الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
لا يملكون منه خطابا

يجوز أن تكون هذه الجملة حالا من ( ما بينهما ) لأن ما بين السماوات والأرض يشمل ما في ذلك من المخلوقات العاقلة ، أو المزعوم لها العقل مثل الأصنام ، فيتوهم أن من تلك المخلوقات من يستطيع خطاب الله ومراجعته .

ويجوز أن تكون استئنافا ابتدائيا لإبطال مزاعم المشركين أو للاحتراس لدفع توهم أن ما تشعر به صلة رب من الرفق بالمربوبين في تدبير شؤونهم يسيغ إقدامهم على خطاب الرب .

[ ص: 50 ] والملك في قوله : لا يملكون منه خطابا معناه القدرة والاستطاعة ; لأن المالك يتصرف فيما يملكه حسب رغبته لا رغبة غيره ، فلا يحتاج إلى إذن غيره .

فنفي الملك نفي للاستطاعة .

وقوله : ( منه ) حال من ( خطابا ) . وأصله صفة لخطاب فلما تقدم على موصوفه صار حالا .

وحرف ( من ) اتصالية ، وهي ضرب من الابتدائية مجازية كقوله تعالى : إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ، ف ( من ) الأولى اتصالية والثانية لتوكيد النص . ومنه قولهم : لست منك ولست مني . وقوله تعالى : ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء أي : لا يستطيعون خطابا يبلغونه إلى الله .

وضمير لا يملكون عائد إلى ما الموصولة في قوله : وما بينهما لأنها صادقة على جميعهم .

والخطاب : الكلام الموجه لحاضر لدى المتكلم ، أو كالحاضر المتضمن إخبارا أو طلبا أو إنشاء مدح أو ذم .

وفعل ( يملكون ) يعم لوقوعه في سياق النفي كما تعم النكرة المنفية . و ( خطابا ) عام أيضا وكلاهما من العام المخصوص بمخصص منفصل كقوله عقب هذه الآية لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا وقوله : يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه وقوله : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه وقوله : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى .

والغرض من ذكر هذا إبطال اعتذار المشركين حين استشعروا شناعة عبادتهم الأصنام التي شهر القرآن بها فقالوا : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، وقالوا : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى .

التالي السابق


الخدمات العلمية