الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما يفعل من سلم من ركعتين ساهيا

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن أيوب بن أبي تميمة السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق ذو اليدين فقال الناس نعم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين أخريين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          15 - باب ما يفعل من سلم من ركعتين ساهيا

                                                                                                          210 208 - ( مالك عن أيوب بن أبي تميمة ) بفوقية وميمين بينهما تحتية ساكنة ثم هاء واسمه كيسان ( السختياني ) بفتح السين المهملة على الأصح ، وحكي ضمها وكسرها ، وإسكان الخاء المعجمة ، وفوقية مفتوحة ثم تحتية خفيفة فألف فنون نسبة إلى السختيان وهو الجلد ؛ لأنه كان يبيعه بالبصرة كما جزم به أبو عمر ، وقال غيره : لبيع أو عمل ، البصري أبي بكر ، ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء العباد ، رأى أنس بن مالك وروى عن سالم ونافع وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وغيرهم ، وعنه السفيانان والحمادان ومالك وخلق ، قال شعبة : كان سيد الفقهاء ما رأيت مثله ، مات سنة إحدى وثلاثين ومائة وله خمس وستون سنة .

                                                                                                          ( عن محمد بن سيرين ) بن أبي عمرة الأنصاري مولاهم البصري ، روى عن مولاه أنس وأبي قتادة وسعيد وأبي هريرة وابن عباس وعائشة وخلق ، وعنه ثابت وأيوب وقتادة وخلق ، وثقه أحمد ويحيى وغيرهما ، وقال ابن سعد : كان ثقة مأمونا عالما فقيها إماما ، كثير العلم ورعا ، وكان به صمم ، قال ابن حبان : كان من أورع أهل البصرة فقيها فاضلا حافظا متقنا يعبر الرؤيا ، رأى ثلاثين من الصحابة ، مات في شوال سنة عشر ومائة بعد الحسن بمائة يوم [ ص: 347 ] وهو ابن سبع وسبعين سنة .

                                                                                                          ( عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف ) أي سلم ( من اثنتين ) أي ركعتين ( فقال له ذو اليدين ) اسمه الخرباق بكسر الخاء المعجمة ، وسكون الراء بعدها موحدة فألف فقاف ابن عمرو السلمي بضم السين ، ففي مسلم من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة : فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان في يديه طول ، بناء على اتحاد حديثي أبي هريرة وعمران ورجحه الحافظ ، وقيل : إن ذا اليدين غير الخرباق وطول يديه محمول على الحقيقة ، ويحتمل أنه كناية عن طولهما بالعمل وبالبذل ، قال القرطبي : وجزم ابن قتيبة بأنه كان يعمل بيديه جميعا ، وزعم بعض أنه كان قصير اليدين وكأنه ظن أنه حميد الطويل فهو الذي فيه الخلاف ، وقال جماعة : كان ذو اليدين يكون بالبادية فيجيء فيصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                          ( أقصرت ) بضم القاف وكسر المهملة على البناء للمفعول ( الصلاة ) أي أقصرها الله ، وبفتح القاف وضم الصاد على البناء للفاعل ، أي صارت قصيرة ، قال النووي : هذا أكثر وأرجح ( أم نسيت يا رسول الله ) فاستفهم لأن الزمان زمان نسخ ، وفيه دلالة على ورع الصحابي : إذ لم يجزم بشيء بغير علم .

                                                                                                          ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أصدق ذو اليدين ) فيما قال .

                                                                                                          ( فقال الناس ) أي الصحابة الذين صلوا معه : ( نعم ) صدق ، وفي مسلم عن ابن عيينة عن أيوب قالوا : صدق لم تصل إلا ركعتين ، وفي الصحيحين عن أبي سلمة عن أبي هريرة فقال - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : " أحق ما يقول ؟ " فقالوا : نعم .

                                                                                                          ( فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) وفي الصحيحين من وجه آخر : ثم سلم ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد فوضع يده عليها وفيهم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه فلذا قيل معنى قام اعتدل ، وقيل القيام كناية عن الدخول في الصلاة ، وقال ابن المنير : فيه إيماء إلى أنه أحرم ثم جلس ثم قام ، قال الحافظ : وهو بعيد جدا ولا بعد فيه فضلا عن قوته إذ غاية ما قال فيه إيماء .

                                                                                                          ( فصلى ركعتين أخريين ) بتحتيتين بعد الراء .

                                                                                                          ( ثم سلم ثم كبر ) قال القرطبي : فيه دلالة على أن التكبير للإحرام لإتيانه بثم المقتضية للتراخي فلو كان التكبير للسجود لكان معه ، وقد اختلف هل يشترط لسجود السهو بعد السلام إحرام أو يكتفى بتكبير السجود ، فالجمهور على الاكتفاء ، ومذهب مالك وجوب التكبير لكن لا تبطل بتركه ، وأما نية إتمام ما بقي فلا بد منها .

                                                                                                          ( فسجد ) للسهو ( مثل سجوده ) للصلاة ( أو أطول ثم رفع ) من سجوده ( ثم كبر فسجد ) ثانية ( مثل سجوده ) للصلاة ( أو أطول ) منه ( ثم رفع ) أي ثانيا من السجدة الثانية ، [ ص: 348 ] ولم يذكر أنه تشهد بعد سجدتي السهو ، وقد روى البخاري تلو هذا الحديث عن سلمة بن علقمة قال : قلت لمحمد يعني ابن سيرين في سجدتي السهو تشهد ؟ قال : ليس في حديث أبي هريرة ومفهومه أنه ورد في حديث غيره .

                                                                                                          وقد روى أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم من طريق أشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن ابن المهلب عن عمران بن حصين : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم " صححه الحاكم على شرطهما .

                                                                                                          وقال الترمذي : حسن غريب .

                                                                                                          وضعفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما ووهموا رواية أشعث لمخالفته غيره من الحفاظ عن ابن سيرين ، فإن المحفوظ عنه في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد ، وكذا المحفوظ عن خالد الحذاء بهذا الإسناد لا ذكر للتشهد فيه ، كما أخرجه مسلم فصارت زيادة شاذة ، لكن قد جاء التشهد في سجود السهو عن ابن مسعود عند أبي داود والنسائي وعن المغيرة عند البيهقي وفي إسنادهما ضعف إلا أنه باجتماع الأحاديث الثلاثة ترتقي إلى درجة الحسن ، قال العلاء : وليس ذلك ببعيد وقد صح ذلك عند أبي شيبة عن ابن مسعود من قوله : وهذا الحديث أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك به ، وتابعه سفيان بن عيينة وحماد وغيرهما عن أيوب بنحوه في الصحيحين وغيرهما .




                                                                                                          الخدمات العلمية