الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 382 ] النوع الرابع والسبعون في مفردات القرآن .

أخرج السلفي في المختار من الطيوريات عن الشعبي ، قال : لقي عمر بن الخطاب ركبا في سفر ، فيهم ابن مسعود ، فأمر رجلا يناديهم من أين القوم ؟ قالوا : أقبلنا من الفج العميق ، نريد البيت العتيق فقال عمر : إن فيهم لعالما ، وأمر رجلا أن يناديهم : أي القرآن أعظم ؟ فأجابه عبد الله : الله لا إله إلا هو الحي القيوم [ البقرة : 255 ] . قال : نادهم أي القرآن أحكم ؟ فقال ابن مسعود : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى [ النحل : 90 ] .

قال : نادهم أي القرآن أجمع ؟ فقال : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [ الزلزلة : 7 ، 8 ] . فقال : نادهم أي القرآن أحزن ؟ فقال : من يعمل سوءا يجز به [ النساء : 113 ] . فقال : نادهم أي القرآن أرجى ؟ فقال قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم [ الزمر : 53 ] . الآية .

فقال : أفيكم ابن مسعود ؟ قالوا : نعم . أخرجه عبد الرزاق في تفسيره بنحوه .

وأخرج عبد الرزاق أيضا عن ابن مسعود قال : أعدل آية في القرآن : إن الله يأمر بالعدل والإحسان [ النحل : 90 ] . وأحكم آية : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره إلى آخرها .

وأخرج الحاكم عنه قال : إن أجمع آية في القرآن للخير والشر : إن الله يأمر بالعدل والإحسان [ النحل : 90 ] .

[ ص: 383 ] وأخرج الطبراني عنه قال : ما في القرآن آية أعظم فرحا من آية في سورة الغرف قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم [ الزمر : 53 ] الآية . وما في القرآن آية أكثر تفويضا من آية في سورة النساء القصرى ومن يتوكل على الله فهو حسبه [ الطلاق : 3 ] . الآية .

وأخرج أبو ذر الهروي في فضائل القرآن من طريق ابن يعمر ، عن ابن عمر ، عن ابن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أعظم آية في القرآن : الله لا إله إلا هو الحي القيوم [ البقرة : 255 ] . وأعدل آية في القرآن : إن الله يأمر بالعدل والإحسان [ النحل : 90 ] . إلى آخرها ، وأخوف آية في القرآن : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [ الزلزلة : 7 ، 8 ] . وأرجى آية في القرآن : قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله [ الزمر : 53 ] . إلى آخرها

وقد اختلف في أرجى آية في القرآن على بضعة عشر قولا :

أحدها : آية الزمر .

والثاني : أولم تؤمن قال بلى [ البقرة : 260 ] . أخرجه الحاكم في المستدرك ، وأبو عبيد ، عن صفوان بن سليم ، قالا : التقى ابن عباس وابن عمر ، فقال ابن عباس : أي آية في كتاب الله أرجى ؟ فقال عبد الله بن عمر قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم الآية [ الزمر : 53 ] . فقال ابن عباس : لكن قول الله : وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال : فرضي منه بقوله : بلى قال : فهذا لما يعترض في الصدر مما يوسوس به الشيطان .

الثالث : ما أخرجه أبو نعيم في الحلية عن علي بن أبي طالب أنه قال : إنكم يا معشر أهل العراق تقولون : أرجى آية في القرآن : ياعبادي الذين أسرفوا الآية [ الزمر : 53 ] . لكنا أهل البيت نقول : إن أرجى آية في كتاب الله : ولسوف يعطيك ربك فترضى [ الضحى : 5 ] . وهي الشفاعة .

[ ص: 384 ] الرابع : ما أخرجه الواحدي عن علي بن الحسين قال : أشد آية على أهل النار : فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا [ النبأ : 50 ] .

وأرجى آية في القرآن لأهل التوحيد إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية . [ النساء : 48 ] .

وأخرج الترمذي - وحسنه - عن علي ، قال : أحب آية إلي في القرآن إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية .

الخامس : ما أخرجه مسلم في صحيحه ، عن ابن المبارك : أن أرجى آية في القرآن قوله تعالى : ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة إلى قوله ألا تحبون أن يغفر الله لكم [ النور : 22 ] .

السادس : ما أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب التوبة ، عن أبي عثمان النهدي قال : ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة من قوله وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا [ التوبة : 102 ] .

السابع والثامن : قال أبو جعفر النحاس في قوله : فهل يهلك إلا القوم الفاسقون [ الأحقاف : 35 ] . إن هذه الآية عندي أرجى آية في القرآن ، إلا أن ابن عباس قال : أرجى آية في القرآن : وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم [ الرعد : 6 ] . وكذا حكاه عنه مكي ولم يقل على إحسانهم .

التاسع : روى الهروي في مناقب الشافعي ، عن ابن عبد الحكم قال : سألت الشافعي أي آية أرجى ؟ قال : قوله يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة [ البلد : 15 ، 16 ] . قال : وسألته عن أرجى حديث للمؤمن قال : إذا كان يوم القيامة يدفع إلى كل مسلم رجل من الكفار فداؤه .

العاشر : قل كل يعمل على شاكلته [ الإسراء : 84 ] .

[ ص: 385 ] الحادي عشر : وهل نجازي إلا الكفور [ سبأ : 17 ] .

الثاني عشر : إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى [ طه : 48 ] . حكاه الكرماني في العجائب .

الثالث عشر : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير [ الشورى : 30 ] .

حكى هذه الأقوال الأربعة النووي في رءوس المسائل والأخير ثابت عن علي ، ففي مسند أحمد عنه قال : ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله تعالى ، حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير [ الشورى : 30 ] . وسأفسرها لك يا علي : ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم ، والله أكرم من أن يثني العقوبة ، وما عفا الله عنه في الدنيا ، فالله أحكم من أن يعود بعد عفوه .

الرابع عشر : قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [ الأنفال : 135 ] . قال الشبلي : إذا كان الله أذن للكافر بدخول الباب إذا أتى بالتوحيد والشهادة ، أفتراه يخرج الداخل فيها والمقيم عليها .

الخامس عشر : آية الدين ، ووجهه أن الله أرشد عباده إلى مصالحهم الدنيوية ، حتى انتهت العناية بمصالحهم إلى أمرهم بكتابة الدين الكثير والحقير فمقتضى ذلك يرجى عفوه عنهم لظهور العناية العظيمة بهم .

قلت : ويلحق بهذا ما أخرجه ابن المنذر عن ابن مسعود أنه ذكر عنده بنو إسرائيل وما فضلهم الله به فقال : كان بنو إسرائيل إذا أذنب أحدهم ذنبا أصبح وقد كتبت كفارته على أسكفة بابه ، وجعلت كفارة ذنوبكم قولا تقولونه ، تستغفرون الله فيغفر لكم ، والذي نفسي بيده لقد أعطانا الله آية لهي أحب إلي من الدنيا وما فيها والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله [ آل عمران : 135 ] . الآية .

وما أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب التوبة عن ابن عباس قال : ثمان آيات نزلت في سورة النساء هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت : أولهن يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم [ النساء : 26 ] . والثانية [ ص: 386 ] والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات [ النساء : 27 ] . والثالثة : يريد الله أن يخفف عنكم [ النساء : 28 ] الآية . والرابعة إن تجتنبوا كبائر ما تنهون [ النساء : 31 ] الآية . والخامسة إن الله لا يظلم مثقال ذرة [ النساء : 40 ] الآية . والسادسة ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله [ النساء : 110 ] الآية . والسابعة إن الله لا يغفر أن يشرك به [ النساء : 48 ] . الآية . والثامنة والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم [ النساء : 152 ] الآية .

وما أخرجه ابن أبي حاتم ، عن عكرمة ، قال : سئل ابن عباس : أي آية أرجى في كتاب الله ؟ قال : قوله إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا [ فصلت : 30 ] .

وما أخرجه ابن راهويه في مسنده : أنبأنا أبو عمرو العقدي ، أنبأنا عبد الجليل بن عطية ، عن محمد بن المنتشر ، قال رجل لعمر بن الخطاب : إني لأعرف أشد آية في كتاب الله تعالى ، فأهوى عمر فضربه بالدرة ، وقال : ما لك نقبت عنها حتى علمتها ! وما هي ؟ قال : من يعمل سوءا يجز به [ النساء : 123 ] . فما منا أحد يعمل سوءا إلا جزي به ، فقال عمر : لبثنا حين نزلت ما ينفعنا طعام ولا شراب حتى أنزل الله بعد ذلك ورخص : ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما [ النساء : 110 ] .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الحسن قال : سألت أبا برزة الأسلمي عن أشد آية في كتاب الله تعالى على أهل النار ، فقال : فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا [ النبأ : 30 ] .

وفي صحيح البخاري ، عن سفيان قال : ما في القرآن آية أشد علي من : لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم [ المائدة : 68 ] .

وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس قال : ما في القرآن أشد توبيخا من هذه الآية : لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت [ المائدة : 63 ] . الآية .

وأخرج ابن المبارك في كتاب الزهد عن الضحاك بن مزاحم قرأ قول الله : [ ص: 387 ] لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت [ المائدة : 63 ] . قال : والله ما في القرآن آية أخوف عندي منها .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال : وما أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم آية كانت أشد عليه من قوله وتخفي في نفسك ما الله مبديه [ الأحزاب : 37 ] . الآية .

وأخرج ابن المنذر ، عن ابن سيرين : لم يكن شيء عندهم أخوف من هذه الآية : ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين [ البقرة : 8 ] .

وعن أبي حنيفة : أخوف آية في القرآن : واتقوا النار التي أعدت للكافرين [ آل عمران : 131 ] . وقال غيره : سنفرغ لكم أيها الثقلان [ الرحمن : 31 ] . ولهذا قال بعضهم : لو سمعت هذه الكلمة من خفير الحارة لم أنم .

وفي النوادر لابن أبي زيد قال مالك : أشد آية على أهل الأهواء قوله يوم تبيض وجوه وتسود وجوه [ آل عمران : 106 ] . الآية . فتأولها على أهل الأهواء . انتهى .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أبي العالية ، قال : آيتان في كتاب الله ، ما أشدهما على من يجادل فيه ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا [ غافر : 4 ] . وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد [ البقرة : 176 ] .

وقال السعيدي : سورة الحج من أعاجيب القرآن ، فيها مكي ومدني ، وحضري وسفري ، وليلي ونهاري ، وحربي وسلمي ، وناسخ ومنسوخ .

فالمكي من رأس الثلاثين إلى آخرها ، والمدني من رأس خمس عشرة إلى رأس الثلاثين ، والليلي خمس آيات من أولها ، والنهاري من رأس تسع آيات إلى رأس اثنتي عشرة ، والحضري إلى رأس العشرين .

قلت : والسفري أولها . والناسخ أذن للذين يقاتلون [ الحج : 39 ] . الآية . والمنسوخ الله يحكم بينكم [ الحج : 69 ] . الآية . نسختها آية السيف . وقوله : وما أرسلنا من قبلك [ الحج : 52 ] . الآية . نسختها : سنقرئك فلا تنسى [ الأعلى : 6 ] . وقال الكرماني : ذكر المفسرون أن قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا شهادة بينكم الآية [ المائدة : 106 ] . من أشكل آية في القرآن حكما ومعنى وإعرابا .

[ ص: 388 ] وقال غيره : قوله تعالى : يابني آدم خذوا زينتكم [ الأعراف : 31 ] . الآية جمعت أصول أحكام الشريعة كلها : الأمر ، والنهي ، والإباحة ، والخبر .

وقال الكرماني في العجائب في قوله تعالى : نحن نقص عليك أحسن القصص [ يوسف : 3 ] . قيل : هو قصة يوسف وسماها أحسن القصص لاشتمالها على ذكر حاسد ومحسود ، ومالك ومملوك ، وشاهد ومشهود ، وعاشق ومعشوق ، وحبس وإطلاق ، وسجن وخلاص ، وخصب وجدب ، وغيرها مما يعجز عن بيانها طوق الخلق .

وقال : ذكر أبو عبيدة عن رؤبة : ما في القرآن أعرب من قوله فاصدع بما تؤمر [ الحجر : 94 ] .

وقال ابن خالويه في كتاب " ليس " : ليس في كلام العرب لفظ جمع لغات ( ما النافية ) إلا حرف واحد في القرآن ، جمع اللغات الثلاثة ، وهو قوله : ما هن أمهاتهم [ المجادلة : 2 ] . قرأ الجمهور بالنصب ، وقرأ بعضهم بالرفع ، وقرأ ابن مسعود : ( ما هن بأمهاتهم ) بالباء . قال : وليس في القرآن لفظ على ( افعوعل إلا في قراءة ابن عباس ( ألا إنهم تثنوني صدورهم ) . [ هود : 5 ]

وقال بعضهم : أطول سورة في القرآن البقرة ، وأقصرها الكوثر ، وأطول آية فيه آية الدين ، وأقصر آية فيه والضحى والفجر وأطول كلمة فيه رسما فأسقيناكموه [ الحجر : 22 ] .

وفي القرآن آيتان جمعت كل منهما حروف المعجم ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة الآية [ آل عمران : 154 ] . محمد رسول الله الآية . [ الفتح : 29 ] .

وليس فيه حاء بعد حاء بلا حاجز إلا في موضعين عقدة النكاح حتى [ البقرة : 235 ] . لا أبرح حتى [ الكهف : 60 ] .

ولا كافان كذلك إلا مناسككم [ البقرة : 200 ] . ما سلككم [ المدثر : 42 ] .

ولا غينان كذلك إلا ومن يبتغ غير الإسلام [ آل عمران : 85 ] .

[ ص: 389 ] ولا آية فيها ثلاثة وعشرون كافا إلا آية الدين ، ولا آيتان فيهما ثلاثة وعشرون وقفا إلا آيتا المواريث ، ولا سورة ثلاث آيات فيها عشر واوات إلا والعصر إلى آخرها . ولا سورة إحدى وخمسون آية فيها اثنان وخمسون وقفا إلا سورة الرحمن . ذكر أكثر ذلك ابن خالويه .

وقال أبو عبد الله الخبازي المقرئ : أول ما وردت على السلطان محمود بن ملكشاه سألني عن آية أولها غين ، فقلت ثلاثة : غافر الذنب [ غافر : 3 ] . وآيتان بخلف : غلبت الروم [ الروم : 2 ] . غير المغضوب عليهم [ الفاتحة : 7 ] .

ونقلت من خط شيخ الإسلام ابن حجر في القرآن أربع شدات متوالية : في قوله نسيا رب السماوات [ مريم : 64 ، 65 ] . في بحر لجي يغشاه موج [ النور : 40 ] . قولا من رب رحيم [ يس : 58 ] . ولقد زينا السماء [ الملك : 5 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية