الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم

الجزء الثاني . كتاب النكاح

- وأصول هذا الكتاب تنحصر في خمسة أبواب :

[ ص: 393 ] الباب الأول : في مقدمات النكاح .

الباب الثاني : في موجبات صحة النكاح .

الباب الثالث : في موجبات الخيار في النكاح .

الباب الرابع : في حقوق الزوجية .

الباب الخامس : في الأنكحة المنهي عنها والفاسدة .

الباب الأول في مقدمات النكاح .

- وفي هذا الباب أربع مسائل : في حكم النكاح ، وفي حكم خطبة النكاح ، وفي الخطبة على الخطبة ، وفي النظر إلى المخطوبة قبل التزويج .

[ المسألة الأولى ]

[ حكم النكاح ]

فأما حكم النكاح : فقال قوم : هو مندوب إليه ، وهم الجمهور . وقال أهل الظاهر : هو واجب . وقالت المتأخرة من المالكية : هو في حق بعض الناس واجب ، وفي حق بعضهم مندوب إليه ، وفي حق بعضهم مباح ، وذلك بحسب ما يخاف على نفسه من العنت .

وسبب اختلافهم : هل تحمل صيغة الأمر به في قوله تعالى : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) ; وفي قوله عليه الصلاة والسلام : " تناكحوا فإني مكاثر بكم الأمم " ; وما أشبه ذلك من الأخبار الواردة في ذلك على الوجوب أم على الندب أم على الإباحة ؟ .

فأما من قال إنه في حق بعض الناس واجب ; وفي حق بعضهم مندوب إليه ; وفي حق بعضهم مباح ; فهو التفات إلى المصلحة ، وهذا النوع من القياس هو الذي يسمى المرسل ، وهو الذي ليس له أصل معين يستند إليه ، وقد أنكره كثير من العلماء ، والظاهر من مذهب مالك القول به .

[ المسألة الثانية ]

[ خطبة النكاح ]

وأما خطبة النكاح المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال الجمهور : إنها ليست واجبة ، وقال داود : هي واجبة . وسبب الخلاف : هل يحمل فعله في ذلك عليه الصلاة والسلام على الوجوب أو على الندب ؟ .

[ المسألة الثالثة ]

[ الخطبة على الخطبة ]

فأما الخطبة على الخطبة : فإن النهي في ذلك ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام .

واختلفوا هل يدل ذلك على فساد المنهي عنه أو لا يدل ، وإن كان يدل ففي أي حالة يدل ؟ فقال داود : يفسخ . وقال الشافعي ، وأبو حنيفة : لا يفسخ . وعن مالك القولان جميعا ، وثالث وهو أن يفسخ قبل [ ص: 394 ] الدخول ولا يفسخ بعده ، وقال ابن القاسم : إنما معنى النهي إذا خطب رجل صالح على خطبة رجل صالح ، وأما إن كان الأول غير صالح والثاني صالحا جاز .

وأما الوقت عند الأكثر فهو إذا ركن بعضهم إلى بعض لا في أول الخطبة ، بدليل حديث فاطمة بنت قيس : " حيث جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن أبا جهم بن حذيفة ، ومعاوية بن أبي سفيان خطباها ، فقال : أما أبو جهم فرجل لا يرفع عصاه عن النساء ، وأما معاوية فصعلوك لا مال له ، ولكن انكحي أسامة " .

[ المسألة الرابعة ]

[ النظر إلى المخطوبة ]

وأما النظر إلى المرأة عند الخطبة ، فأجاز ذلك مالك إلى الوجه والكفين فقط . وأجاز ذلك غيره إلى جميع البدن عدا السوأتين . ومنع ذلك قوم على الإطلاق . وأجاز أبو حنيفة النظر إلى القدمين مع الوجه والكفين .

والسبب في اختلافهم : أنه ورد الأمر بالنظر إليهن مطلقا ، وورد بالمنع مطلقا ، وورد مقيدا : ( أعني بالوجه والكفين ) على ما قاله كثير من العلماء في قوله تعالى : ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) إنه الوجه والكفان ، وقياسا على جواز كشفهما في الحج عند الأكثر ، ومن منع تمسك بالأصل وهو تحريم النظر إلى النساء .

التالي السابق


الخدمات العلمية