الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 451 ] ( فصل ) في القراءة ( القراءة في الفرض واجبة في الركعتين ) وقال الشافعي رحمه الله في الركعات كلها لقوله عليه الصلاة والسلام لا صلاة إلا بقراءة ، وكل ركعة صلاة وقال مالك رحمه الله في ثلاث ركعات إقامة للأكثر مقام الكل تيسيرا . [ ص: 452 ] ولنا قوله تعالى { فاقرءوا ما تيسر من القرآن } والأمر بالفعل لا يقتضي التكرار ، وإنما أوجبنا في الثانية استدلالا بالأولى لأنهما يتشاكلان من كل وجه ، [ ص: 453 ] فأما الأخريان فيفارقانهما في حق السقوط بالسفر ، وصفة القراءة وقدرها فلا يلحقان بهما ، والصلاة فيما روي مذكورة تصريحا فتنصرف إلى الكاملة وهي الركعتان عرفا كمن حلف لا يصلي صلاة بخلاف ما إذا حلف لا يصلي ( وهو مخير في الأخريين ) معناه إن شاء سكت وإن شاء قرأ وإن شاء سبح ، كذا روي عن أبي حنيفة رحمه الله ، وهو المأثور عن علي وابن مسعود وعائشة رضي الله عنهم إلا أن الأفضل أن يقرأ لأنه عليه الصلاة والسلام داوم على ذلك ، ولهذا لا يجب السهو بتركها في ظاهر الرواية .

[ ص: 451 ]

التالي السابق


[ ص: 451 ] فصل )

القراءة في الفرض في ركعتين ، وجعلها في الأوليين واجبا هذا هو الصحيح من المذهب وإليه أشار في الأصل وقال بعضهم : ركعتان غير عين ، وإليه ذهب القدوري كذا في البدائع ، فلو تركها أو قرأ في ركعة فسدت ، ولو قرأ في الأخريين صحت ويسجد للسهو ، وعند الشافعي في الكل . وعن مالك في ثلاث . وقال زفر والحسن البصري في واحدة لأن الأمر لا يقتضي التكرار . وعن أبي بكر الأصم وسفيان بن عيينة ليست إلا سنة لأن مبنى الصلاة على الأفعال لا الأقوال ، ولذا تسقط لعدم القدرة على الأفعال مع القدرة على القراءة وعلى القلب لا تسقط وللشافعي ومالك قوله صلى الله عليه وسلم { لا صلاة إلا بقراءة } رواه مسلم .

وقال أبو هريرة : فما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلناه وما أخفى أخفيناه لكم ، إلا أن مالكا يقول : للأكثر حكم الكل . ولنا قوله تعالى { فاقرءوا ما تيسر من القرآن } وهو لا يقتضي التكرار فكان مؤداه افتراضها في ركعة ، إلا أن الثانية اعتبرت شرعا كالأولى ، وإيجاب القراءة فيها إيجاب فيهما فإن قيل : هذا بناء على أن الدلالة لا تشترط فيها أولوية المسكوت بالحكم كما في لا تقل لهما أف ، وفيه نظر ، وأيضا الثابت بالدلالة ما يفهمه من النص كل من يفهم اللغة وليس هنا ذلك . قلنا لا شك أن المعتبر في كونه دلالة لا قياسا كونه يفهم عند فهم موضوع اللفظ سواء كان أولى أو لا فلا عبرة بذلك النظر لمن خالف ، ثم نقول : من فهم اللغة ثم علم تسوية الشارع تعالى بين الركعة الأولى والثانية [ ص: 452 ] وبين الثالثة والرابعة منها من كل الوجوه ثم سمعه يقول اقرأ في الصلاة تبادر إليه طلب القراءة في الشفع الأول أو الثاني بملاحظة تلك المقدمة المقررة في نفسه ، فأما الحديث المذكور وما روي في حديث المسيء صلاته من قوله صلى الله عليه وسلم { فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن } ثم قال في آخره { ثم افعل ذلك في صلاتك كلها } فما لا يثبت به الفرض لأن القطعي لا يثبت بظني ، وقولهم الصلاة مجمل ، ووقع البيان بالقراءة في الكل جوابه ما تقدم أول باب صفة الصلاة أن الإجمال في مسمى الصلاة لا ينفي عدم الإجمال فيما يضاف إليها من الأركان شرعا بيانا إذا كان دليله مما لا يحتاج إلى البيان .

بقي أن يقال : فلم لم يثبت الوجوب في الأخريين كما هو محصل رواية الحسن عن أبي حنيفة أنه إذا لم يقرأ يكره ويسجد للسهو ، والحديث الأول إن أجيب عنه بأن الصلاة المصرح بها إذا أطلقت تنصرف إلى الركعتين لعدم شرعية الواحدة وقلة شرعية الثلاث وهي المذكورة في الحديث بقي الآخر فإنه أمره أن يفعل ما ذكر له ومنه القراءة ، بخلاف ما يفهم من المواظبة في الأخريين من بعض الألفاظ كحديث أبي قتادة في الصحيحين { كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ، وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب } الحديث ، فإنه إنما تفهم المواظبة في الجملة وهي أعم من المقرونة بالترك أحيانا وغيره ، ولا دلالة للأعم على خصوصية بعض الأفراد ، ولهذا استدل المصنف بهذه المواظبة على استحباب القراءة فيهما .

والجواب أن قول الصحابة على خلافه صارف له عن الوجوب ، وذلك ما روى ابن أبي شيبة عن شريك عن أبي إسحاق السبيعي عن علي وابن مسعود قالا : اقرأ في الأوليين وسبح في الأخريين .

وهو عن عائشة رضي الله عنها غريب ، بخلافه عن غيرها في موطأ محمد بن الحسن ، حدثنا محمد بن أبان القرشي عن حماد عن إبراهيم عن علقمة بن قيس : أن عبد الله بن مسعود كان لا يقرأ خلف الإمام فيما يجهر فيه وما يخافت فيه من الأوليين ولا في الأخريين ، وإذا صلى وحده قرأ في الأوليين فاتحة وسورة ولم يقرأ في الأخريين بشيء . وهذا بعد ما في الأول من الانقطاع إنما يتم إذا لم يكن عن غيرهما بين الصحابة خلافه ، وإلا فاختلافهم حينئذ في الوجوب لا يصرف دليله عنه ، فالأحوط رواية الحسن .

وأما ما قيل أن لا صلاة إلا بقراءة يفيد نفي الكمال فليس بشيء ، وقد بينا ضعفه أول الكتاب في الكلام على التسمية في الوضوء فارجع إليه ، والعجب أن هؤلاء يقولون ذلك هنا ويقولون في مسألة ما إذا استخلف القارئ أميا في الأخريين بعد ما قرأ في الأوليين مع زفر حيث قال بالجواز خلافا للثلاثة واستدل بأن فرض القراءة صار مؤدى فيجوز فدفعه هؤلاء بعينهم بأن القراءة فرض في كل الركعات وإن كانت [ ص: 453 ] تؤدى في موضع خاص لقوله صلى الله عليه وسلم { لا صلاة إلا بقراءة } حتى زاد في الكافي أن هذا كقوله { لا صلاة إلا بطهارة } إلى آخر ما ذكروا ، فالصواب في التقرير ما أعلمتك

( قوله وأما الأخريان ) لحن لأن ألف أخرى رابعة فيجب قلبها ياء من غير نظر إلى أصلها ، وفي بعض النسخ : الأخريان على الصواب ( قوله إن شاء سكت ) أي قدر تسبيحة ، وإن شاء سبح ثلاث تسبيحات نقله في النهاية .

وفي شرح الكنز : إن شاء سبح ثلاث تسبيحات [ ص: 454 ] وإن شاء سكت قدرها ، والأول أليق بالأصول ، والضمير في قول المصنف وهو المأثور للتسبيح .




الخدمات العلمية