الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين .

استئناف قصد به إنصاف طائفة من أهل الكتاب ، بعد الحكم على معظمهم بصيغة تعمهم ، تأكيدا لما أفاده قوله منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون فالضمير في قوله ليسوا لأهل الكتاب المتحدث عنهم آنفا ، وهم اليهود ، وهذه الجملة تتنزل من التي بعدها منزلة التمهيد .

وسواء اسم بمعنى المماثل وأصله مصدر مشتق من التسوية .

وجملة من أهل الكتاب أمة قائمة إلخ . مبينة لإبهام ليسوا سواء والإظهار في مقام الإضمار للاهتمام بهؤلاء الأمة . فالأمة هنا بمعنى الفريق .

وإطلاق أهل الكتاب عليهم مجاز باعتبار ما كان كقوله تعالى وآتوا اليتامى أموالهم لأنهم صاروا من المسلمين .

وعدل عن أن يقال : منهم أمة قائمة إلى قوله من أهل الكتاب : ليكون هذا الثناء شاملا لصالحي اليهود ، وصالحي النصارى ، فلا يختص بصالحي اليهود ، فإن صالحي اليهود قبل بعثة عيسى كانوا متمسكين بدينهم ، مستقيمين عليه ، ومنهم الذين آمنوا بعيسى واتبعوه ، وكذلك صالحو النصارى قبل [ ص: 58 ] بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا مستقيمين على شريعة عيسى ، وكثير منهم أهل تهجد في الأديرة والصوامع وقد صاروا مسلمين بعد البعثة المحمدية .

والأمة : الطائفة والجماعة .

ومعنى قائمة أنه تمثيل للعمل بدينها على الوجه الحق ، كما يقال : سوق قائمة وشريعة قائمة .

والآناء أصله أأناء بهمزتين بوزن أفعال ، وهو جمع - إنى بكسر الهمزة وفتح النون مقصورا - ويقال أنى بفتح الهمزة قال تعالى : غير ناظرين إناه أي غير منتظرين وقته .

وجملة وهم يسجدون حال ، أي يتهجدون في الليل بتلاوة كتابهم ، فقيدت تلاوتهم الكتاب بحالة سجودهم . هذا الأسلوب أبلغ وأبين من أن يقال : يتهجدون لأنه يدل على صورة فعلهم .

ومعنى يسارعون في الخيرات يسارعون إليها أي يرغبون في الاستكثار منها . والمسارعة مستعارة للاستكثار من الفعل ، والمبادرة إليه ، تشبيها للاستكثار والاعتناء بالسير السريع لبلوغ المطلوب . وفي للظرفية المجازية ، وهي تخييلية تؤذن بتشبيه الخيرات بطريق يسير فيه السائرون ، ولهؤلاء مزية السرعة في قطعه . ولك أن تجعل مجموع المركب من قوله ويسارعون في الخيرات تمثيلا لحال مبادرتهم وحرصهم على فعل الخيرات بحال السائر الراغب في البلوغ إلى قصده يسرع في سيره . وسيأتي نظيره عند قوله تعالى لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر في سورة العقود .

والإشارة بأولئك إلى الأمة القائمة الموصوفة بتلك الأوصاف . وموقع اسم الإشارة التنبيه على أنهم استحقوا الوصف المذكور بعد اسم الإشارة بسبب ما سبق اسم الإشارة من الأوصاف .

التالي السابق


الخدمات العلمية