الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسائل شتى ; يعني متفرقة ، فإنها مسائل من أبواب متفرقة ، يقال : شتى ، وشتان ، وقال الله تعالى : { تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى } . وقال تعالى : { إن سعيكم لشتى } . وقال الشاعر :

                                                                                                                                            قد عشت في الناس أطوارا على طرق شتى وقاسيت فيها اللين والفظعا



                                                                                                                                            ( 4910 ) مسألة ; قال : ( والخنثى المشكل يرث نصف ميراث ذكر ، ونصف ميراث أنثى . فإن بال من حيث يبول الرجل فليس بمشكل ، وحكمه في الميراث وغيره حكم رجل . وإن بال من حيث تبول المرأة فله حكم امرأة ) [ ص: 221 ] الخنثى هو الذي له ذكر وفرج امرأة ، أو ثقب في مكان الفرج يخرج منه البول . وينقسم إلى مشكل وغير مشكل ، فالذي يتبين فيه علامات الذكورية ، أو الأنوثية ، فيعلم أنه رجل ، أو امرأة ، فليس بمشكل ، وإنما هو رجل فيه خلقة زائدة ، أو امرأة فيها خلقة زائدة ،

                                                                                                                                            وحكمه في إرثه وسائر أحكامه حكم ما ظهرت علاماته فيه ، ويعتبر بمباله في قول من بلغنا قوله من أهل العلم . قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الخنثى يورث من حيث يبول ، إن بال من حيث يبول الرجل ، فهو رجل ، وإن بال من حيث تبول المرأة ، فهو امرأة

                                                                                                                                            وممن روي عنه ذلك ; علي ، ومعاوية ، وسعيد بن المسيب ، وجابر بن زيد ، وأهل الكوفة ، وسائر أهل العلم . قال ابن اللبان : روى الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن مولود له قبل وذكر ، من أين يورث ؟ قال : من حيث يبول } . وروي أنه عليه السلام { أتي بخنثى من الأنصار ، فقال : ورثوه من أول ما يبول منه . } ولأن خروج البول أعم العلامات ; لوجودها من الصغير والكبير .

                                                                                                                                            وسائر العلامات إنما يوجد بعد الكبر ، مثل نبات اللحية ، وتفلك الثدي ، وخروج المني ، والحيض ، والحبل . وإن بال منهما جميعا ، اعتبرنا أسبقهما . نص عليه أحمد . وروي ذلك عن سعيد بن المسيب . وبه قال الجمهور . فإن خرجا معا ، ولم يسبق أحدهما ، فقال أحمد ، في رواية إسحاق بن إبراهيم : يرث من المكان الذي ينزل منه أكثر . وحكي هذا عن الأوزاعي ، وصاحبي أبي حنيفة

                                                                                                                                            ووقف في ذلك أبو حنيفة ، ولم يعتبره أصحاب الشافعي رضي الله عنه في أحد الوجهين . ولنا ، أنها مزية لإحدى العلامتين ، فيعتبر بها ، كالسبق . فإن استويا فهو حينئذ مشكل . فإن مات له من يرثه ، فقال الجمهور : يوقف الأمر حتى يبلغ ، فيتبين فيه علامات الرجل ; من نبات اللحية ، وخروج المني من ذكره ، وكونه مني رجل ، أو علامات النساء ; من الحيض .

                                                                                                                                            والحبل ، وتفلك الثديين . نص عليه أحمد ، في رواية الميموني . وحكي عن علي ، والحسن ، أنهما قالا : تعد أضلاعه ، فإن أضلاع المرأة أكثر من أضلاع الرجل بضلع .

                                                                                                                                            قال ابن اللبان : ولو صح هذا ، لما أشكل حاله ، ولما احتيج إلى مراعاة المبال . وقال جابر بن زيد : يوقف إلى جنب حائط ، فإن بال عليه فهو رجل ، وإن شلشل بين فخذيه فهو امرأة

                                                                                                                                            وليس على هذا تعويل ، والصحيح ما ذكرناه ، إن شاء الله تعالى وإنه يوقف أمره ما دام صغيرا ، فإن احتيج إلى قسم الميراث ، أعطي هو ومن معه اليقين ، ووقف الباقي إلى حين بلوغه ، فتعمل المسألة على أنه ذكر ، ثم على أنه أنثى ، وتدفع إلى كل وارث أقل النصيبين ، ويقف الباقي حتى يبلغ . فإن مات قبل بلوغه ، أو بلغ مشكلا ، فلم تظهر فيه علامة ، ورث نصف ميراث ذكر ، ونصف ميراث أنثى

                                                                                                                                            نص عليه أحمد ، وهذا قول ابن عباس ، والشعبي ، وابن أبي ليلى ، وأهل المدينة ، ومكة ، والثوري ، واللؤلؤي وشريك ، والحسن بن صالح ، وأبي يوسف ، ويحيى بن آدم ، وضرار بن صرد ، ونعيم بن حماد . وورثه أبو حنيفة بأسوأ حالاته ، وأعطى الباقي لسائر الورثة . وأعطاه الشافعي ومن معه اليقين ، ووقف الباقي حتى يتبين الأمر ، أو يصطلحوا

                                                                                                                                            وبه قال أبو ثور ، وداود ، وابن جرير . وورثه بعض أهل البصرة على الدعوى فيما بقي بعد اليقين ، وبعضهم بالدعوى من أصل المال . وفيه أقوال شاذة سوى هذه . ولنا ، قول ابن عباس ، ولم نعرف له في الصحابة منكرا ، ولأن حالتيه تساوتا ، فوجبت التسوية بين حكميهما ، كما لو [ ص: 222 ] تداعى نفسان دارا بأيديهما ، ولا بينة لهما

                                                                                                                                            وليس توريثه بأسوأ أحواله بأولى من توريث من معه بذلك ، فتخصيصه بهذا تحكم لا دليل عليه ، ولا سبيل إلى الوقف ; لأنه لا غاية له تنتظر ، وفيه تضييع المال مع يقين استحقاقهم له .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية