الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
[ درس ] ( باب ) في أقسام الصلح وأحكامه وما يتعلق به ( الصلح ) ثلاثة أقسام عن إقرار وسكوت أو إنكار وهو إما بيع أو إجارة أو هبة وبين هذه الثلاثة في الصلح عن الإقرار بدليل ذكره السكوت والإنكار بعد فقال ( على ) أخذ ( غير المدعى ) به ( بيع ) لذات المدعى به فيشترط فيه شروط البيع وانتفاء موانعه كدعواه بعرض أو بحيوان أو طعام فأقر به ثم صالحه على دنانير أو دراهم نقدا أو على عرض أو طعام مخالف للمصالح عنه كذلك فهو معاوضة فإن اختل شرط البيع كصلحه عن عبد بثوب بشرط أن لا يلبسه أو لا يبيعه أو بشيء مجهول أو لأجل مجهول أو بشيء [ ص: 310 ] نجس أو غير مقدور على تسليمه لم يصح ( أو إجارة ) أو للتنويع أي أن الصلح على غير المدعى به إن كان بمنافع فهو إجارة للمصالح به فيشترط فيها شروطها فإن كان المدعى به معينا كهذا العبد أو كهذه الدابة جاز صلحه عنه بمنافع معينة أو مضمونة لعدم فسخ الدين في الدين وإن كان المدعى به غير معين بل كان مضمونا في الذمة كدينار أو ثوب موصوف فأقر به لم يجز الصلح عليه بمنافع معينة ولا مضمونة ; لأنه فسخ دين في دين وأما الصلح عن إنكار فسيذكر لهالمصنف ثلاثة شروط زيادة على شروط البيع والإجارة ( و ) الصلح ( على ) أخذ ( بعضه ) أي المدعى به ( هبة ) للبعض المتروك وإبراء منه ( وجاز ) الصلح ( عن دين بما يباع به ) ذلك الدين أي بما تصح به المعاوضة كدعواه عرضا أو حيوانا أو طعاما فيصالحه بدنانير أو دراهم أو بهما أو بعرض أو بطعام مخالف للمصالح عنه نقدا ويمنع بمنافع كسكنى دار أو بمؤخر لئلا يؤدي إلى فسخ دين في دين أو صرف مؤخر أو نساء وكذا إن أدى إلى بيع الطعام قبل قبضه كصلحه عن طعام من بيع بدراهم أو غيرها أو أدى إلى ضعة وتعجيل كصلحه عن عشرة دنانير أو دراهم أو أثواب مؤجلة بثمانية نقدا ورد الممنوع إن كان قائما وقيمته أو مثله إن فات ورجعا للخصومة لئلا يكون تتميما للفاسد .

ولما فرغ من الصلح عما في الذمة أعقبه بصرف ما في الذمة بقوله ( و ) جاز ( عن ذهب بورق وعكسه ) ( إن حلا ) [ ص: 311 ] أي المصالح عنه وبه بأن لا يشترط تأخيره ( وعجل ) فإن اشترط تأخيره فسد ولو عجل وكذا إذا أخر ولم يشترط التأخير لما فيه من الصرف المؤخر ومثل لقوله وعلى بعضه هبة بقوله ( كمائة دينار ودرهم ) واحد صولح بها ( عن مائتيهما ) أي عن مائة دينار ومائة درهم ادعى بهما فأقر بهما فيجوز ; لأنه ترك له تسعة وتسعين درهما وسواء أخذ منه الدرهم نقدا أو أخره به وكذا المائة ; لأنه لا مبايعة هنا وإنما هو قضاء للبعض وهبة للباقي وكلام المصنف ظاهر إن صالح بمعجل مطلقا أو مؤجل والصلح على إقرار لا على إنكار ; لأنه لا يجوز على ظاهر الحكم

التالي السابق


( باب الصلح ) ( قوله : وهو ) أي الصلح من حيث هو .

( قوله : إما بيع إلخ ) لأن المصالح به إن كان مغايرا للمدعى به وكان ذاتا فهو بيع وإن كان منفعة فهو إجارة وإن كان ببعض المدعى به فهو هبة وهذه الأقسام الثلاثة تجري في الصلح على الإقرار وعلى الإنكار وعلى السكوت .

أما جريانها في الإقرار فظاهر وأما في الإنكار فبالنظر للمدعى به والمصالح به وأما في السكوت فلأنه راجع لأحدهما أي الإقرار أو الإنكار لأن المدعى عليه في الواقع إما مقر أو منكر فقول الشارح بين هذه الإقسام الثلاثة في الصلح على الإقرار أي وإن كانت تجري أيضا في الصلح على السكوت وعلى الإنكار وإنما أفرد المصنف الإنكار والسكوت بالذكر فيما يأتي حيث قال أو السكوت أو الإنكار ولم يقتصر على ما هنا ويعمم في قوله هنا الصلح إلخ أي كان على إقرار أو سكوت أو إنكار لانفرادهما عن صلح الإقرار بشروط ثلاثة ذكرها المصنف .

( قوله : به ) أشار بهذا إلى أن كلام المصنف من باب الحذف والإيصال لا أنه من باب حذف نائب الفاعل إذ لا يجوز وقوله بيع لذات المدعى به أي إن كان المأخوذ عوضا عنه ذاتا وسواء كان المدعى به معينا أم لا فهذا مجمل سيأتي تفصيله بقوله وجاز عن دين إلخ فكان ينبغي أن يفرعه بالفاء فكان يقول بيع أو إجارة فلا بد في الجواز أن يكون المأخوذ تصح المعاوضة به عن المدعى به بأن يكون به في البيع معلوما وفي الإجارة معينا حاضرا .

( قوله فيشترط فيه شروط البيع ) أي من كون كل من المدعى به والمأخوذ عوضا ظاهرا منتفعا به مقدورا على تسليمه إلى آخر ما مر من الشروط ( قوله نقدا ) اعلم أنه إنما يحتاج لهذا إذا كان المصالح عنه في الذمة لئلا يلزم فسخ الدين في الدين وأما إن كان المدعى به معينا فلا يشترط كون المصالح به نقدا ( قوله كذلك ) أي نقدا وأما لأجل فيمنع لربا النساء .

( قوله : فهو معاوضة ) أي [ ص: 310 ] جائزة إذ هو كبيع عرض أو حيوان أو طعام بنقد أو بعرض مخالف له أو بطعام مخالف له نقدا .

( قوله : أو إجارة ) أي بالمدعى به أي إجارة للمنافع المصالح بها بالذات المدعى بها .

( قوله : فإن كان المدعى به معينا إلخ ) حاصله أن المصالح به إذا كان منافع فلا بد أن يكون المدعى به معينا حاضرا ككتاب مثلا تدعيه على زيد وهو بيده فيصالحك بسكنى دار أو خدمة عبد فلو كان المدعى به دينا في الذمة كدراهم فلا يجوز الصلح عليها بمنافع لأنه فسخ دين في دين وأما إن كان المصالح به ذاتا فلا بد أن يكون المدعى به معلوما وإلا كان بيع مجهول فقول الشارح فإن كان المدعى به معينا أي حاضرا بيد المدعى عليه .

( قوله كهذا العبد وهذه الدابة ) أي أو هذا الكتاب الحاضر .

( قوله : بمنافع معينة ) أي كسكنى هذه الدار أو خدمة هذا العبد سنة وقوله أو مضمونة أي كسكنى دار أو خدمة عبد سنة ( قوله لأنه فسخ دين في دين ) أي لأن الذمة وإن لم تقبل المعين تقبل منافعه كما مر وقبض الأوائل ليس قبضا للأواخر كما هو قول ابن القاسم .

( قوله : وأما الصلح إلخ ) مقابل لمحذوف أي ولا يشترط في كل من الصلح على الإقرار والسكوت غير شروط البيع إن كان بيعا وغير شروط الإجارة إن كان إجارة وأما الصلح على الإنكار إلخ .

( قوله : وإبراء منه ) أشار بذلك إلى أنه ليس المراد بالهبة حقيقتها حتى يحتاج فيها للقبول من المدعى عليه قبل موت الواهب الذي هو المدعي بل المراد بها الإبراء وحينئذ فلا يشترط قبول ولا تجدد حيازة على المعتمد فإذا أبرأت زيدا مما عليه صح وإن لم يقبل خلافا لما في خش من أن الإبراء يحتاج لقبول وإن لم يحتج لحيازة والهبة تحتاج لهما معا ا هـ تقرير عدوي .

( قوله : وجاز عن دين ) الأنسب فيجوز بقاء التفريع بدل الواو لأن هذا مفصل لإجمال قوله بيع وموضح له ( قوله أي بما تصح به المعاوضة ) أي عن الدين وإنما تصح المعاوضة عن الدين إذا انتفت أوجه الفساد من فسخ الدين في الدين والنساء وبيع الطعام قبل قبضه والصرف المؤخر وضع وتعجل كما ذكره الشارح وعرف المدعي قدر ما يصالح عنه فإن كان مجهولا لم يجز وهذا شرط في كل صلح كان بيعا أو إجارة ولذا اشترط في المدونة في صلح الزوجة عن إرثها معرفتها لجميع التركة ا هـ .

لكن إذا أمكن معرفة ذلك فإن تعذرت جاز على معنى التحلل إذ هو غاية المقدور كما نقله ح عن أبي الحسن .

( قوله : كدعواه عرضا أو حيوانا أو طعاما ) أي كدعواه بأن ما ذكر دين عليه من قرض أو سلم .

( قوله : ويمنع إلخ ) أي ويمنع الصلح عن الدين بما لا يباع به كصلحه بمنافع أو بمؤخر مما ذكر من الدراهم والدنانير أو العرض أو الطعام المخالف عن دعواه بعرض أو حيوان أو طعام من بيع أو قرض وهذا بيان لمفهوم المتن .

( قوله : لئلا يؤدي إلى فسخ دين في دين ) أي إذا صالحه عما يدعيه عليه من المال أو العرض أو الحيوان أو الطعام الدين بسكنى دار أو خدمة عبد .

( قوله : أو صرف مؤخر ) أي كما لو صالحه عما يدعيه عليه من الدنانير التي في ذمته من قرض أو من بيع بفضة مؤجلة .

( قوله : أو نساء ) كما لو صالحه عما يدعيه عليه من القمح الدين بشعير مؤجل .

( قوله : ورد الممنوع إلخ ) ما ذكره من رد الصلح الممنوع إن كان قائما ورد قيمته أو مثله إن فات والرجوع للخصومة هو الذي يفيده كلام ولد ابن عاصم في شرح تحفة أبيه ونصه الصلح بالحرام مفسوخ فيرد إن عثر عليه قبل أن يفوت فإن فات ردت قيمته أو مثله كما في البيع الحرام ثم رجع على صاحبه في دعواه الأولى إلا أن يصطلحا صلحا آخر بما يجوز به الصلح .

( قوله : ورد ) أي الصلح بمعنى الشيء المصالح به وقوله الممنوع أي الذي يمنع الصلح به وقوله إن كان قائما أي إن كان ذلك الصلح بمعنى المصالح به قائما وقوله وقيمته أي وردت قيمة الصلح بمعنى المصالح به أو مثله إن فات وسكت الشارح عن الصلح إذا وقع بمختلف فيه بالجواز والمنع والمعتمد أنه ينفذ ولو أدرك بحدثان قبضه وهو قول مطرف خلافا لعبد الملك بن الماجشون [ ص: 311 ] حيث قال ينفسخ إن أدرك بحدثان قبضه ، وينفذ مع الطول وذلك كما لو صالحه عن دين بثمرة حائط معينة قد أزهت واشترط أخذها تمرا فقد سبق أن العقد على ذلك فيه خلاف فقيل إنه سلم فاسد وهو الراجح وحينئذ فيكون الصلح ممنوعا وقيل إنه بيع وحينئذ فيكون الصلح جائزا وأما الصلح بمكروه فهو نافذ اتفاقا أدرك بحدثان قبضه أو بعد طول .

( قوله : أي المصالح عنه ) حلوله بحسب زعم المدعى به .

( قوله : وعجل ) أي المصالح به ولم يشترط تعجيل المصالح عنه لأنه تحصيل الحاصل تأمل ثم إن مفهوم كلام المصنف عدم اشتراط الحلول والتعجيل في صلحه عن ذهب بمثله وعن ورق بمثله كصلحه عن مائة بخمسين وإنما يشترط أن يكون الصلح عن إقرار وإلا كان فيه سلف جر نفعا فالسلف من حيث إن من أجل ما عجل عد مسلفا والنفع للمدعي بإسقاط اليمين عنه على تقدير لو ردت عليه من المدعى عليه .

( قوله : ادعى بهما ) أي حالة كونهما حالين وأما لو كانا مؤجلين منع الصلح بالمائة دينار والدرهم لما فيه من ضع وتعجل .

( قوله : مطلقا ) أي كان الصلح عن إقرار أو عن إنكار .

( قوله : على ظاهر الحكم ) أي لأن الصلح على ذلك الوجه يؤدي لسلف من المدعي جر نفعا ووجه ذلك أن المائة دينار والدرهم المأخوذين صلحا مؤجلان وتأجيلهما عين السلف منه لأن المدعى به حال وقد انتفع هو بسقوط اليمين عنه بتقدير رد اليمين عليه بنكول المدعى عليه




الخدمات العلمية