الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ( 12 ) ما لكم لا ترجون لله وقارا ( 13 ) وقد خلقكم أطوارا ( 14 ) )

وقوله : ( ويمددكم بأموال وبنين ) يقول : ويعطكم مع ذلك ربكم أموالا وبنين ، فيكثرها عندكم ويزيد فيما عندكم منها ( ويجعل لكم جنات ) يقول : يرزقكم بساتين ( ويجعل لكم أنهارا ) تسقون منها جناتكم ومزارعكم; وقال ذلك لهم نوح ، لأنهم كانوا فيما ذكر قوم يحبون الأموال والأولاد .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( ثم إني دعوتهم جهارا ) . . . إلى قوله : ( ويجعل لكم أنهارا ) قال : رأى نوح قوما تجزعت [ ص: 634 ] أعناقهم حرصا على الدنيا ، فقال : هلموا إلى طاعة الله ، فإن فيها درك الدنيا والآخرة .

وقوله : ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : ما لكم لا ترون لله عظمة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) يقول : عظمة .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) قال : لا ترون لله عظمة .

حدثنا محمد بن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، مثله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح وقيس ، عن مجاهد ، في قوله : ( لا ترجون لله وقارا ) قال : لا تبالون لله عظمة .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عمرو بن عبيد ، عن منصور ، عن مجاهد ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) قال : كانوا لا يبالون عظمة الله .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( لا ترجون لله وقارا ) يقول : عظمة .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) قال : لا تبالون عظمة ربكم; قال : والرجاء : الطمع والمخافة .

وقال آخرون : معنى ذلك : لا تعظمون الله حق عظمته .

ذكر من قال ذلك :

حدثني سلم بن جنادة ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن إسماعيل بن سميع ، عن مسلم البطين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) قال : ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته .

وقال آخرون : ما لكم لا تعلمون لله عظمة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) يقول : ما لكم لا تعلمون لله عظمة . [ ص: 635 ]

وقال آخرون : بل معنى ذلك ما لكم لا ترجون لله عاقبة .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) أي عاقبة .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) قال : لا ترجون لله عاقبة .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ما لكم لا ترجون لله طاعة .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : ( ما لكم لا ترجون لله وقارا ) قال : الوقار : الطاعة .

وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال : معنى ذلك : ما لكم لا تخافون لله عظمة ، وذلك أن الرجاء قد تضعه العرب إذا صحبه الجحد في موضع الخوف ، كما قال أبو ذؤيب :


إذا لسعته النحل لم يرج لسعها وخالفها في بيت نوب عواسل



يعني بقوله : "لم يرج" : لم يخف .

وقوله : ( وقد خلقكم أطوارا )

يقول : وقد خلقكم حالا بعد حال : طورا نطفة ، وطورا علقة ، وطورا مضغة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( وقد خلقكم أطوارا ) يقول : نطفة ، ثم علقة ، ثم مضغة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وقد خلقكم أطوارا ) [ ص: 636 ] قال : من تراب ، ثم من نطفة ، ثم من علقة ، ثم ما ذكر حتى يتم خلقه .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : ( وقد خلقكم أطوارا ) طورا نطفة ، وطورا علقة ، وطورا عظاما ، ثم كسا العظام لحما ، ثم أنشأه خلقا آخر ، أنبت به الشعر ، فتبارك الله أحسن الخالقين .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( وقد خلقكم أطوارا ) قال : نطفة ، ثم علقة ، ثم خلقا طورا بعد طور .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( خلقكم أطوارا ) يقول : من نطفة ، ثم من علقة ، ثم من مضغة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وقد خلقكم أطوارا ) قال : طورا النطفة ، ثم طورا أمشاجا حين يمشج النطفة الدم ، ثم يغلب الدم على النطفة ، فتكون علقة ، ثم تكون مضغة ، ثم تكون عظاما ، ثم تكسى العظام لحما .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : ( وقد خلقكم أطوارا ) قال : نطفة ، ثم علقة ، شيئا بعد شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية