الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5848 ) مسألة ; قال : ( ولا يكون مكرها حتى ينال بشيء من العذاب ، مثل الضرب أو الخنق أو عصر الساق وما أشبه ، ولا يكون التواعد إكراها ) [ ص: 292 ] أما إذا نيل بشيء من العذاب ، كالضرب ، والخنق ، والعصر ، والحبس ، والغط في الماء مع الوعيد ، فإنه يكون إكراها بلا إشكال ، لما روي أن المشركين أخذوا عمارا ، فأرادوه على الشرك ، فأعطاهم ، فانتهى إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي ، فجعل يمسح الدموع عن عينيه ، ويقول { : أخذك المشركون فغطوك في الماء ، وأمروك أن تشرك بالله ، ففعلت ، فإن أخذوك مرة أخرى ، فافعل ذلك بهم } رواه أبو حفص بإسناده ، وقال عمر رضي الله عنه ليس الرجل أمينا على نفسه إذا أجعته ، أو ضربته ، أو أوثقته . وهذا يقتضي وجود فعل يكون به إكراها .

                                                                                                                                            فأما الوعيد بمفرده ، فعن أحمد فيه روايتان : إحداهما ، ليس بإكراه ; لأن الذي ورد الشرع بالرخصة معه ، هو ما ورد في حديث عمار ، وفيه أنهم : " أخذوك فغطوك في الماء " . فلا يثبت الحكم إلا فيما كان مثله . والرواية الثانية ، أن الوعيد بمفرده إكراه . قال في رواية ابن منصور : حد الإكراه إذا خاف القتل ، أو ضربا شديدا . وهذا قول أكثر الفقهاء . وبه يقول أبو حنيفة ، والشافعي ; لأن الإكراه لا يكون إلا بالوعيد ، فإن الماضي من العقوبة لا يندفع بفعل ما أكره عليه ، ولا يخشى من وقوعه ، وإنما أبيح له فعل المكره عليه دفعا لما يتوعده به من العقوبة فيما بعد ، وهو في الموضعين واحد ، ولأنه متى توعده بالقتل ، وعلم أنه يقتله ، فلم يبح له الفعل ، أفضى إلى قتله ، وإلقائه بيده إلى التهلكة ، ولا يفيد ثبوت الرخصة بالإكراه شيئا ; لأنه إذا طلق في هذه الحال ، وقع طلاقه ، فيصل المكره إلى مراده ، ويقع الضرر بالمكره ، وثبوت الإكراه في حق من نيل بشيء من العذاب لا ينفي ثبوته في حق غيره ، وقد روي عن عمر رضي الله عنه في الذي تدلى يشتار عسلا ، فوقفت امرأته على الحبل ، وقالت : طلقني ثلاثا ، وإلا قطعته ، فذكرها الله والإسلام ، فقالت : لتفعلن أو لأفعلن . فطلقها ثلاثا ، فرده إليها . رواه سعيد بإسناده . وهذا كان وعيدا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية