الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا

قرأه الجمهور وأبو جعفر بكسر الهمزة وهو ظاهر المعنى . وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص وخلف بفتحها عطفا على المجرور بالباء كما تقدم فيكون المعنى : وآمنا بأنا انتفى علمنا بما يراد بالذين في الأرض ، أي : الناس ، أي : ؛ لأنهم كانوا يسترقون علم ذلك فلما حرست السماء انقطع علمهم بذلك . هذا توجيه القراءة بفتح همزة ( أنا ) ومحاولة غير هذا تكلف .

وهذه نتيجة ناتجة عن قولهم ( وإنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع ) إلخ ؛ لأن ذلك السمع كان لمعرفة ما يجري به الأمر من الله للملائكة ومما يخبرهم به مما يريد إعلامهم به فكانوا على علم من بعض ما يتلقفونه فلما منعوا السمع صاروا لا يعلمون شيئا من ذلك فأخبروا إخوانهم بهذا عساهم أن يعتبروا بأسباب هذا التغير [ ص: 231 ] فيؤمنوا بالوحي الذي حرسه الله من أن يطلع عليه أحد قبل الذي يوحى به إليه والذي يحمله إليه .

فحاصل المعنى : إنا الآن لا ندري ماذا أريد بأهل الأرض من شر أو خير بعد أن كنا نتجسس الخبر في السماء .

وهذا تمهيد لما سيقولونه من قولهم ( وإنا منا الصالحون ) ثم قولهم ( وإنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ) ثم قولهم ( وإنا لما سمعنا الهدى آمنا به ) إلى قوله فكانوا لجهنم حطبا .

ومفعول ( ندري ) هو ما دل عليه الاستفهام بعده من قوله أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا وهو الذي علق فعل ( ندري ) عن العمل . والاستفهام حقيقي وعادة المعربين لمثله أن يقدروا مفعولا يستخلص من الاستفهام تقديره : لا ندري جواب هذا الاستفهام ، وذلك تقدير معنى لا تقدير إعراب . هذا هو تفسير الآية على المعنى الأكمل وهي من قبيل قوله تعالى وما أدري ما يفعل بي ولا بكم .

وليس المراد منها فيما نرى أنهم ينفون أن يعلموا ماذا أراد الله بهذه الشهب ، فإن ذلك لا يناسب ما تقدم من أنهم آمنوا بالقرآن إذ قالوا ( إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ) وقولهم فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا فذلك صريح في أنهم يدرون أن الله أراد بمن في الأرض خيرا بهذا الدين وبصرف الجن عن استراق السمع .

وتكرير ( إن ) واسمها للتأكيد لكون هذا الخبر معرضا لشك السامعين من الجن الذين لم يختبروا حراسة السماء .

والرشد : إصابة المقصود النافع وهو وسيلة للخير ، فلهذا الاعتبار جعل مقابلا للشر وأسند فعل إرادة الشر إلى المجهول ولم يسند إلى الله تعالى مع أن مقابله أسند إليه بقوله أم أراد بهم ربهم رشدا ، جريا على واجب الأدب مع الله تعالى في تحاشي إسناد الشر إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية