الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            53- الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف .

            بسم الله الرحمن الرحيم .

            الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، وبعد : فقد كثر السؤال عن الحديث المشتهر على ألسنة الناس : أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكث في قبره ألف سنة ، وأنا أجيب بأنه باطل لا أصل له ، ثم جاءني رجل في شهر ربيع الأول من هذه السنة - وهي سنة ثمان وتسعين وثمانمائة - ومعه ورقة بخطه ، ذكر أنه نقلها من فتيا أفتى بها بعض أكابر العلماء ممن أدركته بالسن ، فيها : أنه اعتمد مقتضى هذا الحديث ، وأنه يقع في المائة العاشرة خروج المهدي والدجال ، ونزول عيسى وسائر الأشراط ، وينفخ في الصور النفخة الأولى ، وتمضي [ ص: 104 ] الأربعون سنة التي بين النفختين ، وينفخ نفخة البعث قبل تمام الألف ، فاستبعدت صدور هذا الكلام من مثل هذا العالم المشار إليه ، وكرهت أن أصرح برده تأدبا معه ، فقلت : هذا شيء لا أعرفه ، فحاولني السائل تحرير المقال في ذلك فلم أبلغه مقصوده ، وقلت : جولوا في الناس جولة ، فإنه ثم من ينفخ أشداقه ، ويدعي مناظرتي ، وينكر علي دعواي الاجتهاد والتفرد بالعلم على رأس هذه المائة ، ويزعم أنه يعارضني ، ويستجيش علي من لو اجتمع هو وهم في صعيد واحد ، ونفخت عليهم نفخة صاروا هباء منثورا ، فدار السائل المذكور على الناس ، وأتى كل ذاكر وناس ، وقصد أهل النجدة والباس ، فلم يجد من يزيل عنه الإلباس ، ومضى على ذلك بقية العام .

            والسؤال : بكر لم يفض أحد ختامها ، بل ولا جسر جاسر أن يحسر لثامها ، وكلما أراد أحد أن يدنو منها استعصت وامتنعت ، وكل من حدثته نفسه أن يمد يده إليها قطعت ، وكل من طرق سمعه هذا السؤال لم يجد له بابا يطرقه غير بابي ، وسلم الناس أنه لا كاشف له بعد لساني سوى واحد ، وهو كتابي ، فقصدني القاصدون في كشفه ، وسألني الواردون أن أحبر فيه مؤلفا يزدان بوصفه ، فأجبتهم إلى ما سألوا ، وشرعت لهم منهلا ، فإن شاءوا علوا ، وإن شاءوا نهلوا ، وسميته : " الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف " فأقول أولا : الذي دلت عليه الآثار أن مدة هذه الأمة تزيد على ألف سنة ، ولا تبلغ الزيادة عليها خمسمائة سنة ; وذلك لأنه ورد من طرق أن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في أواخر الألف السادسة ، وورد أن الدجال يخرج على رأس مائة ، وينزل عيسى عليه السلام فيقتله ، ثم يمكث في الأرض أربعين سنة ، وأن الناس يمكثون بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة ، وأن بين النفختين أربعين سنة ، فهذه مائتا سنة لا بد منها ، والباقي الآن من الألف مائة سنة وسنتان ، وإلى الآن لم تطلع الشمس من مغربها ، ولا خرج الدجال الذي خروجه قبل طلوع الشمس من مغربها بعد نزول عيسى بسنتين ، ولا ظهر المهدي الذي ظهوره قبل الدجال بسبع سنين ، ولا وقعت الأشراط التي قبل ظهور المهدي ، ولا بقي يمكن خروج الدجال عن قريب ; لأنه إنما يخرج على رأس مائة ، وقبله مقدمات تكون في سنين كثيرة ، فأقل ما يكون أن يجوز خروجه على رأس الألف ، أي : لم يتأخر إلى مائة بعدها ، فكيف يتوهم أحد أن الساعة تقوم قبل تمام ألف سنة ؟ هذا شيء غير ممكن ، بل اتفق خروج " الدجال " على رأس ألف ، وهو الذي أبداه بعض العلماء احتمالا ، مكثت الدنيا بعده أكثر من مائتي سنة ، المائتين المشار إليها ، والباقي ما بين خروج الدجال وطلوع الشمس من [ ص: 105 ] مغربها ، ولا ندري كم هو ، وإن تأخر الدجال عن رأس ألف إلى مائة أخرى كانت المدة أكثر ، ولا يمكن أن تكون المدة ألفا وخمسمائة سنة أصلا ، وها أنا أذكر الأحاديث والآثار التي اعتمدت عليها في ذلك .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية