الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                    صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                    ( فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين ( 22 ) ) .

                                                                                                                                                                                                    ( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ( 23 ) ) .

                                                                                                                                                                                                    قال سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي بن كعب ، رضي الله عنه ، قال : كان آدم رجلا طوالا كأنه نخلة سحوق ، كثير شعر الرأس . فلما وقع بما وقع به من الخطيئة ، بدت له [ ص: 398 ] عورته عند ذلك ، وكان لا يراها . فانطلق هاربا في الجنة فتعلقت برأسه شجرة من شجر الجنة ، فقال لها : أرسليني . فقالت : إني غير مرسلتك . فناداه ربه ، عز وجل : يا آدم ، أمني تفر؟ قال : رب إني استحييتك .

                                                                                                                                                                                                    وقد رواه ابن جرير ، وابن مردويه من طرق ، عن الحسن ، عن أبي بن كعب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والموقوف أصح إسنادا .

                                                                                                                                                                                                    وقال عبد الرزاق : أنبأنا سفيان بن عيينة وابن المبارك ، عن الحسن بن عمارة ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كانت الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته ، السنبلة . فلما أكلا منها بدت لهما سوآتهما ، وكان الذي وارى عنهما من سوآتهما أظفارهما ، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ورق التين ، يلزقان بعضه إلى بعض . فانطلق آدم ، عليه السلام ، موليا في الجنة ، فعلقت برأسه شجرة من الجنة ، فناداه : يا آدم ، أمني تفر؟ قال : لا ولكني استحييتك يا رب . قال : أما كان لك فيما منحتك من الجنة وأبحتك منها مندوحة ، عما حرمت عليك . قال : بلى يا رب ، ولكن وعزتك ما حسبت أن أحدا يحلف بك كاذبا . قال : وهو قوله ، عز وجل ( وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ) قال : فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ، ثم لا تنال العيش إلا كدا . قال : فأهبط من الجنة ، وكانا يأكلان منها رغدا ، فأهبط إلى غير رغد من طعام وشراب ، فعلم صنعة الحديد ، وأمر بالحرث ، فحرث وزرع ثم سقى ، حتى إذا بلغ حصد ، ثم داسه ، ثم ذراه ، ثم طحنه ، ثم عجنه ، ثم خبزه ، ثم أكله ، فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء الله أن يبلغ وقال الثوري ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ) قال : ورق التين . صحيح إليه .

                                                                                                                                                                                                    وقال مجاهد : جعلا يخصفان عليهما من ورق الجنة كهيئة الثوب .

                                                                                                                                                                                                    وقال وهب بن منبه في قوله : ( ينزع عنهما لباسهما ) قال : كان لباس آدم وحواء نورا على فروجهما ، لا يرى هذا عورة هذه ، ولا هذه عورة هذا . فلما أكلا من الشجرة بدت لهما سوآتهما . رواه ابن جرير بإسناد صحيح إليه .

                                                                                                                                                                                                    وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : قال آدم : أي رب ، أرأيت إن تبت واستغفرت؟ قال : إذا أدخلك الجنة . وأما إبليس فلم يسأله التوبة ، وسأله النظرة ، فأعطي كل واحد منهما الذي سأله .

                                                                                                                                                                                                    [ ص: 399 ] وقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثنا عباد بن العوام ، عن سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : لما أكل آدم من الشجرة قيل له : لم أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها . قال : حواء أمرتني . قال : فإني قد أعقبتها أن لا تحمل إلا كرها ، ولا تضع إلا كرها . قال : فرنت عند ذلك حواء . فقيل لها : الرنة عليك وعلى ولدك .

                                                                                                                                                                                                    وقال الضحاك بن مزاحم في قوله : ( ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه عز وجل .

                                                                                                                                                                                                    التالي السابق


                                                                                                                                                                                                    الخدمات العلمية