الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كلا سيعلمون

كلا حرف ردع وإبطال لشيء يسبقه غالبا في الكلام يقتضي ردع المنسوب إليه وإبطال ما نسب إليه ، وهو هنا ردع للذين يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون على ما يحتمله التساؤل من المعاني المتقدمة ، وإبطال لما تضمنته جملة يتساءلون من تساؤل معلوم للسامعين .

فموقع الجملة موقع الجواب عن السؤال ، ولذلك فصلت ولم تعطف ; لأن ذلك طريقة السؤال والجواب .

والكلام وإن كان إخبارا عنهم فإنهم المقصودون به ، فالردع موجه إليهم بهذا الاعتبار .

والمعنى : إبطال الاختلاف في ذلك النبأ وإنكار التساؤل عنه ، ذلك التساؤل الذي أرادوا به الاستهزاء وإنكار الوقوع ، وذلك يثبت وقوع ما جاء به النبأ وأنه حق ; لأن إبطال إنكار وقوعه يفضي إلى إثبات وقوعه .

والغالب في استعمال ( كلا ) أن تعقب بكلام يبين ما أجملته من الردع والإبطال ; فلذلك عقبت هنا بقوله : ( سيعلمون ) وهو زيادة في إبطال كلامهم بتحقيق أنهم سيوقنون بوقوعه ويعاقبون على إنكاره ؛ فهما علمان يحصلان لهم بعد الموت : علم بحق وقوع البعث ، وعلم في العقاب عليه .

[ ص: 12 ] ولذلك حذف مفعول ( سيعلمون ) ليعم المعلومين ، فإنهم عند الموت يرون ما سيصيرون إليه ، فقد جاء في الحديث الصحيح : إن الكافر يرى مقعده فيقال له : هذا مقعدك حتى تبعث ، وفي الحديث : القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ، وذلك من مشاهد روح المقبور ، وهي من المكاشفات الروحية ، وفسر بها قوله تعالى : لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين .

فتضمن هذا الإبطال وما بعده إعلاما بأن يوم البعث واقع ، وتضمن وعيدا ، وقد وقع تأكيده بحرف الاستقبال الذي شأنه إفادة تقريب المستقبل .

ومن محاسن هذا الأسلوب في الوعيد أن فيه إيهاما بأنهم سيعلمون جواب سؤالهم الذي أرادوا به الإحالة والتهكم ، وصوروه في صورة طلب الجواب ، فهذا الجواب من باب قول الناس : الجواب ما ترى لا ما تسمع .

التالي السابق


الخدمات العلمية