الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم .

تعليل لجملة لست عليهم بمصيطر أي : لست مكلفا بجبرهم على التذكر والإيمان لأنا نحاسبهم حين رجوعهم إلينا في دار البقاء . وقد جاء حرف ( إن ) على استعماله المشهور ، إذا جيء به لمجرد الاهتمام دون رد إنكار ، فإنه يفيد مع ذلك تعليلا وتسببا كما تقدم غير مرة ، وتقدم عند قوله : إنك أنت العليم الحكيم في سورة البقرة .

والإياب : بتخفيف الياء الأوب ، أي : الرجوع إلى المكان الذي صدر عنه . أطلق على الحضور في حضرة القدس يوم الحشر تشبيها له بالرجوع إلى المكان الذي خرج منه بملاحظة أن الله خالق الناس خلقهم الأول ، فشبهت إعادة خلقهم وإحضارهم لديه برجوع المسافر إلى مقره كما قال تعالى : يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك .

وتقديم خبر ( إن ) على اسمها يظهر أنه لمجرد الاهتمام تحقيقا لهذا الرجوع لأنهم ينكرونه ، وتنبيها على إمكانه بأنه رجوع إلى الذي أنشأهم أول مرة .

ونقل الكلام من أسلوب الغيبة في قوله : فيعذبه الله إلى أسلوب التكلم بقوله : إلينا على طريقة الالتفات .

[ ص: 309 ] وقرأ أبو جعفر إيابهم بتشديد الياء . فعن ابن جني هو مصدر على وزن فيعال مصدر : أيب بوزن فيعل من الأوب مثل حوقل ، فلما اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء فقيل : إياب .

وعطفت جملة إن علينا حسابهم بحرف ثم لإفادة التراخي الرتبي فإن حسابهم هو الغرض من إيابهم وهو أوقع في تهديدهم على التولي .

ومعنى على من قوله : علينا حسابهم أن حسابهم لتأكده في حكمة الله يشبه الحق الذي فرضه الله على نفسه .

وهذه الجملة هي المقصود من التعليل التي قبلها بمعنى التمهيد لها والإدماج لإثبات البعث ، وفي ذلك إيذان بأن تأخير عقابهم إمهال فلا يحسبوه انفلاتا من العقاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية