الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين إيماء إلى أنهم يترقبهم عذاب الجوع بالقحط والجفاف فإن مكة قليلة المياه ولم تكن بها عيون ولا آبار قبل زمزم ، كما دل عليه خبر تعجب القافلة من جرهم التي مرت بموضع مكة حين أسكنها إبراهيم - عليه السلام - هاجر بابنه إسماعيل ففجر الله لها زمزم ولمحت القافلة الطير تحوم حول مكانها فقالوا : ما عهدنا بهذه الأرض ماء ، ثم حفر ميمون بن خالد الحضرمي بأعلاها بئرا تسمى بئر ميمون في عهد الجاهلية قبيل البعثة ، وكانت بها بئر أخرى تسمى الجفر بالجيم لبني تيم بن مرة ، وبئر تسمى الجم ذكرها ابن عطية وأهملها القاموس وتاجه ، ولعل هاتين البئرين الأخيرتين لم تكونا في عهد النبيء - صلى الله عليه وسلم - .

فماء هذه الآبار هو الماء الذي أنذروا به بأنه يصبح غورا ، وهذا الإنذار نظير الواقع في سورة القلم إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إلى قوله لو كانوا يعلمون .

والغور : مصدر غارت البئر ، إذا نزح ماؤها فلم تنله الدلاء .

والمراد : ماء البير كما في قوله أو يصبح ماؤها غورا في ذكر جنة سورة الكهف .

[ ص: 56 ] وأصل الغور : ذهاب الماء في الأرض ، مصدر غار الماء إذا ذهب في الأرض . والإخبار به عن الماء من باب الوصف بالمصدر للمبالغة مثل : عدل ، ورضى . والمعين : الظاهر على وجه الأرض ، والبئر المعينة : القريبة الماء على وجه التشبيه .

والاستفهام في قوله فمن يأتيكم بماء استفهام إنكاري ، أي لا يأتيكم أحد بماء معين : أي غير الله ، وأكتفي عن ذكره لظهوره من سياق الكلام ومن قوله قبله أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن الآيتين .

وقد أصيبوا بقحط شديد بعد خروج النبيء - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وهو المشار إليه في سورة الدخان . ومن المعلوم أن انحباس المطر يتبعه غور مياه الآبار لأن استمدادها من الماء النازل على الأرض ، قال تعالى ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض وقال وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء .

ومن النوادر المتعلقة بهذه الآية ما أشار إليه في الكشاف مع ما نقل عنه في بيانه ، قال : وعن بعض الشطار هو محمد بن زكرياء الطبيب كما بينه المصنف فيما نقل عنه أنها أي هذه الآية تليت عنده فقال تجيء به ( أي الماء ) الفئوس والمعاول فذهب ماء عينيه . نعوذ بالله من الجرأة على الله وعلى آياته . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية