الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ( ياأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين ( 102 ) )

                                                                                                                                                                                                                                      قوله عز وجل : ) ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) الآية . أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا حفص بن عمر أنا هشام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه : سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة ، فغضب فصعد المنبر فقال : " لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم " ، فجعلت أنظر يمينا وشمالا فإذا كان رجل لاف رأسه في ثوبه يبكي ، فإذا رجل كان إذا لاحى الرجال يدعى لغير أبيه ، فقال : يا رسول الله من أبي؟ قال " حذافة " : ثم أنشأ عمر ، فقال : رضينا بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا نعوذ بالله من الفتن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط ، إني صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما وراء الحائط " ، وكان قتادة يذكر عند هذا الحديث هذه الآية ( ياأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) .

                                                                                                                                                                                                                                      قال يونس عن ابن شهاب : أخبرني عبيد الله بن عبد الله قال : قالت أم عبد الله بن حذافة لعبد الله بن حذافة : ما سمعت بابن قط أعق منك ، أأمنت أن تكون أمك قد قارفت بعض ما تقارف نساء أهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس؟ قال عبد الله بن حذافة والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته . وروي عن عمر قال : يا رسول الله إنا حديثو عهد بجاهلية فاعف عنا يعف الله سبحانه وتعالى عنك ، فسكن غضبه .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا الفضل بن سهل أخبرنا أبو النضر أنا أبو خيثمة أنا أبو جويرية عن ابن عباس قال : كان [ ص: 106 ] قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء ، فيقول الرجل : من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته : أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية ( ياأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) حتى فرغ من الآية كلها . وروي عن علي رضي الله عنه قال : لما نزلت : ( ولله على الناس حج البيت ) قال رجل : يا رسول الله أفي كل عام فأعرض عنه حتى عاد مرتين أو ثلاثا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما يؤمنك أن أقول نعم؟ والله لو قلت نعم لوجبت ، ولو وجبت ما استطعتم ، فاتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه " ، فأنزل الله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) أي : إن تظهر لكم تسؤكم ، أي : إن أمرتم بالعمل بها ، فإن من سأل عن الحج لم يأمن أن يؤمر به في كل عام فيسوءه ، ومن سأل عن نسبه لم يأمن من أن يلحقه بغيره فيفتضح .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال مجاهد نزلت حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، ألا تراه ذكرها بعد ذلك؟ ( وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم ) معناه صبرتم حتى ينزل القرآن بحكم من فرض أو نهي أو حكم ، وليس في ظاهره شرح ما بكم إليه حاجة ومست حاجتكم إليه ، فإذا سألتم عنها حينئذ تبدى لكم ، ( عفا الله عنها والله غفور حليم ( قد سألها قوم من قبلكم ) كما سألت ثمود صالحا الناقة وسأل قوم عيسى المائدة ، ( ثم أصبحوا بها كافرين ) فأهلكوا ، قال أبو ثعلبة الخشني : " إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ونهى [ ص: 107 ] عن أشياء فلا تنتهكوها وحد حدودا فلا تعتدوها ، وعفا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية