الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 32 ] وفتحت السماء فكانت أبوابا

جملة هي حال من ضمير ( تأتون ) .

والتقدير : وقد فتحت السماء ، أي : قد حصل النفخ قبل ذلك أو معه .

ويجوز أن تكون معطوفة على جملة ينفخ في الصور فيعتبر ( يوم ) مضافا إلى هذه الجملة على حد قوله تعالى : ويوم تشقق السماء بالغمام . والتعبير بالفعل الماضي على هذا الوجه لتحقيق وقوع هذا التفتيح حتى كأنه قد مضى وقوعه .

وفتح السماء : انشقاقها بنزول الملائكة من بعض السماوات التي هي مقرهم نزولا يحضرون به لتنفيذ أمر الجزاء كما قال تعالى : ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمن .

وقرأ نافع ، وابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر ، ويعقوب ( وفتحت ) بتشديد الفوقية ، وهو مبالغة في فعل الفتح بكثرة الفتح أو شدته إشارة إلى أنه فتح عظيم ; لأن شق السماء لا يقدر عليه إلا الله .

وقرأه عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف بتخفيف الفوقية على أصل الفعل ، ومجرد تعلق الفتح بالسماء مشعر بأنه فتح شديد .

وفي الفتح عبرة ; لأن السماوات كانت ملتئمة ، فإذا فسد التئامها وتخللتها مفاتح كان معه انخرام نظام العالم الفاني ، قال تعالى : إذا السماء انشقت إلى قوله : يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه .

فالتفتح والفتح سواء في المعنى المقصود ، وهو تهويل يوم الفصل .

وفرع على انفتاح السماء بفاء التعقيب فكانت أبوابا ، أي : ذات أبواب .

فقوله : ( أبوابا ) تشبيه بليغ ، أي : كالأبواب ، وحينئذ لا يبقى حاجز بين سكان السماوات وبين الناس كما تقدم في قوله تعالى : تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة .

[ ص: 33 ] والإخبار عن السماء بأنها أبواب جرى على طريق المبالغة في الوصف بذات أبواب للدلالة على كثرة المفاتح فيها ، حتى كأنها هي أبواب ، وقريب منه قوله تعالى : وفجرنا الأرض عيونا ؛ حيث أسند التفجير إلى لفظ الأرض ، وجيء باسم العيون تمييزا ، وهذا يناسب معنى قراءة التشديد ويؤكده ، ويقيد معنى قراءة التخفيف ويبينه .

و ( كانت ) بمعنى : صارت .

ومعنى الصيرورة من معاني ( كان ) وأخواتها الأربع وهي : ظل ، وبات ، وأمسى ، وأصبح ، وقرينة ذلك أنه مفرع على ( فتحت ) ، ونظيره قوله تعالى : فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان .

والأبواب : جمع باب ، وهو الفرجة التي يدخل منها في حائل من سور أو جدار أو حجاب أو خيمة ، وتقدم في قوله تعالى : وغلقت الأبواب في سورة يوسف ، وقوله : ادخلوا عليهم الباب في سورة العقود .

التالي السابق


الخدمات العلمية