الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ صلب ]

                                                          صلب : الصلب والصلب : عظم من لدن الكاهل إلى العجب ، والجمع : أصلب وأصلاب وصلبة ؛ أنشد ثعلب :


                                                          أما تريني اليوم شيخا أشيبا إذا نهضت أتشكى الأصلبا

                                                          جمع لأنه جعل كل جزء من صلبه صلبا كقول جرير :


                                                          قال العواذل ما لجهلك بعدما     شاب المفارق واكتسين قتيرا

                                                          وقال حميد :


                                                          وانتسف الحالب من أندابه     أغباطنا الميس على أصلابه

                                                          كأنه جعل كل جزء من صلبه صلبا . وحكى اللحياني عن العرب : هؤلاء أبناء صلبتهم . والصلب من الظهر ، وكل شيء من الظهر فيه فقار فذلك الصلب ، والصلب بالتحريك لغة فيه ؛ قال العجاج يصف امرأة :


                                                          ريا العظام فخمة المخدم


                                                          في صلب مثل العنان المؤدم


                                                          إلى سواء قطن مؤكم

                                                          وفي حديث سعيد بن جبير : في الصلب الدية . قال القتيبي : فيه قولان أحدهما أنه إن كسر الصلب فحدب الرجل ففيه الدية ، والآخر إن أصيب صلبه بشيء ذهب به الجماع فلم يقدر عليه فسمي الجماع صلبا ؛ لأن المني يخرج منه . وقول العباس بن عبد المطلب يمدح النبي صلى الله عليه وسلم :


                                                          تنقل من صالب إلى رحم     إذا مضى عالم بدا طبق

                                                          قيل : أراد بالصالب الصلب ، وهو قليل الاستعمال . ويقال للظهر : صلب وصلب وصالب ؛ وأنشد :


                                                          كأن حمى بك مغرية     بين الحيازيم إلى الصالب

                                                          وفي الحديث : إن الله خلق للجنة أهلا ، خلقها لهم ، وهم في أصلاب آبائهم . الأصلاب : جمع صلب ، وهو الظهر . والصلابة : ضد اللين . صلب الشيء صلابة ، فهو صليب وصلب وصلب وصلب أي شديد . ورجل صلب : مثل القلب والحول ، ورجل صلب وصليب : ذو صلابة ، وقد صلب وأرض صلبة ، والجمع صلبة . ويقال : تصلب فلان ؛ أي : تشدد . وقولهم في الراعي : صلب العصا وصليب العصا ، إنما يرون أنه يعنف بالإبل ؛ قال الراعي :


                                                          صليب العصا بادي العروق ترى له     عليها إذا ما أجدب الناس إصبعا

                                                          وأنشد :


                                                          رأيتك لا تغنين عني بقرة     إذا اختلفت في الهراوى الدمامك
                                                          فأشهد لا آتيك ما دام تنضب     بأرضك أو صلب العصا من رجالك

                                                          أصل هذا أن رجلا واعدته امرأة ، فعثر عليها أهلها ، فضربوه بعصي التنضب . وكان شجر أرضها ، إنما كان التنضب فضربوه بعصيها . وصلبه : جعله صلبا وشده وقواه ؛ قال الأعشى :


                                                          من سراة الهجان صلبها العض     ورعي الحمى وطول الحيال

                                                          أي : شدها . وسراة المال : خياره الواحد سري ، يقال : بعير سري ، وناقة سرية . والهجان : الخيار من كل شيء ، يقال : ناقة هجان ، وجمل هجان ، ونوق هجان . قال أبو زيد : الناقة الهجان هي الأدماء ، وهي البيضاء الخالصة اللون . والعض : علف الأمصار مثل القت والنوى . وقوله : رعي الحمى ، يريد حمى ضرية وهو مرعى إبل الملوك ، وحمى الربذة دونه . والحيال : مصدر حالت الناقة إذا لم تحمل . وفي حديث العباس : إن المغالب صلب الله مغلوب أي : قوة الله . ومكان صلب وصلب : غليظ حجر ، والجمع : صلبة . والصلب من الأرض : المكان الغليظ المنقاد ، والجمع صلبة مثل قلب وقلبة . والصلب أيضا : ما صلب من الأرض . شمر : الصلب نحو من الحزيز الغليظ المنقاد ، وقال غيره : الصلب من الأرض أسناد الآكام والروابي ، وجمعه أصلاب ؛ قال رؤبة :


                                                          نغشى قرى عارية أقراؤه     تحبو إلى أصلابه أمعاؤه

                                                          الأصمعي : الأصلاب هي من الأرض الصلب الشديد المنقاد ، والأمعاء مسايل صغار . وقوله : تحبو أي تدنو . وقال ابن الأعرابي : الأصلاب : ما صلب من الأرض وارتفع ، وأمعاؤه : ما لان منه وانخفض . والصلب : موضع بالصمان أرضه حجارة من ذلك غلبت عليه الصفة ، وبين ظهراني الصلب وقفافه رياض وقيعان عذبة المنابت كثيرة العشب ، وربما قالوا : الصلبان ؛ أنشد ابن الأعرابي :


                                                          سقنا به الصلبين فالصمانا

                                                          فإما أن يكون أراد الصلب فثنى للضرورة ، كما قالوا : رامتان ، وإنما هي رامة واحدة . وإما أن يكون أراد موضعين يغلب عليهما هذه الصفة فيسميان بها . وصوت صليب وجري صليب على المثل . وصلب على المال صلابة : شح به ؛ أنشد ابن الأعرابي :


                                                          فإن كنت ذا لب يزدك صلابة     على المال منزور العطاء مثرب

                                                          [ ص: 265 ] الليث : الصلب من الجري ، ومن الصهيل : الشديد ؛ وأنشد :


                                                          ذو ميعة إذا ترامى صلبه

                                                          والصلب والصلبي والصلبة والصلبية : حجارة المسن ؛ قال امرؤ القيس :


                                                          كحد السنان الصلبي النحيض

                                                          أراد بالسنان المسن . ويقال : الصلبي الذي جلي وشحذ بحجارة الصلب ، وهي حجارة تتخذ من المسان ؛ قال الشماخ :


                                                          وكأن شفرة خطمه وجنينه     لما تشرف صلب مفلوق

                                                          والصلب : الشديد من الحجارة أشدها صلابة . ورمح مصلب : مشحوذ بالصلبي . وتقول : سنان صلبي وصلب أيضا أي مسنون . والصليب : الودك ؛ وفي الصحاح : ودك العظام . قال أبو خراش الهذلي يذكر عقابا شبه فرسه بها :


                                                          كأني إذ غدوا ضمنت بزي     من العقبان خائتة طلوبا
                                                          جريمة ناهض في رأس نيق     ترى لعظام ما جمعت صليبا

                                                          أي : ودكا ، أي كأني إذ غدوا للحرب ضمنت بزي أي سلاحي ، عقابا خائتة ؛ أي : منقضة . يقال خاتت إذا انقضت . وجريمة : بمعنى كاسبة ، يقال : هو جريمة أهله ؛ أي : كاسبهم . والناهض : فرخها . وانتصاب قوله طلوبا : على النعت لخائتة . والنيق : أرفع موضع في الجبل . وصلب العظام يصلبها صلبا واصطلبها : جمعها وطبخها واستخرج ودكها ليؤتدم به ، وهو الاصطلاب ، وكذلك إذا شوى اللحم فأساله ؛ قال الكميت الأسدي :


                                                          واحتل برك الشتاء منزله     وبات شيخ العيال يصطلب

                                                          احتل : بمعنى حل . والبرك : الصدر واستعاره للشتاء أي حل صدر الشتاء ، ومعظمه في منزله : يصف شدة الزمان وجدبه ؛ لأن غالب الجدب ، إنما يكون في زمن الشتاء . وفي الحديث : أنه لما قدم مكة أتاه أصحاب الصلب ، قيل : هم الذين يجمعون العظام إذا أخذت عنها لحومها فيطبخونها بالماء ، فإذا خرج الدسم منها جمعوه وائتدموا به . يقال اصطلب فلان العظام إذا فعل بها ذلك . والصلب جمع صليب والصليب : الودك . والصليب والصلب : الصديد الذي يسيل من الميت . والصلب : مصدر صلبه يصلبه صلبا ، وأصله من الصليب ، وهو الودك . وفي حديث علي : أنه استفتي في استعمال صليب الموتى في الدلاء والسفن فأبى عليهم ، وبه سمي المصلوب لما يسيل من ودكه . والصلب هذه القتلة المعروفة مشتق من ذلك ؛ لأن ودكه وصديده يسيل . وقد صلبه يصلبه صلبا وصلبه شدد للتكثير . وفي التنزيل العزيز : وما قتلوه وما صلبوه . وفيه : ولأصلبنكم في جذوع النخل أي على جذوع النخل . والصليب : المصلوب . والصليب الذي يتخذه النصارى على ذلك الشكل . وقال الليث : الصليب ما يتخذه النصارى قبلة ، والجمع صلبان وصلب ؛ قال جرير :


                                                          لقد ولد الأخيطل أم سوء     على باب استها صلب وشام

                                                          وصلب الراهب : اتخذ في بيعته صليبا ؛ قال الأعشى :


                                                          وما أيبلي على هيكل     بناه وصلب فيه وصارا

                                                          صار : صور . عن أبي علي الفارسي : وثوب مصلب فيه نقش كالصليب . وفي حديث عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى التصليب في ثوب قضبه أي قطع موضع التصليب منه . وفي الحديث : نهى عن الصلاة في الثوب المصلب ، وهو الذي فيه نقش أمثال الصلبان . وفي حديث عائشة أيضا : فناولتها عطافا فرأت فيه تصليبا ، فقالت : نحيه عني . وفي حديث أم سلمة : أنها كانت تكره الثياب المصلبة . وفي حديث جرير : رأيت على الحسن ثوبا مصلبا . والصليبان : الخشبتان اللتان تعرضان على الدلو كالعرقوتين ، وقد صلب الدلو وصلبها . وفي مقتل عمر : خرج ابنه عبيد الله فضرب جفينة الأعجمي فصلب بين عينيه ؛ أي : ضربه على عرضه حتى صارت الضربة كالصليب . وفي بعض الحديث : صليت إلى جنب عمر رضي الله عنه فوضعت يدي على خاصرتي فلما صلى قال : هذا الصلب في الصلاة ، كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنه أي : إنه يشبه الصلب ؛ لأن الرجل إذا صلب مد يده وباعه على الجذع

                                                          وهيئة الصلب في الصلاة : أن يضع يديه على خاصرتيه ويجافي بين عضديه في القيام . والصليب : ضرب من سمات الإبل . قال أبو علي في التذكرة : الصليب قد يكون كبيرا وصغيرا ، ويكون في الخدين والعنق والفخذين . وقيل : الصليب ميسم في الصدغ ، وقيل في العنق خطان أحدهما على الآخر . وبعير مصلب ومصلوب : سمته الصليب . وناقة مصلوبة ، كذلك ؛ أنشد ثعلب :


                                                          سيكفي عقيلا رجل ظبي وعلبة     تمطت به مصلوبة لم تحادر

                                                          وإبل مصلبة . أبو عمرو : أصلبت الناقة إصلابا : إذا قامت ومدت عنقها نحو السماء لتدر لولدها جهدها إذا رضعها ، وربما صرمها ذلك ؛ أي : قطع لبنها . والتصليب : ضرب من الخمرة للمرأة . ويكره للرجل أن يصلي في تصليب العمامة حتى يجعله كورا بعضه فوق بعض . يقال : خمار مصلب ، وقد صلبت المرأة خمارها ، وهي لبسة معروفة عند النساء . وصلبت التمرة : بلغت اليبس . وقال أبو حنيفة : قال شيخ من العرب أطيب مضغة أكلها الناس صيحانية مصلبة ، هكذا حكاه مصلبة بالهاء . ويقال : صلب الرطب : إذا بلغ اليبيس ، فهو مصلب بكسر اللام ، فإذا صب عليه الدبس ليلين ، فهو مصقر . أبو عمرو : إذا بلغ الرطب اليبس فذلك التصليب ، وقد صلب ؛ وأنشد المازني في صفة التمر :


                                                          مصلبة من أوتكى القاع كلما [ ص: 266 ]     زهتها النعامى خلت من لبن صخرا

                                                          أوتكى : تمر الشهريز . ولبن : اسم جبل بعينه . شمر : يقال صلبته الشمس تصلبه وتصلبه صلبا إذا أحرقته ، فهو مصلوب : محرق ؛ وقال أبو ذؤيب :


                                                          مستوقد في حصاه الشمس تصلبه     كأنه عجم بالبيد مرضوخ

                                                          وفي حديث أبي عبيدة : تمر ذخيرة مصلبة أي صلبة . وتمر المدينة صلب . ويقال : تمر مصلب بكسر اللام ؛ أي : يابس شديد . والصالب من الحمى الحارة غير النافض تذكر وتؤنث . ويقال : أخذته الحمى بصالب وأخذته حمى صالب ، والأول أفصح ، ولا يكادون يضيفون ؛ وقد صلبت عليه بالفتح تصلب بالكسر أي دامت واشتدت ، فهو مصلوب عليه . وإذا كانت الحمى صالبا ، قيل : صلبت عليه . قال ابن بزرج : العرب تجعل الصالب من الصداع ؛ وأنشد :


                                                          يروعك حمى من ملال وصالب

                                                          وقال غيره : الصالب التي معها حر شديد ، وليس معها برد . وأخذه صالب ؛ أي : رعدة ؛ أنشد ثعلب :


                                                          عقارا غذاها البحر من خمر عانة     لها سورة في رأسه ذات صالب

                                                          والصلب : القوة . والصلب : الحسب ؛ قال عدي بن زيد :

                                                          اجل أن الله قد فضلكم     فوق ما أحكى بصلب وإزار

                                                          فسر بهما جميعا . والإزار : العفاف . ويروى :


                                                          فوق من أحكأ صلبا بإزار

                                                          أي : شد صلبا : يعني الظهر . بإزار : يعني الذي يؤتزر به . والعرب تسمي الأنجم الأربعة التي خلف النسر الواقع : صليبا . ورأيت حاشية في بعض النسخ بخط الشيخ ابن الصلاح المحدث ما صورته : الصواب في هذه الأنجم الأربعة أن يقال خلف النسر الطائر ؛ لأنها خلفه لا خلف الواقع ، قال : وهذا مما وهم فيه الجوهري . الليث : والصولب والصوليب هو البذر الذي ينثر على الأرض ثم يكرب عليه ؛ قال الأزهري : وما أراه عربيا . والصلب : اسم أرض ؛ قال ذو الرمة :


                                                          كأنه كلما ارفضت حزيقتها     بالصلب من نهسه أكفالها كلب

                                                          والصليب : اسم موضع ؛ قال سلامة بن جندل :


                                                          لمن طلل مثل الكتاب المنمق     عفا عهده بين الصليب ومطرق

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية