الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا )

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا )

                                                                                                                                                                                                                                            وجه تعلق الآية بما قبلها هو أن الله تعالى لما أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالاتقاء بقوله : ( ياأيها النبي اتق الله ) وأكده بالحكاية التي خشي فيها الناس لكي لا يخشى فيها أحدا غيره وبين أنه لم يرتكب أمرا يوجب الخشية بقوله : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) أكده بوجه آخر وقال : ( وإذ أخذنا من النبيين ) كأنه قال اتق الله ولا تخف أحدا واذكر أن الله أخذ ميثاق النبيين في أنهم يبلغون رسالات الله ولا يمنعهم من ذلك خوف ولا طمع ، وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : المراد من الميثاق المأخوذ من النبيين إرسالهم وأمرهم بالتبليغ .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 171 ] المسألة الثانية : خص بالذكر أربعة من الأنبياء وهم : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ; لأن موسى وعيسى كان لهما في زمان نبينا قوم وأمة فذكرهما احتجاجا على قومهما ، وإبراهيم كان العرب يقولون بفضله وكانوا يتبعونه في الشعائر بعضها ، ونوحا لأنه كان أصلا ثانيا للناس حيث وجد الخلق منه بعد الطوفان ، وعلى هذا لو قال قائل : فآدم كان أولى بالذكر من نوح . فنقول : خلق آدم كان للعمارة ونبوته كانت مثل الإرشاد للأولاد ولهذا لم يكن في زمانه إهلاك قوم ولا تعذيب ، وأما نوح فكان مخلوقا للنبوة وأرسل للإنذار ، ولهذا أهلك قومه وأغرقوا .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : في كثير من المواضع يقول الله : ( عيسى ابن مريم ) ، ( المسيح ابن مريم ) إشارة إلى أنه لا أب له إذ لو كان لوقع التعريف به ، وقوله : ( وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ) غلظ الميثاق هو سؤالهم عما فعلوا في الإرسال كما قال تعالى : ( ولنسألن المرسلين ) [ الأعراف : 6 ] وهذا لأن الملك إذا أرسل رسولا وأمره بشيء وقبله فهو ميثاق ، فإذا أعلمه بأنه يسأل عن حاله في أفعاله وأقواله يكون ذلك تغليظا للميثاق عليه حتى لا يزيد ولا ينقص في الرسالة ، وعلى هذا يمكن أن يقال : بأن المراد من قوله تعالى : ( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا ) [ النساء : 21 ] هو الإخبار بأنهم مسئولون عنها ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : “ كلكم راع وكلكم مسئول “ ، وكما أن الله تعالى جعل الرجال قوامين على النساء جعل الأنبياء قائمين بأمور أمتهم وإرشادهم إلى سبيل الرشاد .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية