أولى كما تقرر في الأصول .

ثانيها : مخالفته لما فسره أهل الحديث والفقه .

ثالثها : إطلاق الجزم على حذف الحركة الإعرابية ، ولم يكن معهودا في الصدر الأول ، وإنما هو اصطلاح حادث فلا يصح الحمل عليه . ا هـ . وتمام الكلام عليه هناك فراجعه ، على أن الجزم في الاصطلاح الحادث عند النحويين حذف حركة الإعراب للجازم فقط لا مطلقا . ثم رأيت لسيدي عبد الغني رسالة في هذه المسألة سماها تصديق من أخبر بفتح راء الله أكبر أكثر فيها النقل .

وحاصلها أن السنة أن يسكن الراء من " الله أكبر " الأول أو يصلها ب " الله أكبر " الثانية ، فإن سكنها كفى وإن وصلها نوى السكون فحرك الراء بالفتحة ، فإن ضمها خالف السنة ; لأن طلب الوقف على " أكبر " الأول صيره كالساكن أصالة فحرك بالفتح




الخدمات العلمية