الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد ( 27 ) قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ( 28 ) ) [ ص: 357 ]

يقول - تعالى ذكره - : قال قرين هذا الإنسان الكفار المناع للخير ، وهو شيطانه الذي كان موكلا به في الدنيا .

كما حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( قال قرينه ربنا ما أطغيته ) قال : قرينه شيطانه .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( قال قرينه ) قال : الشيطان قيض له .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( الذي جعل مع الله إلها آخر ) هو المشرك ( قال قرينه ربنا ما أطغيته ) قال : قرينه الشيطان .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( قال قرينه ربنا ما أطغيته ) قال : قرينه : الشيطان .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( قال قرينه ربنا ما أطغيته ) قال : قرينه : شيطانه .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( قال قرينه ربنا ما أطغيته ) قال : قرينه من الجن : ربنا ما أطغيته ، تبرأ منه .

وقوله ( ربنا ما أطغيته ) يقول : ما أنا جعلته طاغيا متعديا إلى ما ليس له ، وإنما يعني بذلك الكفر بالله ( ولكن كان في ضلال بعيد ) يقول : ولكن كان في طريق جائر عن سبيل الهدى جورا بعيدا . وإنما أخبر - تعالى ذكره - هذا الخبر ، عن قول قرين الكافر له يوم القيامة ، إعلاما منه عباده ، تبرأ بعضهم من بعض يوم القيامة .

كما حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في [ ص: 358 ] قوله ( ربنا ما أطغيته ) قال : تبرأ منه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني عبد الله بن أبي زياد قال : ثنا عبد الله بن أبي بكر قال : ثنا جعفر قال : سمعت أبا عمران يقول في قوله ( ربنا ما أطغيته ) تبرأ منه .

وقوله ( لا تختصموا لدي ) يقول - تعالى ذكره - : قال الله لهؤلاء المشركين الذين وصف صفتهم ، وصفة قرنائهم من الشياطين ( لا تختصموا لدي ) اليوم ( وقد قدمت إليكم بالوعيد ) في الدنيا قبل اختصامكم هذا ، بالوعيد لمن كفر بي ، وعصاني ، وخالف أمري ونهيي في كتبي ، وعلى ألسن رسلي .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني عبد الله بن أبي زياد قال : ثنا عبد الله بن أبي بكر قال : ثنا جعفر قال : سمعت أبا عمران يقول في قوله ( وقد قدمت إليكم بالوعيد ) قال : بالقرآن .

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس في قوله ( لا تختصموا لدي ) قال : إنهم اعتذروا بغير عذر ، فأبطل الله حجتهم ، ورد عليهم قولهم .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ) قال : يقول : قد أمرتكم ونهيتكم ، قال : هذا ابن آدم وقرينه من الجن .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع قال : قلت لأبي العالية ( لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ) قال أبو جعفر الطبري : أحسبه قال : هم أهل الشرك ، وقال في آية أخرى [ ص: 359 ] ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) فهم أهل القبلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية