الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة أبصارها خاشعة .

ابتدئت بالقسم بمخلوقات ذات صفات عظيمة قسما مرادا منه تحقيق ما بعده من الخبر ، وفي هذا القسم تهويل المقسم به .

وهذه الأمور الخمسة المقسم بها جموع جرى لفظها على صيغة الجمع بألف وتاء ; لأنها في تأويل جماعات تتحقق فيها الصفات المجموعة ، فهي جماعات : [ ص: 61 ] نازعات ، ناشطات ، سابحات ، سابقات ، مدبرات ، فتلك صفات لموصوفات محذوفة تدل عليها الأوصاف الصالحة لها .

فيجوز أن تكون صفات لموصوفات من نوع واحد له أصناف تميزها تلك الصفات .

ويجوز أن تكون صفات لموصوفات مختلفة الأنواع بأن تكون كل صفة خاصية من خواص نوع من الموجودات العظيمة قوامه بتلك الصفة .

والذي يقتضيه غالب الاستعمال أن المتعاطفات بالواو صفات مستقلة لموصوفات مختلفة أنواع أو أصناف ، أو لموصوف واحد له أحوال متعددة ، وأن المعطوفات بالفاء صفات متفرعة عن الوصف الذي عطفت عليه بالفاء ، فهي صفات متعددة متفرع بعضها عن بعض لموصوف واحد فيكون قسما بتلك الأحوال العظيمة باعتبار موصوفاتها .

وللسلف من المفسرين أقوال في تعيين موصوفات هذه الأوصاف وفي تفسير معاني الأوصاف ، وأحسن الوجوه على الجملة أن كل صفة مما عطف بالواو مرادا بها موصوف غير المراد بموصوف الصفة الأخرى ، وأن كل صفة عطفت بالفاء أن تكون حالة أخرى للموصوف المعطوف بالواو كما تقدم ، وسنعتمد في ذلك أظهر الوجوه وأنظمها ونذكر ما في ذلك من الاختلاف ليكون الناظر على سعة بصيرة .

وهذا الإجمال مقصود لتذهب أفهام السامعين كل مذهب ممكن ، فتكثر خطور المعاني في الأذهان ، وتتكرر الموعظة والعبرة باعتبار وقع كل معنى في نفس له فيها أشد وقع وذلك من وفرة المعاني مع إيجاز الألفاظ .

فالنازعات : وصف مشتق من النزع ، ومعاني النزع كثيرة كلها ترجع إلى الإخراج والجذب ، فمنه حقيقة ومنه مجاز .

فيحتمل أن يكون النازعات جماعة من الملائكة وهم الموكلون بقبض الأرواح ، فالنزع هو إخراج الروح من الجسد ، شبه بنزع الدلو من البئر أو الركية ، ومنه قولهم في المحتضر : هو في النزع . وأجريت صفتهم على صيغة التأنيث بتأويل الجماعة أو الطوائف كقوله تعالى : قالت الأعراب آمنا .

[ ص: 62 ] وروي هذا عن علي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، ومسروق ، وابن جبير ، والسدي ، فأقسم الله بالملائكة لأنها من أشرف المخلوقات ، وخصها بهذا الوصف الذي هو من تصرفاتها تذكيرا للمشركين ؛ إذ هم في غفلة عن الآخرة وما بعد الموت ، ولأنهم شديد تعلقهم بالحياة كما قال تعالى لما ذكراليهود : ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا فالمشركون مثل في حب الحياة ، ففي القسم بملائكة قبض الأرواح عظة لهم وعبرة .

والقسم على هذا الوجه مناسب للغرض الأهم من السورة وهو إثبات البعث ; لأن الموت أول منازل الآخرة ، فهذا من براعة الاستهلال .

وغرقا : اسم مصدر أغرق ، وأصله إغراقا ، جيء به مجردا عن الهمزة فعومل معاملة المصدر الثلاثي المتعدي مع أنه لا يوجد غرق متعديا ، ولا أن مصدره مفتوح عين الكلمة لكنه لما جعل عوضا عن مصدر أغرق وحذفت منه الزوائد قدر فعله بعد حذف الزوائد متعديا .

ولو قلنا : إنه سكنت عينه تخفيفا ورعيا للمزاوجة مع ( نشطا ، وسبحا ، وسبقا ، وأمرا ) لكان أرقب ; لأن متحرك الوسط يخفف بالسكون ، وهذا مصدر وصف به مصدر محذوف هو مفعول مطلق للنازعات ، أي : نزعا غرقا ، أي : مغرقا ، أي : تنزع الأرواح من أقاصي الأجساد .

ويجوز أن تكون النازعات صفة للنجوم ، أي : تنزع من أفق إلى أفق ، أي : تسير ، يقال : ينزع إلى الأمر الفلاني ، أي : يميل ويشتاق .

وغرقا : تشبيه لغروب النجوم بالغرق في الماء ، وقاله الحسن ، وقتادة ، وأبو عبيدة ، وابن كيسان ، والأخفش ، وهو على هذا متعين لأن يكون مصدر غرق وأن تسكين عينه تخفيف .

والقسم بالنجوم في هذه الحالة لأنها مظهر من مظاهر القدرة الربانية ، كقوله تعالى : والنجم إذا هوى .

ويحتمل أن تكون النازعات جماعات الرماة بالسهام في الغزو ، يقال : نزع في القوس ، إذا مدها عند وضع السهم فيها . وروي هذا عن عكرمة ، وعطاء .

[ ص: 63 ] والغرق : الإغراق ، أي : استيفاء مد القوس بإغراق السهم فيها فيكون قسما بالرماة من المسلمين الغزاة لشرفهم بأن غزوهم لتأييد دين الله ، ولم تكن للمسلمين وهم بمكة يومئذ غزوات ولا كانوا يرجونها ، فالقسم بها إنذار للمشركين بغزوة بدر التي كان فيها خضد شوكتهم ، فيكون من دلائل النبوءة ووعد وعده الله رسوله - صلى الله عليه وسلم .

والناشطات : يجوز أن تكون الموصوفات بالنشاط ، وهو قوة الانطلاق للعمل كالسير السريع . ويطلق النشاط على سير الثور الوحشي وسير البعير لقوة ذلك ، فيكون الموصوف إما الكواكب السيارة على وجه التشبيه لدوام تنقلها في دوائرها ، وإما إبل الغزو ، وإما الملائكة التي تسرع إلى تنفيذ ما أمر الله به من أمر التكوين ، وكلاهما على وجه الحقيقة ، وأيا ما كان فعطفها على النازعات عطف نوع على نوع أو عطف صنف على صنف .

و ( نشطا ) مصدر جاء على مصدر فعل المتعدي من باب نصر فتعين أن ( الناشطات ) فاعلات النشط فهو متعد .

وقد يكون مفضيا لإرادة النشاط الحقيقي لا المجازي . ويجوز أن يكون التأكيد لتحقيق الوصف لا لرفع احتمال المجاز .

وعن ابن عباس : الناشطات الملائكة تنشط نفوس المؤمنين ، وعنه هي نفوس المؤمنين تنشط للخروج .

و ( السابحات ) صفة من السبح المجازي ، وأصل السبح العوم وهو تنقل الجسم على وجه الماء مباشرة ، وهو هنا مستعار لسرعة الانتقال ، فيجوز أن يكون المراد الملائكة السائرين في أجواء السماوات وآفاق الأرض ، وروي عن علي بن أبي طالب .

ويجوز أن يراد خيل الغزاة حين هجومها على العدو سريعة كسرعة السابح في الماء ، كالسابحات في قول امرئ القيس يصف فرسا :


مسح إذا ما السابحات على الوغى أثرن الغبار بالكديد المركل



[ ص: 64 ] وقيل : ( السابحات ) النجوم ، وهو جار على قول من فسر النازعات بالنجوم . ( وسبحا ) مصدر مؤكد لإفادة التحقيق من التوسل إلى تنويه للتعظيم . وعطف ( فالسابقات ) بالفاء يؤذن بأن هذه الصفة متفرعة عن التي قبلها ; لأنهم يعطفون بالفاء الصفات التي من شأنها أن يتفرع بعضها عن بعض كما تقدم في قوله تعالى : والصافات صفا فالزاجرات زجرا فالتاليات ذكرا وقول ابن زيابة :


يا لهف زيابة للحارث الص     ابح فالغائم فالآيب



فلذلك ( فالسابقات ) هي السابقات من السابحات .

والسبق : تجاوز السائر من يسير معه ووصوله إلى المكان المسير إليه قبله . ويطلق السبق على سرعة الوصول من دون وجود سائر مع السابق ، قال تعالى : فاستبقوا الخيرات وقال : أولئك الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون .

ويطلق السبق على الغلب والقهر ، ومنه قوله تعالى : أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم وقول مرة بن عداء الفقعسي :


كأنك لم تسبق من الدهر ليلة     إذا أنت أدركت الذي كنت تطلب



فقوله تعالى : فالسابقات سبقا يصلح للحمل على هذه المعاني على اختلاف محامل وصف السابحات بما يناسب كل احتمال على حياله ؛ بأن يراد السائرات سيرا سريعا فيما تعلمه ، أو المبادرات . وإذا كان ( السابحات ) بمعنى الخيل كان ( السابقات ) إن حمل على معنى المسرعات كناية عن عدم مبالاة الفرسان بعدوهم وحرصهم على الوصول إلى أرض العدو ، أو على معنى غلبهم أعداءهم .

وأكد بالمصدر المرادف لمعناه وهو ( سبقا ) للتأكيد ولدلالة التنكير على عظم ذلك السبق .

والمدبرات : الموصوفة بالتدبير .

[ ص: 65 ] والتدبير : جولان الفكر في عواقب الأشياء ، وبإجراء الأعمال على ما يليق بما توجد له ، فإن كانت السابحات جماعات الملائكة ، فمعنى تدبيرها تنفيذ ما نيط بعهدتها على أكمل ما أذنت به فعبر عن ذلك بالتدبير للأمور لأنه يشبه فعل المدبر المتثبت .

وإن كانت السابحات خيل الغزاة فالمراد بالتدبير : تدبير مكائد الحرب من كر ، وفر ، وغارة ، وقتل ، وأسر ، ولحاق للفارين ، أو ثبات بالمكان . وإسناد التدبير إلى السابحات على هذا الوجه مجاز عقلي ; لأن التدبير للفرسان ، وإنما الخيل وسائل لتنفيذ التدبير ، كما قال تعالى : وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ، فأسند الإتيان إلى ضمير كل ضامر من الإبل ; لأن إتيان الحجيج من الفجاج العميقة يكون بسير الإبل .

وفي هذا المجاز إيماء إلى حذق الخيل وسرعة فهمها مقاصد فرسانها حتى كأنها هي المدبرة لما دبره فرسانها .

والأمر : الشأن والغرض المهم ، وتنوينه للتعظيم ، وإفراده لإرادة الجنس أي : أمورا .

وينتظم من مجموع صفات ( النازعات ، والناشطات ، والسابحات ) إذا فهم منها جماعات الرماة والجمالة والفرسان أن يكون إشارة إلى أصناف المقاتلين من مشاة وهم الرماة بالقسي ، وفرسان على الخيل ، وكانت الرماة تمشي قدام الفرسان تنضح عنهم بالنبال حتى يبلغوا إلى مكان الملحمة . قال أنيف بن زبان الطائي :


وتحت نحور الخيل حرشف رجلة     تتاح لغرات القلوب نبالها



ولتحمل الآية لهذه الاحتمالات كانت تعريضا بتهديد المشركين بحرب تشن عليهم وهي غزوة فتح مكة أو غزوة بدر مثل سورة ( والعاديات ) وأضرابها ، وهي من دلائل نبوءة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، إذ كانت هذه التهديدات صريحها وتعريضها في مدة مقامه - صلى الله عليه وسلم - بمكة والمسلمون في ضعف ، فحصل من هذا القسم تعريض بعذاب في الدنيا .

وجملة يوم ترجف الراجفة إلى ( خاشعة ) جواب القسم وصريح الكلام [ ص: 66 ] موعظة . والمقصود منه لازمه وهو وقوع البعث ; لأن القلوب لا تكون إلا في أجسام . وقد علم أن المراد بـ يوم ترجف الراجفة هو يوم القيامة ; لأنه قد عرف بمثل هذه الأحوال في آيات كثيرة مما سبق نزوله ، مثل قوله : إذا رجت الأرض فكان في هذا الجواب تهويل ليوم البعث وفي طيه تحقيق وقوعه فحصل إيجاز في الكلام جامع بين الإنذار بوقوعه والتحذير مما يجري فيه .

و يوم ترجف الراجفة ظرف متعلق ب ( واجفة ) فآل إلى أن المقسم عليه المراد تحقيقه هو وقوع البعث بأسلوب أوقع في نفوس السامعين المنكرين من أسلوب التصريح بجواب القسم ، إذ دل على المقسم عليه بعض أحواله التي هي من أهواله فكان في جواب القسم إنذار .

ولم تقرن جملة الجواب بلام جواب القسم لبعد ما بين الجواب وبين القسم بطول جملة القسم ، فيظهر لي من استعمال البلغاء أنه إذا بعد ما بين القسم وبين الجواب لا يأتون بلام القسم في الجواب ، ومن ذلك قوله تعالى : والسماء ذات البروج إلى قتل أصحاب الأخدود ومثله كثير في القرآن ، فلا يؤتى بلام القسم في جوابه إلا إذا كان الجواب مواليا لجملة القسم نحو وتالله لأكيدن أصنامكم ، فوربك لنسألنهم أجمعين ولأن جواب القسم إذا كان جملة اسمية لم يكثر اقترانه بلام الجواب ، ولم أر التصريح بجوازه ولا بمنعه ، وإن كان صاحب المغني استظهر في مبحث لام الجواب في قوله تعالى : ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير أن اللام لام جواب قسم محذوف وليست لام جواب ( لو ) بدليل كون الجملة اسمية ، والاسمية قليلة من جواب ( لو ) فلم ير جملة الجواب إذا كانت اسمية أن تقترن باللام . وجعل صاحب الكشاف تبعا للفراء وغيره جواب القسم محذوفا تقديره : لتبعثن .

وقدم الظرف على متعلقه ; لأن ذلك الظرف هو الأهم في جواب القسم ; لأنه المقصود إثبات وقوعه ، فتقديم الظرف للاهتمام به والعناية به ، فإنه لما أكد الكلام بالقسم شمل التأكيد متعلقات الخبر التي منها ذلك الظرف ، والتأكيد اهتمام ، ثم أكد ذلك الظرف في الأثناء بقوله : ( يومئذ ) الذي هو ( يوم ترجف الراجفة ) فحصلت عناية عظيمة بهذا الخبر .

[ ص: 67 ] والرجف : الاضطراب والاهتزاز وفعله من باب نصر . وظاهر كلام أهل اللغة أنه فعل قاصر ولم أر من قال : إنه يستعمل متعديا ، فلذلك يجوز أن يكون إسناد ( ترجف ) إلى ( الراجفة ) حقيقيا ، فالمراد بـ ( الراجفة ) : الأرض ; لأنها تضطرب وتهتز بالزلازل التي تحصل عند فناء العالم الدنيوي والمصير إلى العالم الأخروي ، قال تعالى : يوم ترجف الأرض والجبال وقال : إذا رجت الأرض رجا وتأنيث ( الراجفة ) لأنها الأرض ، وحينئذ فمعنى تتبعها الرادفة أن رجفة أخرى تتبع الرجفة السابقة ; لأن صفة الراجفة تقتضي وقوع رجفة ، فالرادفة رجفة ثانية تتبع الرجفة الأولى .

ويجوز أن يكون إسناد ( ترجف ) إلى ( الراجفة ) مجازا عقليا ، أطلق الراجفة على سبب الرجف .

فالمراد بـ ( الراجفة ) : الصيحة والزلزلة التي ترجف الأرض بسببها جعلت هي الراجفة مبالغة ، كقولهم : عيشة راضية ، وهذا هو المناسب لقوله : تتبعها الرادفة أي : تتبع تلك الراجفة ، أي : مسببة الرجف رادفة ، أي : واقعة بعدها .

ويجوز أن يكون الرجف مستعارا لشدة الصوت فشبه الصوت الشديد بالرجف وهو التزلزل .

وتأنيث ( الراجفة ) على هذا لتأويلها بالواقعة أو الحادثة .

و تتبعها الرادفة : التالية ، يقال : ردف بمعنى تبع ، والرديف : التابع لغيره ، قال تعالى : أني ممدكم بثلاثة آلاف من الملائكة مردفين ، أي : تتبع الرجفة الأولى ثانية ، فالمراد : رادفة من جنسها وهما النفختان اللتان في قوله تعالى : ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا ما شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون .

وجملة تتبعها الرادفة حال من الراجفة .

وتنكير ( قلوب ) للتكثير ، أي : قلوب كثيرة ولذلك وقع مبتدأ وهو نكرة لإرادة النوعية .

[ ص: 68 ] والمراد : قلوب المشركين الذين كانوا يجحدون البعث ، فإنهم إذا قاموا فعلموا أن ما وعدهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - به حق توقعوا ما كان يحذرهم منه من عقاب إنكار البعث والشرك وغير ذلك من أحوالهم .

فأما قلوب المؤمنين فإن فيها اطمئنانا متفاوتا بحسب تفاوتهم في التقوى .

والخوف يومئذ وإن كان لا يخلو منه أحد إلا أن أشده خوف الذين يوقنون بسوء المصير ويعلمون أنهم كانوا ضالين في الحياة الدنيا .

والواجفة : المضطربة من الخوف ، يقال : وجف كضرب وجفا ووجيفا ووجوفا ، إذا اضطرب .

و ( واجفة ) خبر ( قلوب ) .

وجملة أبصارها خاشعة خبر ثان عن ( قلوب ) وقد زاد المراد من الوجيف بيانا قوله : أبصارها خاشعة ، أي : أبصار أصحاب القلوب .

والخشوع حقيقته : الخضوع والتذلل ، وهو هيئة للإنسان ، ووصف الأبصار به مجاز في الانخفاض والنظر من طرف خفي من شدة الهلع والخوف من فظيع ما تشاهده من سوء المعاملة ، قال تعالى : خشعا أبصارهم في سورة ( اقتربت الساعة ) . ومثله قوله تعالى : ووجوه يومئذ باسرة .

وإضافة ( أبصار ) إلى ضمير القلوب لأدنى ملابسة ; لأن الأبصار لأصحاب القلوب وكلاهما من جوارح الأجساد مثل قوله : إلا عشية أو ضحاها .

التالي السابق


الخدمات العلمية