الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ( 26 ) فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ( 27 ) )

يقول - تعالى ذكره - : ( وقال الذين كفروا ) بالله ورسوله من مشركي قريش : [ ص: 460 ] ( لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ) يقول : قالوا للذين يطيعونهم من أوليائهم من المشركين : لا تسمعوا لقارئ هذا القرآن إذا قرأه ، ولا تصغوا له ، ولا تتبعوا ما فيه فتعملوا به .

كما حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) قال : هذا قول المشركين ، قالوا : لا تتبعوا هذا القرآن والهوا عنه .

وقوله : ( والغوا فيه ) يقول : الغطوا بالباطل من القول إذا سمعتم قارئه يقرؤه كيما لا تسمعوه ، ولا تفهموا ما فيه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد ، في قول الله : ( لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ) قال : المكاء والتصفير ، وتخليط من القول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأ ، قريش تفعله .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( والغوا فيه ) قال : بالمكاء والتصفير والتخليط في المنطق على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأ القرآن ، قريش تفعله .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ) : أي اجحدوا به وأنكروه وعادوه ، قال : هذا قول مشركي العرب .

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر قال : قال بعضهم [ ص: 461 ] في قوله : ( والغوا فيه ) قال : تحدثوا وصيحوا كيما لا تسمعوه .

وقوله : ( لعلكم تغلبون ) يقول : لعلكم بفعلكم ذلك تصدون من أراد استماعه عن استماعه ، فلا يسمعه ، وإذا لم يسمعه ولم يفهمه لم يتبعه ، فتغلبون بذلك من فعلكم محمدا .

قال الله - جل ثناؤه - : ( فلنذيقن الذين كفروا ) بالله من مشركي قريش الذين قالوا هذا القول عذابا شديدا في الآخرة ( ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ) يقول : ولنثيبنهم على فعلهم ذلك وغيره من أفعالهم بأقبح جزاء أعمالهم التي عملوها في الدنيا .

التالي السابق


الخدمات العلمية