الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل

                                                                      251 حدثنا زهير بن حرب وابن السرح قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة أن امرأة من المسلمين وقال زهير أنها قالت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة قال إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثا وقال زهير تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضي على سائر جسدك فإذا أنت قد طهرت حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن نافع يعني الصائغ عن أسامة عن المقبري عن أم سلمة أن امرأة جاءت إلى أم سلمة بهذا الحديث قالت فسألت لها النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه قال فيه واغمزي قرونك عند كل حفنة [ ص: 327 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 327 ] باب المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل

                                                                      أو يكفيها صب الماء على رأسها
                                                                      من غير نقض الضفائر .

                                                                      ( قالت : إن امرأة من المسلمين ) : هذا اللفظ لابن السرح ، فلم يصرح من هي ( وقال زهير ) : في روايته ( إنها ) : أي أم سلمة فزهير صرح بأن السائلة هي أم سلمة ( أشد ) : بفتح الهمزة وضم الشين أي أحكم ( ضفر رأسي ) : قال النووي : هو بفتح الضاد وإسكان الفاء . هذا هو المشهور المعروف في رواية الحديث والمستفيض عند المحدثين والفقهاء . وقال الإمام ابن أبزى : وقولهم في حديث أم سلمة أشد ضفر رأسي يقولونه بفتح الضاد وإسكان الفاء وصوابه ضم الضاد والفاء جمع ضفيرة كسفينة وسفن وهذا الذي أنكره ليس كما زعمه بل الصواب جواز الأمرين ولكل واحد منهما معنى صحيح ، ولكن يترجح فتح الضاد والمعنى إني امرأة أحكم فتل شعر رأسي ( أن تحفني ) : من الحفن وهو ملء الكفين من أي شيء كان أي تأخذي الحفنة من الماء ( عليه ثلاثا ) : أي على رأسك كما في [ ص: 328 ] رواية الترمذي وهذا لفظ ابن السرح ( تحثي عليه ) : تحثي بكسر مثلثة وسكون ياء أصله تحثوين كتضربين أو تنصرين فحذف حرف العلة بعد نقل حركته أو حذفه وحذف النون للنصب وهو بالواو والياء يقال : حثيت وحثوت لغتان مشهورتان والحثية هي الحفنة وزنا ومعنى ( ثم تفيضي على سائر جسدك فإذا أنت قد طهرت ) : قال الخطابي فيه دليل على أنه إذا انغمس في الماء أو جلل به بدنه من غير دلك باليد وإمرار بها عليه فقد أجزأه ، وهو قول عامة الفقهاء إلا مالك بن أنس فإنه قال في الوضوء إذا غمس يده أو رجله لم يجزه وإن نوى الطهارة حتى يمر يديه على رجليه بذلك بينهما انتهى . ويجيء بيانه مبسوطا في آخر الباب . قال في سبل السلام : والحديث دليل على أنه لا يجب نقض الشعر على المرأة في [ ص: 329 ] غسلها من جنابة أو حيض ، وأنه لا يشترط وصول الماء إلى أصوله ، وهي مسألة خلاف ، فعند البعض لا يجب النقض في غسل الجنابة ويجب في الحيض والنفاس لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة انقضي شعرك واغتسلي وأجيب بأنه معارض بهذا الحديث ويجمع بينهما بأن الأمر بالنقض للندب أو يجاب بأن شعر أم سلمة كان خفيفا فعلم صلى الله عليه وسلم أنه يصل الماء إلى أصوله . وقيل : يجب النقض إن لم يصل الماء إلى أصول الشعر وإن وصل لخفة الشعر لم يجب نقضه أو بأنه إن كان مشدودا نقض وإلا لم يجب نقضه لأنه يبلغ الماء أصوله . وأما حديث بلوا الشعر وأنقوا البشر فلا يقوى على معارضة حديث أم سلمة . وأما فعله صلى الله عليه وسلم وإدخال أصابعه كما سلف في غسل الجنابة ، ففعله لا يدل على الوجوب ثم هو في حق الرجال وحديث أم سلمة في حق النساء . هكذا حاصل ما في الشرح المغربي إلا أنه لا يخفى أن حديث عائشة كان في الحج فإنها أحرمت بعمرة ثم حاضت قبل دخول مكة ، فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تنقض رأسها وتمشط وتغتسل وتهل بالحج وهي حينئذ لم تطهر من حيضها فليس إلا غسل تنظيف لا حيض ، فلا يعارض حديث أم سلمة أصلا ، فلا حاجة [ ص: 330 ] إلى هذه التأويلات التي في غاية الركاكة ، فإن خفة شعر هذه دون هذه يفتقر إلى دليل ، والقول بأن هذا مشدود وهذا بخلافه والعبارة عنهما من الراوي بلفظ النقض دعوى بغير دليل . انتهى كلام صاحب السبل .

                                                                      قلت : مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على فعل وزجره على تاركه يفيد الوجوب ، فالصحيح أنه في حق الرجال دون النساء ، والله تعالى أعلم .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه . ( بمعناه ) : أي ذكر الراوي بمعنى الحديث الأول ، وزاد فيه هذه الجملة : ( واغمزي قرونك عند كل حفنة ) : قال في النهاية : الغمز العصر والكبس باليد أي اكبسي واعصري ضفائر شعرك عند كل حفنة من الماء . وقال أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي : الغمز هو التحريك بشدة . والقرون واحدها قرن . هو شيء مجموع من الشعر من قولك : قرنت الشيء بغيره أي جمعته معه ، ويحتمل أن يكون ذلك الحمل من الشعر ; إذا جمعت وفتلت جاءت على هيئة القرون فسميت بها . انتهى . قال ابن تيمية : فيه دليل على وجوب بل داخل الشعر المسترسل .




                                                                      الخدمات العلمية