الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 123 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى ، رضي الله عنه ، وأبوه هو صاحب إحدى المعلقات السبع ، الشاعر ابن الشاعر ، وذكر قصيدته التي سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي : بانت سعاد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من منصرفه عن الطائف كتب بجير بن زهير بن أبي سلمى إلى أخيه لأبويه كعب بن زهير يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه ، وأن من بقي من شعراء قريش; ابن الزبعرى وهبيرة بن أبي وهب هربوا في كل وجه ، فإن كانت لك في نفسك حاجة ، فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا ، وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك من الأرض . وكان كعب قد قال :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ألا أبلغا عني بجيرا رسالة فويحك مما قلت ويحك هل لكا     فبين لنا إن كنت لست بفاعل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      على أي شيء غير ذلك دلكا [ ص: 124 ]     على خلق لم ألف يوما أبا له
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عليه وما تلفي عليه أبا لكا     فإن أنت لم تفعل فلست بآسف
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولا قائل إما عثرت لعا لكا     سقاك بها المأمون كأسا روية
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فأنهلك المأمون منها وعلكا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن هشام وأنشدني بعض أهل العلم بالشعر :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من مبلغ عني بجيرا رسالة     فهل لك فيما قلت بالخيف هل لكا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شربت مع المأمون كأسا روية     فأنهلك المأمون منها وعلكا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وخالفت أسباب الهدى واتبعته     على أي شيء ويب غيرك دلكا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      على خلق لم تلف أما ولا أبا     عليه ولم تدرك عليه أخا لكا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فإن أنت لم تفعل فلست بآسف     ولا قائل إما عثرت لعا لكا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : وبعث بها إلى بجير فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشده إياها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع : سقاك بها المأمون " صدق وإنه لكذوب ، أنا المأمون " . ولما سمع : على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه . قال : " أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه " . قال : ثم كتب [ ص: 125 ] بجير إلى كعب يقول له :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من مبلغ كعبا فهل لك في التي     تلوم عليها باطلا وهي أحزم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إلى الله لا العزى ولا اللات وحده     فتنجو إذا كان النجاء وتسلم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت     من الناس إلا طاهر القلب مسلم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فدين زهير وهو لا شيء دينه     ودين أبي سلمى علي محرم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض ، وأشفق على نفسه ، وأرجف به من كان في حاضره من عدوه ، وقالوا : هو مقتول . فلما لم يجد من شيء بدا قال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر فيها خوفه وإرجاف الوشاة به من عدوه ، ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل - كانت بينه وبينه معرفة - من جهينة ، كما ذكر لي ، فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح ، فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أشار له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هذا رسول الله ، فقم إليه فاستأمنه . فذكر لي أنه قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس إليه ، ووضع يده في يده ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفه ، فقال : يا رسول الله ، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائبا مسلما ، فهل أنت قابل منه إن جئتك به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم " . فقال : إذا أنا يا رسول الله كعب بن زهير قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أنه وثب عليه رجل من الأنصار ، فقال : يا رسول الله ، دعني وعدو الله أضرب عنقه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دعه عنك ، فإنه قد جاء تائبا نازعا " قال : فغضب كعب بن زهير على هذا الحي من الأنصار لما صنع به صاحبهم; وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير ، فقال في قصيدته التي قال حين قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بانت سعاد فقلبي اليوم متبول     متيم إثرها لم يفد مكبول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما سعاد غداة البين إذ برزت     إلا أغن غضيض الطرف مكحول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت     كأنه منهل بالراح معلول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 127 ] شجت بذي شبم من ماء محنية     صاف بأبطح أضحى وهو مشمول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه     من صوب غادية بيض يعاليل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيا لها خلة لو أنها صدقت     بوعدها أو لو ان النصح مقبول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لكنها خلة قد سيط من دمها     فجع وولع وإخلاف وتبديل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فما تدوم على حال تكون بها     كما تلون في أثوابها الغول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما تمسك بالعهد الذي زعمت     إلا كما يمسك الماء الغرابيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلا يغرنك ما منت وما وعدت     إن الأماني والأحلام تضليل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كانت مواعيد عرقوب لها مثلا     وما مواعيدها إلا الأباطيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أرجو وآمل أن يعجلن في أبد     وما لهن إخال الدهر تعجيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أمست سعاد بأرض لا يبلغها     إلا العتاق النجيبات المراسيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولن يبلغها إلا عذافرة     فيها على الأين إرقال وتبغيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت     عرضتها طامس الأعلام مجهول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ترمي النجاد بعيني مفرد لهق     إذا توقدت الحزان والميل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ضخم مقلدها فعم مقيدها     في خلقها عن بنات الفحل تفضيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حرف أخوها أبوها من مهجنة     وعمها خالها قوداء شمليل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يمشي القراد عليها ثم يزلقه     منها لبان وأقراب زهاليل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عيرانة قذفت بالنحض عن عرض     مرفقها عن بنات الزور مفتول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قنواء في حرتيها للبصير بها     عتق مبين وفي الخدين تسهيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كأن ما فات عينيها ومذبحها     من خطمها ومن اللحيين برطيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تمر مثل عسيب النخل ذا خصل     في غارز لم تخونه الأحاليل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تهوي على يسرات وهي لاهية     ذوابل وقعهن الأرض تحليل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سمر العجايات يتركن الحصى زيما     لم يقهن رءوس الأكم تنعيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يوما يظل به الحرباء مرتبئا     كأن ضاحيه بالشمس مملول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال للقوم حاديهم وقد جعلت     ورق الجنادب يركضن الحصا قيلوا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كأن أوب ذراعيها وقد عرقت     وقد تلفع بالقور العساقيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أوب يدي فاقد شمطاء معولة     قامت فجاوبها نكد مثاكيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 131 ] نواحة رخوة الضبعين ليس لها     لما نعى بكرها الناعون معقول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تفري اللبان بكفيها ومدرعها     مشقق عن تراقيها رعابيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تسعى الغواة جنابيها وقولهم     إنك يابن أبي سلمى لمقتول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال كل صديق كنت آمله     لا ألهينك إني عنك مشغول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقلت خلوا سبيلي لا أبا لكم     فكل ما قدر الرحمن مفعول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كل ابن أنثى وإن طالت سلامته     يوما على آلة حدباء محمول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نبئت أن رسول الله أوعدني .     والعفو عند رسول الله مأمول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مهلا هداك الذي أعطاك نافلة     القرآن فيه مواعيظ وتفصيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم     أذنب ولو كثرت في الأقاويل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لقد أقوم مقاما لو يقوم به     أرى وأسمع ما قد يسمع الفيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 132 ] لظل ترعد من وجد بوادره     إن لم يكن من رسول الله تنويل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حتى وضعت يميني ما أنازعه     في كف ذي نقمات قوله القيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلهو أخوف عندي إذ أكلمه     وقيل إنك منسوب ومسئول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من ضيغم بضراء الأرض مخدره     في بطن عثر غيل دونه غيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما     لحم من الناس معفور خراديل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا يساور قرنا لا يحل له     أن يترك القرن إلا وهو مفلول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      منه تظل حمير الوحش نافرة     ولا تمشي بواديه الأراجيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 133 ] ولا يزال بواديه أخو ثقة     مضرج البز والدرسان مأكول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إن الرسول لنور يستضاء به     مهند من سيوف الله مسلول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في عصبة من قريش قال قائلهم     ببطن مكة لما أسلموا زولوا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      زالوا فما زال أنكاس ولا كشف     عند اللقاء ولا ميل معازيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم     ضرب إذا عرد السود التنابيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شم العرانين أبطال لبوسهم     من نسج داود في الهيجا سرابيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بيض سوابغ قد شكت لها حلق     كأنها حلق القفعاء مجدول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم     قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 134 ] لا يقع الطعن إلا في نحورهم     وما لهم عن حياض الموت تهليل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هكذا أورد محمد بن إسحاق هذه القصيدة ، ولم يذكر لها إسنادا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد رواها الحافظ البيهقي في " دلائل النبوة " بإسناد متصل ، فقال : أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن الحسن بن أحمد الأسدي بهمدان ، ثنا إبراهيم بن الحسين ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ثنا الحجاج بن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن كعب بن زهير بن أبي سلمى عن أبيه ، عن جده قال : خرج كعب وبجير ابنا زهير حتى أتيا أبرق العزاف ، فقال بجير لكعب : اثبت في هذا المكان حتى آتي هذا الرجل - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأسمع ما يقول . فثبت كعب وخرج بجير فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرض عليه الإسلام فأسلم ، فبلغ ذلك كعبا فقال :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ألا أبلغا عني بجيرا رسالة     على أي شيء ويب غيرك دلكا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      على خلق لم تلف أما ولا أبا     عليه ولم تدرك عليه أخا لكا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 135 ] سقاك أبو بكر بكأس روية     وأنهلك المأمون منها وعلكا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلما بلغت الأبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدر دمه ، وقال : " من لقي كعبا فليقتله " . فكتب بذلك بجيرا إلى أخيه ، وذكر له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهدر دمه ، ويقول له : النجاء وما أراك تنفلت . ثم كتب إليه بعد ذلك : اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتيه أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، إلا قبل ذلك منه وأسقط ما كان قبل ذلك ، فإذا جاءك كتابي هذا ، فأسلم وأقبل . قال : فأسلم كعب وقال قصيدته التي يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أقبل حتى أناخ راحلته بباب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كالمائدة بين القوم ، متحلقون معه حلقة خلف حلقة ، يلتفت إلى هؤلاء مرة فيحدثهم ، وإلى هؤلاء مرة فيحدثهم . قال كعب : فأنخت راحلتي بباب المسجد ، ثم دخلت المسجد ، فعرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفة ، فتخطيت حتى جلست إليه ، فأسلمت وقلت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك محمد رسول الله ، الأمان يا رسول الله . قال : " ومن أنت؟ " قلت : كعب بن زهير قال : " الذي يقول " . ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فقال : " كيف قال يا أبا بكر؟ " فأنشده أبو بكر : .


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سقاك أبو بكر بكأس روية     وأنهلك المأمور منها وعلكا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 136 ] قال : يا رسول الله ، ما قلت هكذا . قال : " فكيف قلت؟ " قال : قلت :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سقاك أبو بكر بكأس روية     وأنهلك المأمون منها وعلكا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مأمون والله " . ثم أنشده القصيدة كلها حتى أتى على آخرها ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وهي هذه القصيدة :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بانت سعاد فقلبي اليوم متبول     متيم عندها لم يفد مكبول

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم ما ذكرناه من الرمز لما اختلف فيه إنشاد ابن إسحاق والبيهقي رحمهما الله عز وجل . وذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب " الاستيعاب " أن كعبا لما انتهى إلى قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إن الرسول لنور يستضاء به     مهند من سيوف الله مسلول
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نبئت أن رسول الله أوعدني     والعفو عند رسول الله مأمول

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من معه أن اسمعوا . وقد ذكر ذلك قبله موسى بن عقبة في " مغازيه " ، ولله الحمد والمنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : ورد في بعض الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه بردته حين أنشده [ ص: 137 ] القصيدة . وقد نظم ذلك الصرصري في بعض مدائحه . وهكذا ذكر ذلك الحافظ أبو الحسن بن الأثير في " الغابة " قال : وهي البردة التي عند الخلفاء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : وهذا من الأمور المشهورة جدا ، ولكن لم أر ذلك في شيء من هذه الكتب المشهورة بإسناد أرتضيه . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لما قال : بانت سعاد : " ومن سعاد؟ " قال : زوجتي يا رسول الله . قال : " لم تبن " . ولكن لم يصح ذلك ، وكأنه على ذلك توهم أن بإسلامه تبين امرأته ، والظاهر أنه إنما أراد البينونة الحسية لا الحكمية . والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : وقال عاصم بن عمر بن قتادة : فلما قال كعب - يعني في قصيدته - : إذا عرد السود التنابيل . وإنما يريدنا معشر الأنصار; لما كان صاحبنا صنع به ، وخص المهاجرين من قريش بمدحته; غضبت عليه الأنصار فقال بعد أن أسلم يمدح الأنصار ، ويذكر بلاءهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وموضعهم من اليمن :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 138 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من سره كرم الحياة فلا يزل     في مقنب من صالحي الأنصار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ورثوا المكارم كابرا عن كابر     إن الخيار هم بنو الأخيار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      المكرهين السمهري بأذرع     كسوالف الهندي غير قصار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والناظرين بأعين محمرة     كالجمر غير كليلة الإبصار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والبائعين نفوسهم لنبيهم     للموت يوم تعانق وكرار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والقائدين الناس عن أديانهم     بالمشرفي وبالقنا الخطار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يتطهرون يرونه نسكا لهم     بدماء من علقوا من الكفار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      دربوا كما دربت ببطن خفية     غلب الرقاب من الأسود ضواري
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وإذا حللت ليمنعوك إليهم     أصبحت عند معاقل الأغفار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 139 ] ضربوا عليا يوم بدر ضربة     دانت لوقعتها جميع نزار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لو يعلم الأقوام علمي كله     فيهم لصدقني الذين أماري
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قوم إذا خوت النجوم فإنهم     للطارقين النازلين مقاري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن هشام ويقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين أنشده بانت سعاد : لولا ذكرت الأنصار بخير ، فإنهم لذلك أهل فقال كعب هذه الأبيات وهي في قصيدة له .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : وبلغني عن علي بن زيد بن جدعان أن كعب بن زهير أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد : بانت سعاد فقلبي اليوم متبول . وقد رواه الحافظ البيهقي بإسناده المتقدم إلى إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثني معن بن عيسى حدثني محمد بن عبد الرحمن الأوقص عن ابن جدعان فذكره ، وهو مرسل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر رحمه الله ، في كتاب " الاستيعاب في [ ص: 140 ] معرفة الأصحاب " بعد ما أورد طرفا من ترجمة كعب بن زهير إلى أن قال : وقد كان كعب بن زهير شاعرا مجودا كثير الشعر مقدما في طبقته هو وأخوه بجير وكعب أشعرهما ، وأبوهما زهير فوقهما ، ومما يستجاد من شعر كعب بن زهير قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لو كنت أعجب من شيء لأعجبني     سعي الفتى وهو مخبوء له القدر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يسعى الفتى لأمور ليس يدركها     فالنفس واحدة والهم منتشر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والمرء ما عاش ممدود له أمل     لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم أورد له ابن عبد البر أشعارا كثيرة يطول ذكرها ولم يؤرخ وفاته ، وكذا لم يؤرخها أبو الحسن بن الأثير في كتاب " الغابة في معرفة الصحابة " ولكن حكى أن أباه توفي قبل المبعث بسنة . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال السهيلي : ومما أجاد فيه كعب بن زهير قوله يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تجري به الناقة الأدماء معتجرا     بالبرد كالبدر جلى ليلة الظلم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ففي عطافيه أو أثناء بردته     ما يعلم الله من دين ومن كرم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية