الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            1931 - ذكر إسلام حمزة بن عبد المطلب

                                                                                            1932 - حماية حمزة لرسول الله عند إيذاء أبي جهل وكان حمزة ممن أعز الله به الدين

                                                                                            4930 - حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا أحمد بن عبد الجبار ، ثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، قال : فحدثني رجل من أسلم وكان واعيه ، أن أبا جهل اعترض لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند الصفا فآذاه وشتمه وقال فيه ما يكره من العيب لدينه [ ص: 196 ] والتضعيف له ، فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومولاة لعبد الله بن جدعان التيمي في مسكن لها فوق الصفا تسمع ذلك ، ثم انصرف عنه ، فعمد إلى نادي قريش عند الكعبة فجلس معهم ، ولم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحا قوسه راجعا من قنص له ، وكان إذا فعل ذلك لم يمر على نادي قريش ، وأشدها شكيمة ، وكان يومئذ مشركا على دين قومه ، فجاءته المولاة وقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليرجع إلى بيته ، فقالت له : يا أبا عمارة ، لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد من أبي الحكم آنفا وجده هاهنا ، فآذاه وشتمه ، وبلغ ما يكره ، ثم انصرف عنه فعمد إلى نادي قريش عند الكعبة ، فجلس معهم ولم يكلم محمدا ، فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله من كرامته ، فخرج سريعا لا يقف على أحد كما كان يصنع ، يريد الطواف بالبيت متعمدا لأبي جهل أن يقع به ، فلما دخل المسجد نظر إليه جالسا في القوم فأقبل نحوه ، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه على رأسه ضربة مملوءة ، وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل ، فقالوا : ما نراك يا حمزة إلا صبأت ، فقال حمزة : وما يمنعني وقد استبان لي ذلك منه ، أنا أشهد أنه رسول الله ، وأن الذي يقول حق ، فوالله لا أنزع فامنعوني إن كنتم صادقين ، فقال أبو جهل : دعوا أبا عمارة ، لقد سببت ابن أخيه سبا قبيحا ، ومر حمزة على إسلامه ، وتابع يخفف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما أسلم حمزة علمت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد عز وامتنع ، وأن حمزة سيمنعه ، فكفوا عن بعض ما كانوا يتناولونه وينالون منه ، فقال في ذلك سعد حين ضرب أبا جهل ، فذكر رجزا غير مستقر أوله : ذق أبا جهل بما غشيت . قال : ثم رجع حمزة إلى بيته فأتاه الشيطان ، فقال : أنت سيد قريش اتبعت هذا الصابئ وتركت دين آبائك ، للموت خير لك مما صنعت ، فأقبل على حمزة شبه ، فقال : ما صنعت ؟ اللهم إن كان رشدا فاجعل تصديقه في قلبي وإلا فاجعل لي مما وقعت فيه مخرجا ، فبات بليلة لم يبت بمثلها من وسوسة الشيطان ، حتى أصبح فغدا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ابن أخي ، إني وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه ، وأقامه مثلي على ما لا أدري ما هو أرشد هو أم غي شديد ، فحدثني حديثا فقد استشهيت يا ابن أخي أن تحدثني ، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكره ووعظه وخوفه وبشره ، فألقى الله في نفسه الإيمان كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : أشهد إنك لصادق شهادة المصدق والمعارف ، فأظهر يا ابن أخي دينك ، فوالله ما أحب أن لي ما ألمعت الشمس ، وإني على ديني الأول ، قال : فكان حمزة ممن أعز الله به الدين .

                                                                                            [ ص: 197 ]

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية